للبيروقراطية المصرية قرارات تستدعي السخرية والاسف، منذ فترة قررت اسناد جمع القمامة في القاهرة ومحافظات اخري الي شركة اجنبية، لعل ذلك من قبيل استخدام الاستثمار الاجنبي المباشر ولعل المصدرين لذلك القرار لفت انظارهم المستوي العالمي للتكنولوجيا اللازمة لهذه العملية ذات الابعاد العلمية التي لا تقدر عليها الا البلاد الصناعية المتقدمة. تصاعدت بعد ذلك الشكاوي من الاتعاب التي تقررت علي المنازل او علي المتاجر بل بلغ الامر لضمان تحصيل مستحقات المستثمر الاجنبي ان تقرر تحصيل تلك الاتعاب مع فاتورة الكهرباء بعد ذلك حدث ما هو متوقع او غير متوقع من عدم قيام شركة القمامة بالتزاماتها. لنفرض جدلا ان تلك الجهات البيروقراطية في سعيها لجمع القمامة ونظافة الشوارع او المنازل قررت ان يتم تحديد مصاريف جمع القمامة بنصف او ربع ما تقرر لصالح هؤلاء المستثمرين الاجانب وكلفت "الزبالين" بهذه المهمة الا نتوقع ان مستوي نظافة الشوارع وجمع القمامة من المنازل يتم بصورة من النظافة لم يكن متوقعا.. يقول بعض "الخبثاء" "كانوا لحسوا الشوارع بلسانهم". للعلم فإن جامعي القمامة في المدن المصرية فئة تقوم بعملها بكفاءة ولعل هذه الحرفة من القلائل التي لا يتم فيها هدر بل يتم فرز الزبالة من ورق ومعادن علي اختلافها وبلاستيك وخشب الي آخره دون فقدان اي شيء.. وذلك باستخدام تكنولوجيا "متخلفة" أي الفرز اليدوي. اغرب ما سمعته ان سكرتيرة احد المديرين بشركة جمع القمامة تتقاضي مرتبا شهريا يبلغ الفا وخمسمائة جنيه وهو مدير وليس رئيس مجلس الادارة او نائب رئيس مجلس الادارة.. هذا النمط من التربح الطفيلي يكاد يكون طابعا عاما في اغلب القرارات المشابهة التي تصدر من البيروقراطية المصرية. آخر ما خرجت به الاخبار هو تكوين شركة او شركتين رأسمال كل منهما عدة مئات من الملايين لتسيير تاكسيات حديثة مكيفة الهواء من الصناعة المصرية في القاهرة - لاحظ صناعة مصرية. بدء العداد بثلاثة جنيهات او ثلاثة جنيهات ونصف الجنيه والكيلو متر بجنيه واحد. وبداية العداد "البنديرة" حاليا 60 قرشا. بالله عليكم لو ان البنديرة الحالية كانت جنيهين او جنيها ونصف الجنيه اي 50% من البنديرة المطلوبة للتاكسي الجديد هل كان حال التاكسي في القاهرة يكون علي هذا القدر من السوء؟ وهل كان التفتيش علي سلامة التاكسي وشكله والعداد سيكون علي هذا الحال من الشكلية والتقاعس ام انه كان يمكن تطبيق الاشتراطات القانونية علي تلك السيارات سواء في المظهر او حسن الاداء الآلي. انما سائقو التاكسي حالهم ووضعهم الاجتماعي ليس احسن بكثير من حال الزبالين وليس لهم ظهر وهم بالحتم ليسوا في قوة اصحاب مصانع ربط المفك في ما يسمي مصانع السيارات المصرية الذين لا يزيد دورهم عن تجميع الانتاج الاجنبي للتسويق في السوق المحلي مستفيدين من فرق الجمارك بين السيارة المجمعة في الخارج واجزائها المستوردة نصف مجمعة دون اضافة قيمة.. هؤلاء اضرتهم التعريفة الجمركية الجديدة وهم في وضع يمكنهم من الضغط لاستحداث سوق عشرين الف سيارة تاكسي. جدير بالذكر ان خفض الرسوم الجمركية لا يتناول السيارات ذات سعة الموتور الكبير الذي تقوم بتجميعه الشركات الاجنبية في فرعها المحلي رغم ان عملها هي الاخري لا يزيد علي صناعة ربط المفك دون احداث قيمة. كان من الممكن خفض الرسوم الجمركية وفرض ضريبة مبيعات بنفس القدر ولكن ذلك موضوع اخر. قصة التاكسي اقدم من ذلك فمع زيادة الازدحام في مدينة القاهرة وغيرها من المدن وتراجع دور القطاع العام في النقل العام لم يتم اشراك القطاع الخاص في مسألة النقل العام بشكل صريح بل ظهر ما يسمي "السرفيس" او الميكروباص تلك الشاحنات التي تحمل عشرة او خمسة عشر راكبا علي خطوط شبه منتظمة بالطبع مثل هذه الوسيلة في النقل العام اقل كفاءة وبصرف النظر عن التعريفة التي تتقاضاها فهي اكثر تكلفة من سيارات الباص التي تحمل اربعين راكبا. كانت النتيجة ازدحام الشوارع واختلال المرور للدرجة التي دفعت محافظ القاهرة الي ان يصدر قرارا بايقاف منح تراخيص جديدة لمثل هذه السيارات.. قد يبدو هذا القرار حاسما فماذا كانت النتيجة لقد اتضح ان مستوردي هذه الشاحنات او الميكروباصات تبلغ مديونياتهم للبنوك 800 مليون جنيه!! البنوك مولت ولمدة سنوات عمليات الاستيراد لتلك الوسيلة للنقل الاقل كفاءة والمسببة لمشاكل المرور دعنا من دور البنوك في تمويل التنمية الحقيقية ذلك موضوع آخر ولكن قرار المحافظ الحاسم تم بالضرورة التراجع عنه واهماله. ماذا لو ان هذه الاستثمارات تم دفعها لزيادة عدد الاتوبيسات سواء كانت تابعة للقطاع العام أو الخاص؟ واظن انه مازال لدينا شركة النصر وهي قادرة علي انتاج الاتوبيسات محليا باعلي قدر من المدخلات المحلية الم يكن ذلك استثمارا اكثر كفاءة من الميكروباصات؟ وماذا عن خطوط المترو وهو نقل عام اكثر كفاءة وهو الوسيلة الرئيسية لنقل الركاب في اغلب مدن العالم "المتقدم" كم كانت تبلغ استثمارات مد خطوط جديدة وتوسيع شبكته لتشمل جميع احياء القاهرة .. من المسلم به ان استثمارات المترو سواء السطحي او مترو الانفاق ليست هينة ولكن الا نلاحظ ان القاهرة اصبحت مدينة "بدورين" من كثرة الطرق العلوية والكباري العلوية هل تم تخطيط مسبق لتكلفة تلك الكباري والطرق العلوية وهل تم رسم خريطة للتوسع العمراني وما يلزم له من خطوط مواصلات.