السياستان المالية والنقدية هما أشبه بالجارتين النوويتين علاقتهما توتر وفقاً للسياسات الاقتصادية غير الرشيدة ووفقاً للارادة السياسية فعلي مدار عقود مضت نشبت بينهما نزاعات حدودية وصلت إلي التشابك وخشيا وقتها من انفجار يؤذي اقتصاديات الدول النامية لكن ووفقاً لخطط الاصلاح الاقتصادي التي وضعها البنك المركزي منذ عام 2004 كانت اشبه باحتفال كبير بالاستقلال بينهما رغم وجود التداخل والضغوط الحكومية ونجاحها في بعض الاحيان في السياسة النقدية وفي أول تصريحات لمحافظ بنك مركزي في عهد النظام الجديد وقد يكون الاكثر صراحة قال فيه ?لاتجاوز لاحدي السياستين علي الأخري التعاون بينهما قائم دون أي تخطي لاحداهما علي الأخري? ويبدو أن التصريحات تأتي في وقت حساس تمر فيه البلاد بزيادة كبيرة في معدلات الدين المحلي وزيادة فجة في حجم الانفاق الحكومي مدعوماً بالاضطرابات التي تشهدها البلاد ويبدو أن قلة حيلة أداء الحكومة قد تدفعها بين الفينة والاخري إلي ممارسة ضغوط كمحاولة لانجاح ضبط مسار السياسة النقدية لخدمة وقوفها في وجه الازمات الاقتصادية؛ ولذا كانت رسائل محافظ البنك المركزي دقيقة وواضحة وفي رسالة أخري وجهها للبنوك قال عندما اجتمعت مع البنوك قلت لهم لقد ربحنا كثيراً خلال العامين الماضيين في رسالة حول استثمار البنوك في أذون الخزانة والسندات وتابع قائلا ?حد يلاقي دلع وما يدلعش? في معرض حديثه عن البنوك وقال لقد أخبرتهم وأنا كنت رئيس بنك مثلهم قائلا ?حان وقت العمل والانتاج والارباح المعقولة?. التاريخ يذكر يعتبر التاريخ حافلا بذلك حيث إن موضوع استقلال البنك المركزي عن الحكومة أثار جدلاً تاريخيا في مختلف الأوساط ويبدو أن الاتجاه الغالب في معظم الدول هو نحو تأكيد هذا الاستقلال ومع ذلك فقد أعيد طرح الموضوع من جديد خاصة في أوروبا فهناك شبه اتفاق علي ضرورة أن يتمتع البنك المركزي بدرجة عالية من الاستقلال في إدارة الشئون النقدية من الناحية الفنية وأن لا أحد له أن يتدخل في هذا العمل ولكن القضايا النقدية ليست كلها أمورا فنية وفقاً للمراقبين فأهداف السياسة النقدية لها طابع سياسي وكان السؤال دائما هو من يحدد أهداف السياسة النقدية؟ هل هو البنك المركزي وحده أم أن السياسة النقدية شأنها شأن كل سياسة هي بالدرجة الأولي عمل سياسي يخضع للمساءلة السياسية؟ فقد انتهي الجدل في انجلترا إلي الإقرار بأن الحكومة تحدد بمشاركة البنك أهداف التضخم المسموح به وأن يترك للبنك المركزي وضع السياسة النقدية الكفيلة بضمان تحقيق هذه الأهداف أما الوضع في الولاياتالمتحدة فمختلف بعض الشيء فالنظام السياسي في الولاياتالمتحدةالأمريكية نظام رئاسي وليس برلمانيا حيث يضع الرئيس وحده السياسات التنفيذية وهو مسئول عنها أمام الشعب في الانتخابات ولكن الكونجرس هو الذي يوافق بالمقابل علي الموازنة وهكذا هناك استقلال بين السلطات كما أن هناك توازنا بينهما الرئيس يرأس السلطة التنفيذية ويختص البرلمان بالتشريع وبذلك فهناك تقسيم واضح للاختصاصات وفصل كامل بين السلطات. وكان النموذج الالماني هو الأكثر تأثيرا في الفترة الأخيرة علي تحديد مفهوم مدي استقلال محافظي البنوك المركزية في أوروبا فالبنك المركزي الألماني مسئول فقط عن حماية قيمة العملة ومحاربة التضخم وهو يتمتع باستقلال تام إزاء الحكومة ولا يرجع هذا الوضع إلي نظرية اقتصادية بقدر ما هو نتيجة ظروف تاريخية خاصة بألمانيا فلا ننسي أن ألمانيا عانت بعد الحرب العالمية الأولي من مشكلة التضخم المبالغ فيه حتي أصبح الشعب الألماني بالغ الحساسية لكل ارتفاع في الأسعار. ووفقاً لقانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد رقم 88 لسنة 3002 للبنك المركزي المصري فإنه يختص بوضع وتنفيذ السياسة النقدية، وبأن يكون استقرار الأ سعار هو الهدف الرئيسي لهذه السياسة الذي يتقدم علي غيره من الأهداف. وبناء عليه يلتزم البنك المركزي المصري في المدي المتوسط بتحقيق معدلات منخفضة للتضخم تسهم في بناء الثقة والمحافظة علي معدلات مرتفعة للاستثمار والنمو الاقتصادي. ان تعزيز الحكومة لهدف استقرار الأسعار والتزامها بسياسة مالية رشيدة يعد ايضا أمرا مهما لتحقيق هذا الهدف. آراء الخبراء من جانبه يؤكد الدكتور اشرف دوابة أستاذ الاقتصاد الاسلامي أن التشابك بين السياستين المالية والنقدية من الصفات الاقتصادية والسمات في الدولة النامية شديدة التقهقر الاقتصادي وضعف الاداء وتابع قائلا إن رسالة محافظ البنك المركزي هي تأكيد أنه لاتداخل بينهما وأن الانفصال التام وترسيم الحدود سيكون قولاً ممثلاً في القانون الذي يضمن ذلك وفعلاً عن طريق عدم قبول أية ضغوط وقال إن التنسيق هو الحل بينهما . وتابع قائلا إن تصريحات محافظ البنك المركزي هي أول خطوة في طريق تحقيق الاستقرار الاقتصادي معتبرا أن هذه التصريحات تعتبر تعهدات قاطعة وأفضل بكثير من ذلك المسمي المجلس التنسيقي الذي كان في عهد حكومة نظيف وكان لايجتمع وإنما كان صورة لهذا الشكل . وقال دوابة إن علي الحكومة أن تضع برنامجا اقتصاديا معروفا ومحدد الاهداف يضمن التعاطي مع المشكلات الاقتصادية التي تدور رحاها وقال يجب أن تكون هناك أليات وأجندات لعلاج مأزق الدين المحلي مشيرا إلي أن الاستقرار السياسي والاقتصادي كفيلان بالخروج من الازمة وفي فترة ليست طويلة قائلا لانحتاج إلي معجزات لكن نحتاج إلي استقرار وشفافية حكومية لنعبر جسر الازمة علي حد قوله. ضخ الائتمان ويلتقط أطراف الحديث الدكتور محمود المصري الخبير المصرفي قائلا إن الوقت قد حان لتقوم البنوك بضخ الائتمان في شرايين الاقتصاد المصري معتبراً أن الاستثمار في أذون الخزانة والسندات زاحم القطاع الخاص في قنواته التمويلية وقال لذلك لم تعبأ البنوك بضخ الائتمان في قطاعات مختلفة فقد كانت وقت الازمة مهمومة في الاستثمار في أدوات الدين العام وحققت مكاسبا طائلة أغنتها عناء البحث في دهاليز إدارات الائتمان . وتابع قائلا إن القروض المشتركة مثلت باباً كبيراً للبنوك لترد به علي من يقول إنها لاتقرض لكن في المقابل ليست كل الشركات والمؤسسات الباحثة عن الائتمان تحصل علي قروض مشتركة وكذلك فإن قطاعاً من المشروعات الصغيرة والمتوسطة جدير بأن يحصل علي حقه في الائتمان لان المميزات الحالية لاتكفيه للحصول علي مايريد علي حد قوله . أداء الحكومة لكن الدكتور محمد رشاد الخبير الاقتصادي قال لن أتحدث عن السياسة النقدية ولكن سأضع تصوره للسياسة المالية ومدي تأثيرها لو اتبعت سياسات مالية سليمة وتنسيق اقتصادي متزن مشيرا إلي أنه وبقراءة الواقع الاقتصادي سنجد أن الحكومة تعتمد في سياستها الاقتصادية علي سياسة مالية توسعية ولا يمكن في مصر زيادة حجم الانفاق الحكومي لان ذلك يضر بالاقتصاد ضررا بالغا وقال الحكومة لاتضع التصور المناسب للتعاطي مع الاحداث فعليها في الاجل القصير أن تحافظ علي عجز الموازنة عند مستوياته من خلال السياسات المالية الانكماشية وقال إن حل الحكومة ليس إلا في تبني سياسات اقتصادية رشيدة مثل هيكلة الدعم وإيصاله إلي مستحقيه بالشكل الذي يسهم في هيكلة الانتاج وسياسة إنتاجية متزنة إلي حد كبير بعيدأ عن أزمات شح السيولة فضلا عن ضم القطاع غير الرسمي ويمكن أن يسهم فيه في تحسين الاداء الاقتصادي في البلاد. ويشير الدكتور إبراهيم الاشقري الخبير الاقتصادي إلي أنه يجب أن تعي البنوك ان دورها كبير خلال الفترة المقبلة وينبغي ان تتطلع الي قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة وان تدخل في مشروعات تنمويه فاعلة فالتضخم مشكلة كبيرة ولايمكن التغلب عليها باستخدام السياسة النقدية بل لابد ان يكون هناك دور واضح وفاعل لجهاز حماية المستهلك من خلال مراقبة السوق حتي لا يستغل التجار الموقف ولا بد ان تتدخل القوات المسلحة من خلال اقامة المعارض والسرادقات التي تعرض فيها السلع بأسعارها الفعلية وفقا للتغيرات التي طرأت علي الاسعار العالمية والتي تعادل نصف الاسعار الحالية السائدة في السوق.