تحتاج موانينا في مصر إلي تخطيط علمي اقتصادي فني وإداري لرفع طاقتهاب.. استراتيجية شاملة الإنتاجية إلي المدي الذي يتوافق مع مواقعها المحورية في بؤرة شبكات الطرق والمسالك البحرية العالمية سواء علي البحر المتوسط أو علي البحر الأحمر وإعانتها علي أن تكون لاعباً أساسياً في حلبة المباريات التنافسية العولمية. فمازالت موانينا لم تحصل بعد علي بطاقة العضوية في نادي عائلة الموانئ الكبري (التي يتداول كل منها أكثر من مليون حاوية سنوياً) ونظرة واحدة إلي الموانئ الأوروبية مثلاً توضح أن ميناء روتردام (هولندا) يتداول أكثر من ستة ملايين حاوية سنوياً بينما يتداول ميناء هامبورج (ألمانيا) أكثر من خمسة ملايين حاوية، وميناء أنتويرب (بلجيكا) قرابة الخمسة ملايين حاوية، بينما يتداول ميناء جنوا الإيطالي (عاشر أكبر موانئ أوروبا) أكثر من مليون ونصف المليون حاوية سنوياً. والواقع أن هذه الموانئ الكبري كلها سعت إلي التفوق سعياً دؤوباً في إطار من التخطيط الدقيق لتحقيق أهداف محددة. وأدرك المسئولون عنها، منذ أمد بعيد، أن المثلث الذهبي لصناعة لوجستيات الموانئ وهو اقتصاد بالغ الحداثة متعدد المستويات والمجالات يتألف من ثلاثة أضلاع متساوية هي علي التوالي: العلاقة الوثيقة بين حلقات سلسلة الإمداد اللوجستي مع تحقيق أقصي درجات التكامل فيما بينها وتطوير مستويات إدارتها.. واختصار أوقات إنتاجها وتزويد المشترين بها باعتبار الموانئ سوقاً فورية الطلب وفورية العرض.. والسرعة في التجاوب المباشر مع العملاء والمستخدمين لخدمات الميناء ومرافقه وإداراته. أما بالنسبة لنا في مصر فمازالت الاستثمارات الموجهة لتحديث البني الأساسية للموانئ ومعداتها وأجهزتها التكنولوجية متواضعة بالمقارنة مع الموانئ المتطورة الأخري في الشرق والغرب. فلا توجد تدفقات استثمارية محددة الوسائل والأهداف دون تدفقات مناظرة لها من العائد علي الاستثمار، مع العلم بأن صناعة الخدمات من أكثر الأنشطة الاقتصادية إدراراً للعوائد والفوائد والدخول. ففي الظروف الطبيعية عادة ما تحمل أنشطة الموانئ عوامل نموها وتطورها في انفتاحها المستمر علي ما يحدث في العالم من تجديدات وإضافات نوعية. والواقع أن الموانئ لدينا مازالت تدار بمقتضي مفاهيم الفكر الإداري لمرحلة التخطيط المركزي والإدارة المركزية وكأن كهنة المذهب البيروقراطي يرون في تحرير التخطيط والإدارة الاقتصادية أعمالاً تهدد قداسة التكوينات التي تنتمي إلي مرحلة انقضت لكنها برغم ذلك باقية بآثارها. وهذا ما يفسر لماذا انطلقت موانئ كثيرة وما انفكت موانينا تدور في دوائر مفرغة. ولا شك أن بروز ميناءي العين السخنة وشرق بورسعيد يعد اختراقاً نوعياً في اتجاه تطوير موانينا. لكن المسئولين عن هذين الميناءين عليهم أن يدركوا أن عليهما معولاً كبيراً للولوج بمصر إلي القرن الحادي والعشرين بكل ما فيه من أجيال الموانئ المتقدمة من خلال استراتيجية تنافس تكاملي وسائلها التعاون وليس الصراع. تطوير قناة السويس ولا يمكن أن تكون هذه الاستراتيجية متماسكة ومتكاملة دون تصور واضح لتطوير مجري قناة السويس التي ما فتئ مجمل فكرها الاقتصاد عاكفاً علي حصر حصيلة عوائد المرور في المجاز المائي دون الالتفات بدرجة كافية إلي أهميتها اللوجستية الكبري في عصر النقل الدولي متعدد الوسائل والطرق. فقناة السويس ليست هي المسطح المائي فحسب، وإنما هي كذلك الامتدادات الجغرافية والنطاق التنموي والعمراني والبشري والمستقبل الاستراتيجي. كما أن علي قناة السويس أن تبحث عن أدوار ووظائف جديدة ومضافة إلي عملها الذي بولغ في حصره وتقليصه حتي صارت عبارة عن حارة ملاحية لا اهتمام لها خارج دائرة جباية رسوم المرور برغم أنها مرفق عالمي من حيث الثقل الاستراتيجي والاقتصادي منذ مولدها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. فالقناة بإمكاناتها الهائلة أعظم وأخطر من أن تحاصر في شرنقة تحجيم وتقزيم فعاليتها. تنبثق من ذلك حقيقة جوهرية لا ينبغي الالتفاف من حولها وهي كون قناة السويس قاعدة اقتصادية إنتاجية وثيقة الصلة بالشئون التجارية لعموم أقطار الكرة الأرضية. فلا يمكن أن يظل تشكيل مجلس إدارتها مقصوراً علي عدد محدد من موظفيها فهم في نهاية الأمر موظفون تنفيذيون لا تتوافر لهم الخبرات والمعارف الدولية بصورة عملية تطبيقية. لابد إذن أن يعاد تشكيل مجلس إدارة قناة السويس لتدمج فيه عناصر من الكفاءات والكفايات ذات الدراية والممارسات في اقتصادات النقل البحري وصناعة اللوجستيات وتخطيط وإدارة الممرات البحرية الدولية والموانئ والمناطق الحرة الاقتصادية الدولية. موانئ جديدة عملاقة عودة كرة أخري إلي ميناءي العين السخنة وشرق بورسعيد. فالأول يحتل بقعة بالغة الأهمية عند رأس خليج السويس الذراع الغربية للبحر الأحمر. وهي تشغل مساحة شاطئية تبلغ ألف هكتار (10كم2)، وتستلحق من ورائها في الظ