الأستاذ بجامعة الأزهر ما يتعلق بالقرض من البنك الدولي استهلال يثارجدل بين الأوساط السياسية والاقتصادية والاجتماعية حول قضية الاقتراض من صندوق النقد الدولي لتمويل العجز في الموازنة العامة بعد أن إنخفض الاحتياطي النقدي إلى مستوى حرج جدا و كذلك لتمويل بعض المشروعات الضرورية والهامة , واختلفت الآراء , وتختلف وجهات النظر حسب الايدولوجيات والمذاهب والمشارب و نحو ذلك ,وللاقتصاد الإسلامي أيضا وجهة نظر منبثقة من مصادر الشريعة الإسلامية بصفة عامة ومن فقه المعاملات المالية والسياسة الشرعية يجب بيانها لأؤلي الأمر لعلهم يرشدون . وفي هذه المقالة سوف نوضح الحكم الفقهي ونظرة الاقتصاد الاسلامى إلى قضية الإقتراض بفائدة وأثره على التنمية , ثم بيان البدائل الموضوعية المتاحة لزيادة الموارد لتغطية العجز ولتمويل التنمية. حكم الاقتراض بفائدة في الفقه الإسلامي يرى جمهور الفقهاء أن فائدة القرض هى عين الربا المحرم شرعا ومن أدلتهم على ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :" كل قرض جر نفعا فهو ربا " ( رواه الامام أحمد ) . ويقول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) : " لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه " ( رواه البخاري ومسلم ) , ولقد صدرت فتاوى عن مجامع الفقه الاسلام تؤكد ذلك . ولمزيد من الأدلة يرجع إلى فتوى مجمع البحوث الإسلامية سنة 1965 م . كما صدر عن بعض التوصيات بأن التمويل بالقروض الربوية هى مسكنات ولا تحقق التنمية وينصح بنظام التمويل عن طريق المشاركة في مشروعات تنموية فعلية. كما أن الذي يتحمل عبء هذه القروض وفوائدها هى الأجيال القادمة , بمعنى نقل سوآت الاجيال الحاضرة للأجيال القادمة وهذا مخالف لأساسيات السياسة الشرعية حكم الضرورة للإقتراض بفائدة يرى بعض أصحاب وأنصار الإقتراض بفائدة أن هناك ضرورة وحاجة ملحة للإقتراض , وفقا للمبدأ الذي يقدسونه : الغاية تبرر الوسيلة , لقد وضح الفقهاء أهم الضوابط الشرعية للضرورة والتى تبيح التعامل فى القروض بفائدة فى الآتي : ( 1 ) يشترط أن تكون الضرورة ملجئة بحيث يجد الفاعل نفسه أو غيره فى حالة يخشى منها التلف على النفس أو الأعضاء, وقد ترقى الحاجة إلى منزلة الضرورة التى أدت إلى مشقة لا تحتمل طويلاً. ( 2 ) يشترط أن تكون الضرورة قائمة لا منتظرة ، فليس للجائع أن يأكل الميتة قبل أن يجوع جوعاً شديداً يخشى منه على نفسه , وليس للمقترض أن يقترض بفائدة بدون ضرورة قائمة . ( 3 ) اّ لا يكون لدفع الضرر وسيلة إلاّ ارتكاب هذا الأمر ، فلو أمكن دفع الضرورة بفعل مباح ، امتنع دفعها بفعل محرم ، فالجائع الذى يستطيع شراء الطعام ليس له أن يحتج بحالة الضرورة إذا سرق طعاماً . ( 4 ) – أن تكون قد سدت كافة السبل الحلال المتاحة والوصول إلى مرحلة الضرورات لتطبيق القاعدة الشرعية :" الضرورات تبيح المحظورات " . وعلى ولى الأمر الرجوع إلى أهل الحل والعقد للتحقق من هذه الضوابط ولا يفتى لنفسه , كما يجب الإلتزام بالقاعدة الشرعية وهي : مشروعية الغاية ومشروعية الوسيلة . والسؤال هو : هل سدت كافة أبواب الحلال حتى نلجأ إلى الحرام ؟ البدائل المشروعة المتاحة للإقتراض بفائدة من منظور الاقتصاد الاسلامى , من بين الحلول البديلة لزيادة الموارد والاستغناء عن الاقتراض بفائدة ربوية في مصر ما يلي : ( 1 ) – ترشيد الانفاق الحكومي ( النفقات العامة ) و التركيز على الضروريات والحاجيات والتى تهم أكبر طبقة من الفقراء الذين هم دون حد الكفاية وتأجيل المشروعات الترفية والكمالية لحين ميسرة . أى تطبيق فقه الأولويات الإسلامية , وهذا يتطلب إعادة النظر في هيكلة الموازنة وسياسات الاستيراد من الخارج لسلع كمالية يمكن الاستغناء عنها مؤقتا . (2 ) – ضم موارد الصناديق الخاصة إلى موارد الموازنة العامة وهذا سوف يضيف الى موازنة الدولة المليارات والتى كان يستولى عليها المفسدون في مصر , وخصوصا أن معظم هذه الموارد توجه إلى أناس بعينهم كمجاملات غير مشروعة ولأغراض حزبية لا تعود على الوطن بشئ . ( 3 ) – محاربة الفساد المالي والاقتصادي المستشرى في ربوع الوحدات الحكومية و لا سيما في المحليات وما في حكمها ومن نماذجه : الرشوة والاختلاس والتكسب من الوظيفة والعمولات الوهمية والاحتكار ذو النفوذ السياسي والكسب بدون جهد والتزوير ونحو ذلك , وهذا يتطلب إعادة النظر في قوانين الرقابة وتغليظ العقوبات , وهذا سوف يحافظ على موارد الدولة والتي تستنفذ بدون حق مشروع . ( 4 ) – تطبيق نظام الضريبة التصاعدية على الأغنياء وإعفاء الفقراء من هم دون حد الكفاية من الضرائب الظالمة , وإعادة النظر في ضريبة المبيعات بحيث يزيد عبؤها على السلع والخدمات الكمالية ويخفف عبؤها من على السلع والخدمات الضرورية التى تهم الطبقة الفقيرة , وهذا سوف يساهم في زيادة حصيلة الضرائب بدون عبء على الفقراء . ( 5 ) – تطبيق نظام الحد الأدنى والحد الأقصى للأجور بما يحقق العدالة الاجتماعية , بمعني أن يقل الحد الأدنى عن تكلفة الحاجات الأصلية للحياة الكريمة للإنسان , وتحول المغالاه في الحد الأقصي إلى الفقراء , وهذا سوف يساهم في علاج عجز الموازنة . ( 6 ) – إعادة النظر في سياسات الدعم والذي يستفيد منه الاغنياء و لا سيما كبار رجال الأعمال و الذي لا يصل إلى الفقراء , ومن أمثلة ذلك دعم الطاقة ودعم الكماليات ونحو ذلك , وهذا سوف يوفر مبالغ كبيرة تساهم في تنمية الموارد . ( 7 ) – إعطاء الأمان والأمن لأموال المصريين في الخارج وغيرهم والتى هربت بسبب قهروظلم وفساد النظام السابق , فعندما يوقن المصريون وغيرهم باستقرار مؤسسات الدولة المختلفة ولا سيما المالية والاقتصادية ويشعرون بالأمن سوف تأتي الاستثمارات وهذه سوف تساهم في تنمية موارد الدولة . (8 ) – تطبيق قاعدة لا كسب بلا جهد , ولا جهد بلا كسب . وإعادة النظر فيما يعطي للمستشاريين الموجودين في الوزارات والمصالح الحكومية من مكافآت بدون منفعة , وهذا سوف يساهم في تنمية موارد الدولة وخصوصا لو وجهت هذه المكافآت إلى إصلاح نظام أجور الطبقة الفقيرة ( 9 ) – فرض ضريبة على المعاملات قصيرة الأجل الوهمية والصورية في البورصة والتي لا تحقق تنمية اقتصادية ولكن مضاربات و مقامرات تدخل في نطاق الميسر ومنها المعاملات أول اليوم والتخلص منها في آخر اليوم والمشتقات والمستقبليات , إن فرض ضريبة على مثل هذه المعاملات سوف يصلح حال البورصة من ناحية ويزيد من موارد الدولة من ناحية أخرى . (10 ) – تطبيق نظام الزكاة والوقف الخيرى للمساهمة في التنمية الاجتماعية , وهذا سوف يخفف من الأعباء على موازنة الدولة , ولكن ذلك بضوابط شرعية تحت رعاية شعبية من مؤسسات المجتمع المدنى . وإذا لم تكفي موارد هذه السبل البديلة , حينئذ يطبق فقه الضرورة بالضوابط الشرعية للإقتراض بفائدة و السابق الاشارة إليها تطبيقا لقول الله :" فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه ". خلاص الرأى إذا سدت كافة أبواب الحلال البديلة السابقة , أو لم تكفي هذه الموارد البديلة للضروريات والحاجيات يطبق فقه الضرورة وهو الإقتراض بفائدة وفقا للقاعدة الشرعية : " الضرورات تبيح المحظورات " . ويجب أن نتذكر قول الله عز وجل : :" و لو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون " , وقوله سبحانه وتعالى :" فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى , ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا " . ألم يأن للذين آمنوا أن يطبقوا شرع الله حتى ينزل عليهم بركات من السماء والأرض !! والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات