ينظر كثير من الاختصاصيين وخبراء النقل البحري وصناعة خدمات الموانئ وذوي الدراية العملية بصناعة الخدمات والتسهيلات اللوجستية الي المقومات الجغرافية الاستراتيجية المصرية باعتبارها ثروة نقلية واقتصادية ذات مستوي رفيع علي خريطة العالم لحساسية مركزها وديناميته ما بين القارات والتكتلات والاقطار. وحجم مصر باعتبارها دولة بحرية تقع علي تخوم كيانات اقتصادية بحرية تشغل حيزا هائلا من الامتدادات الجغرافية الشاسعة التي تمثل القارة الأوروبية الآسيوية العملاقة. هذه المميزات البرمائية التي يري فيها العالم عوامل ايجابية مؤثرة هي في واقع الامر منابع قوة مضافة للعالم لا تنطوي علي أي عوائق لنظم المبادلات التجارية البحرية التي تعد محفزات مهمة للاقتصادات والطاقات الانتاجية فمصر تسبق في الوزن الحيوي الجيوستراتيجي عددا كبيرا من الدول ببون شاسع غير انه لاعتبارات تاريخية لم ينل قطاع اقتصاد النقل البحري العناية التي تتوازي مع ما كان حريا به من اسهام فعال في الناتج القومي الاجمالي وانتاجية جيوش العاملين في هذا القطاع بصفة خاصة وشتي قطاعات الانتاج الاخري بصفة عامة فلدي مصر ما يربو علي 2500 كيلو متر من الامتدادات الشاطئية البحرية مازالت تنتظر الاندماج في القوي الاقتصادية المولدة لمكونات هذا الناتج القومي. وقد تعرض حجمنا النسبي في مضمار هذه الصناعة لانحسار احدث خللا في تكامل القطاعات الاقتصادية وفي تنويع هيكل الصادرات لاسيما الخدمية منها وكان ينبغي منذ مطالع خمسينيات القرن العشرين ان تتغير موازين ونسب البنية التنموية الاستثمارية بعد ان شهد العالم الارتفاع المفاجئ والمتتابع في قفزات التوسعات التجارية المنقولة بحرا. غير ان عدم التوازن الاكثر بروزا ظل قائما في ضآلة التنسيق والتعاون ما بين الموانئ المصرية وفيما بينها وبين القدرة علي ايجاد شروط اقتصادية مواتية لصناعة واقتناء اسطول بحري تجاري متعدد التخصصات والاغراض كانت الاستراتيجية المسيطرة علي مفاهيم التنمية قد اسبغت اهتماما زائدا علي الاتجاه نحو التصنيع وبدرجة اقل شطر الزراعة وبقيت صناعة الخدمات البحرية التي توسعت بقفزات كبري في مواقع كثيرة في العالم موضوعة لدينا في ادني سلم الأولويات. ووصل الحال بالتجارة الخارجية المصرية ان ينقل 90% منها علي سفن اجنبية و10% منها علي سفن مصرية وفي العام 2004 هبط تعداد السفن التي ترفع العلم المصري 60 سفينة في ذات الوقت الذي وصل فيه كم السفن التي يمتلكها الصين الي 360 الف سفينة أي 6000 ضعف ما لدينا. وفي الوقت الذي لم يتجاوز ناتج موانينا مجتمعة 2 مليون حاوية تداول ميناء هونج كونج 20 مليون حاوية بنسبة عشرة اضعاف كل موانينا مجتمعة. علي الشاطئ الشمالي للبحر المتوسط تنهض اليونان في هذا المجال مثالا مثيرا للتأمل فتعداد سكانها يناهز 16% من تعداد الشعب المصري فيما يصل عدد اسطولها البحري الي نحو 25 ضعفا. هذه الصورة نتاج فكر لا طبيعة. ضرورة التحديث من الواضح اذن ان خيار ادماج صناعة خدمات الموانئ وخدمات النقل البحري اضحي خيارا لا معدي عنه ومن هنا نشأت ضرورة التطوير بتحديث الموانئ القائمة اضافة الي اقامة موانئ من طرازات تتجاوب مع متطلبات حقبة العولمة. ومع تحرير اساليب ادارة الاقتصاد المصري عكف المخطط الاقتصادي المصري علي المفاضلة ما بين بدائل عدة أهمها هل تضطلع الحكومة بالتطوير والاستثمار أم تدع للقطاع الخاص المصري فرصة اقتحام هذا الميدان؟ أم تغري الاستثمارات الاجنبية المباشرة بالشراكة في مشروعات التحديث من خلال منحها امتيازات تتوافق مع درجات مخاطرة الرساميل التي ستتحمل اعباء اعادة بناء ركائز هذا القطاع الذي عاني كثيرا من التراجع؟.. القرار الذي كان ينبغي ان يتسم بالنضج والتبلور هو ان تكون هذه البدائل الثلاثة هي محل الاختيار مجتمعة.. فالحكومة عليها أن تستثمر بداءة في مشروعات البني التحتية اللازمة ومن ثم يقوم رجال الاعمال المستثمرون من المصريين والاجانب بتولي مهام المشروعات الاستثمارية هذا المزيج التنموي كان محصلة اسباب استراتيجية في ظل منافسة عالمية وتدافع في عرض المزايا الجاذبة لتدفقات رؤوس الاموال والتكنولوجيا والخبرات والمعارف بالاسواق الدولية وابعاد العلاقات ما بين التحالفات والتكتلات ما بين شركات النقل البحري العالمية باساطيلها الضخمة وما بين الموانئ العولمية بامكاناتها اللوجستية بالغة الحداثة فقد كان علي خطط التطوير أن تترك انطباعا قويا بأن قطاع الموانئ لدينا بمخزونه الهائل من الامكانات والفرص الواعدة صار مهيئا لان يكون شريكا اقتصاديا يعول عليه بعد ان تسلح بأفكار واقعية. أول ميناء محوري وبدرجة متدرجة التأثير أخذ اقتصاد صناعة الخدمات المينائية يكسب قضيته ويستخلص لنفسه رقعة جديدة من الأرض ففي عقد السبعينيات من القرن العشرين برزت أهمية انشاء ميناء جديد عند المدخل الشمالي لقناة السويس عند