نحن نمضي الاَن عبر ما يمكن أن نطلق عليه "الثورة الكوبيرنيكية الثانية" هذا هو ما يقوله الكاتب المستقبلي روبرت ثيوبالد في دراسة له حول الديمقراطية التوقعية.. وهو يستطرد قائلا إن كوبيرنيكوس أتاح لنا أن نري الأرض برؤية بعيدة عن الرؤية الشائعة في وقته، باعتبارها مركز الكون، وأنها تدور حول الشمس.. وكذلك علمنا عصر الاتصالات أن كل إنسان هو بالتأكيد مركز كونه الخاص.. وأننا نستقبل العالم من خلال مناظيرنا الخاصة الفريدة، التي تتحدد بالتركيب الجيني الخاص بنا، بالإضافة إلي خبراتنا. وهو يقول إن الفرق الأساسي بين الصناعة وعصر المعلومات والاتصالات، هو المدركات الخاصة بكل منهما.. خلال عصر الصناعة كنا نؤمن بوجود حقيقة موضوعية، يمكن الوصول إليها واكتشافها إذا ما كافحنا بشكل جاد من أجل ذلك.. وكان السبيل الأساسي لذلك هو أن نجزيء الواقع إلي شظايا أصغر فأصغر، لاعتقادنا أن هذا سيقودنا إلي مجموعة من الحقائق الخالصة.. والمشكلة هي أننا وجدنا القليل من تلك الحقائق، وأن الحقائق التي وصلنا إليها بدت بلا نفع في وجه المشكلات التي نصادفها. التعرف علي مصدر السلطة عصر الاتصالات ينطلق من إدراك جديد، هو أن كل شيء متبادل الاتصال.. هذا التناول يقتضي مجموعة مختلفة جدا من الأدوات، وأنماط السلوك، والنماذج.. يقول ثيوبالد: علينا أن نتعلم كيف نعمل من خلال نظام اتصالات، في مكان نظام التحكم، لكي نشجع التنوع في مكان التشابه والنمطية، وأن نستقر عند "ما يكفي" بدلا من السعي إلي ما هو أكثر، وأن نتعلم أيضا كيف نعمل من خلال نسق القيم الذي أطلقنا عليه في الماضي اسم النسق الديني: مثال ذلك الأمانة، والمسئولية، والتواضع، والحب، واحترام الأسرار العقائدية. وعصر الاتصالات ليس مجموعة من التجريدات.. وفي جميع الأحوال علي الذين يريدون أن يفهموا هذا العصر أن يلتزموا بالعيش فيه، بالضبط كما فعل أولئك الذين أوجدوا عصر الصناعة، عندما تنازلوا عن قيم عصر الزراعة، وكما يقول ثيوبالد المنطق وحده لا يكفي في هذا الاختيار، علينا لأن نتحرك بقفزة إيمان. أي مناقشة ذات دلالة، لموضوع مشاركة المواطنين، أو مساهمة المواطنين، أو الديمقراطية التوقعية، يجب أن تتضمن بالضرورة مناقشة مصادر السلطة في الجماعات، والمؤسسات، والثقافات.. ومعظم الأمريكيين لا يبدون ارتياحا حيال هذا الموضوع.. ونتيجة لهذا تظهر سلسلة من العقائد الجامدة التي لا تتوافق مع هذا الموضوع. لهذا يكون من المهم أن نختبر الافتراضات السائدة، وأن نضع المعالم العامة للرؤية البديلة للمجتمع. السلطة البنيوية يقول روبرت ثيوبالد إن ثقافة عصر الصناعة التي نعيشها تقوم علي افتراض أن السلطة "أي حق اتخاذ القرارات وتطبيقها" تتوقف علي المركز الذي يسيطر عليه الفرد.. وموقع القوة يمكن الوصول إليه بعدة طرق: بالترقي في سلم البيروقراطية، أو بالتعيين "كما في الوظائف المدنية العليا أو في بعض جانب من النظام القضائي"، أو من خلال الانتخاب علي أساس العملية الديمقراطية الحالية. ويضيف: لأننا نخشي استغلال السلطة، فإن حق القيادة والتحكم غالبا ما تكبله مجموعة من القيود التي يقصد بها منع استغلال السلطة بشكل غير سليم.. ومبدأ الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية يسيطر علي مجمل النظام الأمريكي. ودرجة التوتر التي تقوم بين أولئك الذين يمسكون بالسلطة، وأولئك الذين تمارس عليهم، تتوقف أساسا علي درجة الثقة بين الأطراف.. وفي السنوات الأخيرة كشفت قياسات الرأي العام عن تدهور متواصل في الثقة الشعبية تجاه كل الجماعات التي تمسك بالسلطة: الحكومة، ورجال الأعمال، والسلطات العمالية، ووسائل الإعلام.. وكان رد الفعل الذي لا مفر منه هو أن يمضي القابضون علي السلطة المزيد من الوقت في تجميل مواقفهم علي حساب الوقت المفترض لاتخاذ القرارات الضرورية.