سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مع اقتراب موعد الانتخابات العامة وتزايد فرص اليسار للفوز بها إيطاليا تبحث عن رئيس وزراء جديد يكمل تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأه مونتي منذ عام
لم يمض علي ماريو مونتي سوي عام أو أكثر قليلا منذ اعتلي منصبه كرئيس لوزراء إيطاليا.. ونحن نعرف أن هذا التكنوقراطي البارع تسلم قيادة إيطاليا من رجل الأعمال المتهم بالخلاعة سيلفيو بيرلسكوني وهي علي أبواب أو ربما في قلب أزمة اقتصادية خانقة واضطراب شديد وتقول مجلة "الايكونوميست" إن مونتي كانت له انجازات حقيقة خلال مدة ولايته القصيرة فالرجل بدأ بالفعل عملية الإصلاح الهيكلي لاقتصاد إيطاليا وصحح كثيراً من الاختلال الذي كان قد أصاب الماليات العامة للدولة وهبط بسعر الفائدة علي السندات السيادية العشرية إلي أدني مستوي له منذ عامين.. والأهم من ذلك كله أنه دفع العالم وأوروبا من قبله إلي أن يأخذوا إيطاليا مأخذ الجد مرة أخري. ولكن العالم عاد يقلق علي ايطاليا من جديد مع اقتراب موعد الانتخابات العامة الايطالية المقرر إجراؤها في وقت مبكر من العام الجديد 2013 فاستطلاعات الرأي الراهنة تشير إلي أن اليسار هو المرشح للفوز في هذه الانتخابات ومن المحتمل والحال كذلك أن يكون بييرلويجي بيرزاني مرشح الحزب الديمقراطي هو خليفة مونتي في رئاسة الحكومة الايطالية التي ستكون في الغالب حكومة ليسار الوسط ورغم أن بيرزاني قد سبق له العمل ضمن أربع حكومات ليسار الوسط من قبل ولديه كثير من الخبرة السياسية إلا أنه قد لا يواصل السير علي ذات طريق الإصلاح الذي سلكه مونتي خصوصا وأن مونتي سيترك منصبه تاركا أيضا الكثير من الخطوات الإصلاحية التي يتعين اتمامها فالاقتصاد الايطالي لم يستأنف النمو بعد ومنذ سريان العملة الأوروبية الموحدة وتشكيل منطقة اليورو لم يحدث نمو حقيقي أي بعد خصم معدل التضخم في إيطاليا مما جعلها تعد أسوأ دول اليورو أداء فالزيادة التي حدثت في إجمالي الناتج المحلي خلال السنوات الممتدة من بداية القرن الحادي والعشرين حتي الآن طفيفة للغاية والبطالة وخاصة بطالة الشباب ارتفعت بحدة كما أن التراجع الشديد في مستوي الإنتاجية لم يكد هو الآخر يتوقف حتي صار علي مونتي أن يستعد للرحيل من دون معالجة هاتين المعضلتين "البطالة وتراجع الإنتاجية" علي الرغم من استمراريتهما ستجعل ايطاليا بمضي وقت قصير من أفقر بلدان أوروبا علي الاطلاق وغني عن البيان أن عجز الموازنة وزيادة الدين العام كان يشار إليهما كأكبر مشكلتين في إيطاليا ولكن عجز الموازنة أمكن السيطرة عليه وصار في حدود 3% من إجمالي الناتج المحلي "بل وصار هناك فائض محدود في الموازنة قبل دفع فوائد الدين العام وكذلك معدل الدين العام صار 125% من إجمالي الناتج المحلي وهي تعد من أكبر النسب في العالم ويمكن القول إجمالا أن الماليات العامة للدولة صارت في وضع أفضل من مال كثير من بلدان منطقة اليورو ولكن انخفاض مستوي التشغيل ومستوي الإنتاجية وتدني القدرة التنافسية هي الآن أهم وأعقد مشاكل إيطاليا. وبديهي أن إصلاحات مونتي لم تصنع له شعبية دائما علي العكس جلبت علي حكومته كراهية الرأي العام وذلك علي الرغم من أن الرجل تسلم إيطاليا وهي ترزح تحت وطأة دين سيادي هو الأكبر في أوروبا كلها عدا اليونان وصاحبة دين عام وخاص أكبر من أية دولة أخري متقدمة عدا أمريكا واليابان وألمانيا ولم يأبه مونتي بصيحات الاستنكار وفرض برنامج تقشف شديد الوطأة علي الناس والمؤسف أن نتائج أعمال لم تظهر بعد إلا في حدود خفض عجز الموازنة وتراجع فوائد السندات العشرية الحكومية وهذه أمور لا تهم عامة الناس قد ما يهمهم ألا يحس أحد ما يدخل في جيوبهم. وأكثر من ذلك فإن المفوضية الأوروبية نتوقع أن يبلغ معدل انكماش إجمالي الناتج المحلي الايطالي في عام 2012 نحو 2،3% وأن يتواصل الانكماش ولكن بنسبة أقل في العام الجديد 2013 وهي نحو 0،5% كما أن معدل البطالة قفز من 8،8% منذ ديسمبر 2011 ليصبح 11،1% في ديسمبر 2012 "وهو لايزال أقل من المعدل المتوسط للبطالة في دول اليورو" أما بطالة الشباب فقد قفزت لتصبح 36،5% أي أعلي من المعدل المتوسط لبطالة الشباب في دول اليورو كذلك فإن فائض الموازنة قبل دفع الفوائد يتوقع أن يرتفع إلي 3،5% في العام الجديد أما الدين العام فسيصل إلي ذروته 127،6% في العام الجديد ثم يبدأ معدله في التناقص ويتوقع فيتوريو جريلي وزير مالية إيطاليا أن معدل الدين سيبدأ في الهبوط بنسبة 4% سنويا اعتبارا من منتصف العقد الراهن أي عام 2015 ولكن هذا كله مشروط باستمرار برنامج الإصلاح الهيكلي الذي بدأه مونتي والذي تضمن فيما تضمن خصخصة بعض الشركات الحكومية الايطالية. وتؤكد "الايكونوميست" أن إصلاحات مونتي ليست كافية حتي الآن للخروج بإيطاليا من الأزمة الاقتصادية فالركود أو بالدقة استمرار الركود فاجأ مونتي نفسه ولكن السبب معروف فهناك تراجع في حجم الائتمان المتاح للشركات الايطالية وهناك أيضا ارتفاع في أسعار الفائدة عن المستوي الذي يشجع علي الاقتراض ويجب أن نذكر سعر الفائدة علي الائتمان في ايطاليا أعلي من نظيره في دول اليورو في المتوسط. وهناك نقطة أخري مهمة وهي أن إجمالي الديون أو التزامات ايطاليا تجاه العالم الخارجي لا تزيد سوي 20% عن إجمالي مالها من أصول في الخارج في حين أن هذا الفارق السلبي يزيد إلي 100% في حالة دول مثل ايرلندا والبرتغال واسبانيا كما أن البنوك الايطالية تواجه ضغوطا لا يمكن انكارها ولكنها أيضا صارت تدار بحذر. ولن نمل من التكرار بأن برنامج "انقاذ ايطاليا" الذي وضعه مونتي لاتزال فيه أشياء كثيرة مؤجلة صحيح أن هذا البرنامج شمل نظام المعاشات علي نحو يرضي الكثير من العاملين ولكنه لم يتطرق إلي جعل سوق العمل أكثر مرونة حتي يشجع الشركات علي التشغيل وهو ما أدي إلي تفاقم معدلات البطالة بل إن جزءاً من إصلاح نظام المعاشات وهو الجزء الذي أوقف العمل بفكرة المعاش المبكر قد أسهم هو الآخر في زيادة البطالة وباختصار فإن إصلاحات مونتي تعد خطوة في الاتجاه الصحيح ولكنها تضع ايطاليا علي بداية طريق طويل يتعين أن تقطعه لكي تجني ثمار الإصلاح. وتقول "الايكونوميست" إن الحكومة الايطالية القادمة سيكون عليها القيام بمزيد من الاصلاحات في بيئة الأعمال واشاعة المرونة في سوق العمل لزيادة معدل التشغيل ودعم قدرة ايطاليا التنافسية وتخفيف قبضة الدولة علي أسواق السلع والخدمات ونحن نعرف أن بيرزاني كان شيوعيا في بداية حياته ولكنه عندما كان في الحكومة فيما بين 2006 2008 انحاز صراحة وعلنا للإصلاح وقد أعلن الرجل أخيرا أيضا أن الحكومة الايطالية القادمة يجب أن ترفع شعار التغيير وجدير بالذكر أن منافسه علي القيادة ماتيو رينزي يؤمن هو الآخر بضرورة الاصلاح ومعلوم أن حكومات اليسار ستكون معتمدة علي تأييد النقابات العمالية التي ستقف لا محالة ضد التغيير وضد اتخاذ المزيد من خطوات الاصلاح ولاشك أن ابقاء ماريو مونتي في الصورة سيكون رادعا للنقابات عن أي شطط كما أن تطعيم الحكومة الايطالية القادمة بوزراء من الانتخابات العامة ليظل حاضرا أمام النقابات الايطالية الشرسة لعلها ترتدع عن محاولات اجهاض الاصلاح.