يعاني قطاع النقل البحري من ضعف واضح لدوره الفعلي والممكن في تطوير الاقتصاد الوطني. فلا هو يسهم بالدرجة الكافية في الناتج المحلي الإجمالي والناتج القومي الإجمالي. ولا هو تبعاً لذلك أو سابقاً له يشارك في توسيع القواعد الاقتصادية الإنتاجية لصناعة الخدمات البحرية والتجارية الدولية. ولا هو يقاسم المحاور الاقتصادية الأخري في إيجاد فرص جديدة لتوظيف نسب معتبرة من الأيدي العاملة التي تضع مستقبل التفاعلات الصحيحة للتنمية في مأزق. لم يصل منظرو ومخططو اقتصاد صناعة الخدمات اللوجستية في الموانئ في منطقتنا ومن ضمنها مصر إلي صيغ ومعادلات صحيحة. الأسس التي من الممكن أن تقوم عليها مراحل ازدهار اقتصاد بحري بوسعه أن يقود قطاع اقتصاد النقل البحري لدينا إلي حيث يحقق نهضة تتواءم مع المقومات الاستراتيجية والمعطيات الجيو اقتصادية للموقع. فالعالم العربي يمتلك ميزات الامتداد الجغرافي المسيطر علي الساحل الشرقي والجنوبي للبحر المتوسط وكذلك البحر الأحمر وقناة السويس وخليجي العقبة والسويس وبحر العرب والمحيط الهندي والخليج العربي ومضائق هرمز وباب المندب وجبل طارق. كما يطل قطران منه علي المحيط الأطلسي. إنه موقع وواقع لم يتح بهذا الثراء الباذخ لأي منطقة جغرافية أخري علي سطح الكرة الأرضية. ومع ذلك فإن هذه الثروة الطبيعية الطائلة بالمقاييس الدولية توشك أن تكون غير مستغلة وفق الفعاليات المتاحة والكامنة فيها ومن حولها علي نحو وافر. إلا أنه علي مستوي المعايير النسبية فإن الحزام الجغرافي البحري لمنطقة الخليج العربي قد دخل بالفعل إلي حقبة من التوازن الإضافي والرواج المتواصل مع احتمالات وجود مزيد من الفرص التي تلوح في الآفاق. يتبدي ذلك في أرقام الإنتاج والأعمال التي شرعت الموانئ الخليجية التي تتمتع بالريادة في الاستثمارات والأسبقية في تسويق وتصدير حزمة من الخدمات التجارية والبحرية والمنتج اللوجستي ذي الجودة العالية المستوي لأساطيل السفن والتجارة المارة (الاقطرمة) وشحنات السلع العابرة أو في انتظار العبور (الترانزيت). الاستثمارات الضخمة التي تم ضخها بحسابات اقتصادية جادة ودقيقة اتجهت إلي تطوير صناعة خدمات وتسهيلات ومرافق الموانئ علي أسس تتماشي مع مستحدثات الثورة التخطيطية والتكنولوجية والإدارية لتدوير الموانئ باعتبارها حلقات مهمة في سلسلة الإمداد والتوزيع اللوجستي للتجارة العولمية المحمولة بحرا التي تناهز نسبتها أكثر من 85% من جملة المبادلات التجارية الدولية. وقد شرع عدد من الدول الخليجية في تبسيط القوانين وتطوير الإجراءات التي تيسر لرجال الأعمال الاستثمارات الكثيفة في شراء وتملك أساطيل السفن التجارية الحديثة باعتبار أن صناعة النقل البحري تمثل قطاعاً اقتصادياً ينطوي علي امكانات اقتصادية كبيرة. حيث إن هذه الصناعة توجد من حولها شبكة مترابطة من الأنشطة الاقتصادية التابعة. وعلي سبيل المثال فإن نقل وتداول حاوية يتطلب ثمانية عشر نشاطاً وظيفياً، تسعة منها في ميناء الشحن وتسعة أخري في ميناء التفريغ معظمها تمثل تراكمات للقيم المضافة. وإلي ما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية كان ميناء بورسعيد لميزة موقعه علي المدخل الشمالي لقناة السويس يحظي بمكانة الميناء المركزي الأول المتخصص في أنشطة تداول بضائع الأقطرمة البحرية الدولية في منطقة الشرق الأوسط وشرقي البحر المتوسط. وكانت مصر علي خرائط العالم الملاحية والتجارية والخدمية تحتل موقعاً بارز التأثير لأهميتها الفعالة في نظم الاقتصادات البحرية. إلا أن هذه المكانة تراجعت بفعل النتائج السلبية لتحجيم الاستثمارات الموجهة لإعداد الموانئ البحرية للانضمام إلي مصفوفة أجيال الموانئ المليونية (Mega Ports) التي تتابع ميلادها في أعقاب الحرب العالمية الثانية هذه المرحلة تميزت بإدراك عميق لمدي أهمية المكون الخدمي في تنويع مصادر الدخل لعدد كبير من الدول لم تكن مصر منها لقصور مناهج التخطيط الاقتصادي عن إيلاء هذا القطاع ما يستحق من اهتمام يتوازي مع وزنه النسبي. ويكفي أن نشير إلي أن عدد السفن التي ترفع العلم المصري يبلغ تسعين ونيف سفينة معظمها سفن عتيقة الطراز محدودة الحمولة الساكنة أعمارها تتجاوز العشرين عاماً ولا تحمل من تجارة مصر الخارجية إلا قرابة 10% تاركة نحو 90% منها لتقوم السفن الأجنبية بحمله مسببة بذلك نزفاً للاقتصاد المصري ممثلاً في أسعار أجور الشحن (النوالين) إلي جانب تقليص صناعة تطقيم البحارة بسبب قلة عدد سفننا وتدني مستواها الفني والتكنولوجي ومحدودية إفادة موانينا من خدمتها وانكماش أعمال الإصلاحات والصيانة التي تؤديها لها ترساناتنا وما تجنيه خزانة الدولة من ضرائب علي أنشطتها. والضرائب في إطار معقوليتها وعدالتها تعتبر بدورها قيمة مضافة للاقتصاد القومي.