التعليم العالي تنظم برنامجًا تدريبيًا لرفع كفاءة مراكز خدمة الطلاب ذوي الإعاقة    محافظ الجيزة يهنئ الرئيس بالذكرى الثانية عشرة لثورة 30 يونيو    بحد أدنى 225 درجة.. محافظ الجيزة يعتمد تنسيق القبول بمدارس الثانوية العامة    سعر الذهب اليوم في مصر ينخفض بحلول التعاملات المسائية الأحد    انخفاض كبير في أسعار الدواجن بالأسواق.. فما الأسباب؟    كامل الوزير: ضبط 900 مخالفة سرعة على الدائري الإقليمي في 4 ساعات    مسؤول روسي: لقاء بوتين وترامب قد يتم في أي لحظة    إسرائيل تزعم تفكيك أكبر شبكة تابعة لحماس في الضفة الغربية    تشكيل مباراة إنتر ميامي وباريس في كأس العالم للأندية    المصري يعلن الاقتراب بشدة من ضم لاعب الأهلي    تفاصيل القبض على بلوجر بتهمة نشر فيديوهات خادشة للحياء    وأنت رايح المصيف.. إليك تحويلات مرورية بكورنيش الإسكندرية| تعرف عليها (صور)    وفاة والدة الفنان هشام إسماعيل.. تعرف على موعد ومكان الجنازة    أيمن سليم يدافع عن شيرين عبد الوهاب بعد انتقادات حفل "موازين"    رسم وغناء وتمثيل.. اكتشف موهبة ابنك داخل مركز الإبداع بالبحيرة- صور    نائب وزير الصحة يتفقد مستشفى العلمين ويُشيد بانتظام الفرق الطبية    بدون أدوية - 5 علاجات طبيعية لإدارة التهاب القولون التقرحي    رئيس الوزراء يصدر القرار رسميا.. الخميس 3 يوليو موعد إجازة 30 يونيو    إصابة 8 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بالبحيرة    إحالة عاطل للمحاكمة بتهمة سرقة مبلغ مالى من مكان عمله    الاتحاد الأردنى لكرة السلة ينشر بيانًا لتوضيح قرار الانسحاب ضد إسرائيل    كل ما تريد معرفته عن العروض الخارجية لضم لاعبي الأهلي فى ميركاتو الصيف    الكرملين: روسيا لا يمكن دفعها إلى طاولة المفاوضات بالضغط أو بالقوة    بدء تصوير فيلم ابن مين فيهم ل ليلى علوى وبيومي فؤاد    تامر حسني يدعم سارة وفيق برسالة مؤثرة بعد نجاح فيلمها: "أهلك أهلي ومبروك الرقم الاستثنائي"    محافظ الشرقية يفاجئ قرية بردين ويتابع تنفيذ أعمال توسعة طريق العصلوجى    محافظ قنا يتابع أعمال تطوير حمام السباحة الأوليمبي ويتفقد امتحانات الثانوية العامة    في يومه العالمي.. كل ما تريد معرفته عن التمثيل الغذائي وكيف يستمر طوال اليوم حتى مع النوم.. أبرز الاضطرابات والأمراض المرتبطة بها وأسبابها.. اعرف تأثير المواد والسموم والأدوية.. وأشهر الاضطرابات الأيضية    "ارتبط اسمه بالأهلي والزمالك".. نادي شلاسك فروتسواف البولندي يعلن مغادرة نجمه لمعسكره دون إذن    في ذكرى ثورة 30 يونيو.. فتحت الباب أمام تحولات سياسية وحزبية جديدة    نجاح زراعة منظم دائم لضربات القلب لإنهاء معاناة مريض من اضطراب كهربي خطير    السيسي يشهد أداء اليمين القانونية لرؤساء الهيئات القضائية الجدد    عاصفة رعدية تؤخر سفر بايرن ميونخ إلى ميامي لمواجهة فلامنجو    محافظ المنوفية يستقبل مفتى الجمهورية لتقديم واجب العزاء فى شهداء حادث الإقليمي    حادث جديد على الطريق الإقليمي بالمنوفية: إصابة مجندين في انقلاب سيارة أمن مركزي    ضبط 95 مخالفة تموينية في حملات موسعة على الأسواق والمخابز بالمنيا    ضبط سائق ميكروباص تحرش بطالبة في مدينة 6 أكتوبر    "رياضة النواب": ثورة 30 يونيو منحت الشباب اهتمام غير مسبوق وستظل علامة مضيئة في تاريخ مصر    انتخابات مجلس الشيوخ| الهيئة الوطنية تعلن التفاصيل "الثلاثاء المقبل"    لتبادل الخبرات.. رئيس سلامة الغذاء يستقبل سفير اليابان بالقاهرة    ريبيرو يجهز مصطفى شوبير لحراسة مرمى الأهلي في الموسم الجديد    محافظ أسيوط يفتتح قاعة اجتماعات مجلس المحافظين بالديوان العام للمحافظة    عمرو أديب يهاجم رئيس الوزراء بعد حادث المنوفية: عرفت تنام ازاي؟    الثلاثاء.. رامي جمال يستعد لطرح ألبوم "محسبتهاش"    الحكومة الإيرانية: مقتل 72 امرأة وطفل إثر العدوان الإسرائيلي على البلاد    إسرائيل تعلن اغتيال المسؤول عن الصواريخ المضادة للدروع بحزب الله    وزير الكهرباء يزور مجموعة شركات هواوي الصينية لتعزيز التعاون في مجالات الطاقة    التضامن: حصر شامل لتحديد واقع الحضانات والوقوف على الفجوات والتحديات    «الصحة» : دعم الرعاية الحرجة والعاجلة ب 713 حضانة وسرير رعاية مركزة    الأزهر للفتوى يوضح معني قول النبي" الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ"    هل النمل في البيت من علامات الحسد؟.. أمين الفتوى يجيب    أفضل الأدعية لطلب الرزق مع شروق الشمس    ما أفضل صدقة جارية على روح المتوفي.. الإفتاء تجيب    هل يجوز الخروج من المنزل دون الاغتسال من الجنابة؟.. دار الإفتاء توضح    «لسة اللقب ماتحسمش».. مدرب بيراميدز يتشبث بأمل حصد الدوري المصري    5 أبراج «ناجحون في الإدارة»: مجتهدون يحبون المبادرة ويمتلكون رؤية ثاقبة    الحكومة الإيرانية: مقتل 72 امرأة وطفل إثر العدوان الإسرائيلي على البلاد    الزمالك يهدد ثنائي الفريق ب التسويق الإجباري لتفادي أزمة زيزو.. خالد الغندور يكشف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فضيحة حكومية علي الهواء! اسحبوا هذا القرار.. وأقيلوا هذا الوزير
نشر في العالم اليوم يوم 04 - 11 - 2012

هذه الفضيحة حدثت علي الهواء مباشرة يوم الأربعاء الماضي "31 أكتوبر" علي مرأي ومسمع من عشرات الآلاف علي أقل تقدير من مشاهدي قناة تليفزيونية واسعة الانتشار.. هي قناة "أون تي في".
كانت الإعلامية المعروفة والمحترمة ريم ماجد مقدمة برنامج "بلدنا بالمصري" المعروف والمحترم هو الآخر قد أذاعت فقرات حية لتسجيلات قصيرة مع عدد من التجار والعاملين والجمهور حول القرار الحكومي المثير للجدل باغلاق المحال في العاشرة مساء.. ثم توجهت بالسؤال إلي السيد اللواء المهندس أحمد زكي عابدين وزير التنمية المحلية الحالي ومحافظ كفر الشيخ السابق.. حول تعليقه علي تلك الآراء المذاعة والمعارضة للقرار في مجملها.. وبمجرد أن استمع الوزير إلي السؤال استولي علي سيادته الغضب.. وأخذ يتحدث بصوت مرتفع وينهر المذيعة و"يشخط" فيها.. وبعد أن قال ما اعتبره كافيا فوجئنا به يقول: مع السلامة، ويغلق الخط في وجه الإعلامية المهذبة والمشاهدين!
وقد تصرفت ريم ماجد بضبط تام للنفس، وبتهذيب ومهنية معروفين عنها، وتركت الأمر لحكم المشاهدين.
ولدينا تعليق ذو شقين علي هذه المهزلة.. الشق الأول: يتعلق بسلوك السيد اللواء المهندس الوزير، وهو سلوك مجاف للياقة ومرفوض شكلا وموضوعا.. والمؤسف أنه يتكرر من جانب "مسئولين" كبار وصغار في الدولة، ولا يريد هؤلاء أن يفهموا أن فظاظتهم وعدم لياقتهم مع الإعلاميين لا يمثل اهانة لهؤلاء الإعلامين وحدهم.. وإنما إهانة للرأي العام بأسره، ولحق الشعب في المعرفة والرقابة.. ولفكرة الديمقراطية عموما.
أما الشق الثاني فيتعلق بالخطأ الواضح لقرار الإغلاق المبكر للمحال التجارية، والضرر الفادح الذي يلحقه بالاقتصاد القومي وبالأمن، والذي لا يمكن مقارنته بفائدة محدودة للغاية لا تستحق كل هذا العناد، وهناك سبل عديدة لتعويضها، ومن الضروري للغاية هنا أن يفهم السادة "المسئولون" أن كل زعيقهم وشخطهم ونطرهم لن يجدي في اقناع الناس، ولن يجعل الخطأ صوابا أو الصواب خطأ.
وقرار الإغلاق المبكر للمحال قرار عشوائي ومجاف لأي منطق.. وشديد الضرر.. ووراءه أغراض سياسية خبيثة خلاصتها محاولة فرض نوع من حظر التجول المبكر علي الشعب المصري بهدف ترويضه وإعادته إلي خطيرة الخضوع والاستسلام المباركية.. وهذه كلها محاولات محكوم عليها بالفشل مثلها مثل القرار العشوائي الذي لا مفر من إلغائه.. حتي لا يلحق كارثة بالاقتصاد القومي والأمن علي السواء.
قرارات عشوائية.. ومسئولون هواة!
ولنبدأ مناقشتنا بالبرهنة علي عشوائية القرار الذي تستميت حكومة هشام قنديل في الدفاع عنه.
** أولا: يزعم متخذو القرار أن الهدف منه هو توفير الطاقة.. فهل أجروا دراسات حول الأثر المحتمل لهذا القرار علي استهلاك الطاقة؟! الواقع أن الحكومة لم تذكر لنا أبدا كمية استهلاك الطاقة التي سيتم توفيرها نتيجة لهذا القرار، وهذه الحقيقة تمثل مصيبة في حد ذاتها، فالبرغم من احتدام الجدل علي مدي أسابيع حول المسألة لم نسمع ولو مرة واحدة تقديرا رسميا معتمدا عن التوفير المتوقع نتيجة لهذا القرار.. وكل ما نسمعه كلام مرسل عن السهر وفوائد النوم المبكر والاستيقاظ المبكر... إلخ فهل يمكن اتخاذ قرارات بهذه الطريقة المتخلفة في بلد متحضر في القرن الحادي والعشرين؟!
لا يمكن لأية حكومة محترمة أن تتخذ قرارا لمجرد أن فكرة "طقت" في رأس أحدهم.. ودون دراسة للآثار السلبية والإيجابية المحتملة لهذا القرار.. فالشعب واقتصاده وأمنه ليسوا حقل تجارب للهواة.. علما بأن هذه الفكرة قد تم طرحها ثم التراجع عنها عدة مرات في عهد مبارك.
والمرة الوحيدة التي سمعت فيها تقديرا تقريبيا للتوفير في استهلاك الطاقة نتيجة للإغلاق المبكر للمحال كانت من مصدر غير رسمي، وكان الحديث يدور عن توفير قدره "1% و5.1%".. فهل يستحق هذا التوفير المحدود أن تتحمل البلاد كل الآثار السلبية الضخمة المتوقعة في حالة تنفيذ القرار المذكور؟ ونسأل:
* كم تبلغ كمية الطاقة الضائعة نتيجة لأن أعمدة الاضاءة في طول البلاد وعرضها تظل مضيئة ليلا ونهارا علي مدي العام؟ علما بأن سبب هذا الاهدار يعود إلي أن هناك عدسات في هذه الأعمدة تفصلها أوتوماتيكيا في ضوء النهار.. لكن هذه العدسات تتعطل بسبب الأتربة، فتظل الأعمدة مضاءة باستمرار.
ولو أن السيد اللواء المهندس وزير التنمية "شخط" في مرءوسيه من المحافظين ورؤساء المدن والأحياء.. "بدلا من الشخط في الإعلاميين" وأمرهم بتنظيم فرق من العمال لإزالة الاتربة عن العدسات المذكورة لتوفير الاضاءة نهارا.. لتم توفير كمية كبيرة من استهلاك الطاقة.. ولتم أيضا توفير ثمن أعداد كبيرة من المصابيح التي تحترق نتيجة لاشتعالها المستمر.
فهل هذا أمر شديد الصعوبة علي الوزير الهمام ومرؤرسيه الذين يسددن عين الشمس؟
* هل يلاحظ وزيرنا الهمام وزملاؤه أثناء سيرهم في الشوارع الأنوار المضاءة في المدارس والمصالح الحكومية بعد انتهاء أوقات العمل الرسمية؟ وهل لاحظوا الاضاءة في المدارس بكل طوابقها وفصولها أثناء الصيف حينما لا توجد دراسة أصلا؟! وهل سألوا أنفسهم عن كمية الطاقة التي يمكن توفيرها من هذا الباب وحده؟ أليس وقف هذا الاهدار أولي من التفكير في فرض الظلام المبكر علي مدننا؟
* وبهذه المناسبة نسأل: من الذي يدفع فواتير هذا الاهدار؟ هل تدفعها وزارة التعليم وغيرها من الوزارات من ميزانياتها الضئيلة؟ أم تظل ديونا عليها لوزارة الكهرباء؟ أم يتم توزيع أعبائها علي المواطنين من خلال الفواتير الجزافية الخرافية؟
* ونسأل أيضا عن الاهدار الذي تتسبب فيه سرقة التيار من الأعمدة مباشرة للورش العشوائية، والافراح الشعبية، وحفلات افتتاح المحال، والزينات الرمضانية... إلخ إلخ.. ودور السيد اللواء المهندس الوزير ورجال وزارته في المحافظات والمدن والاحياء في وضع حد له.
ولا خطوا أننا هنا نتحدث فقط عن مسألة التوفير والاهدار، ولا نتحدث عن دور الحكومة في التخطيط لتوسيع الاستثمار في مجال توليد الطاقة الكهربائية أو تعديل تسعيرة بيع الطاقة للصناعات كثيفة الاستخدام لها، والتي يتم تصديرها أو بيعها بأسعار السوق وغير ذلك من القضايا الأكثر جدية المتصلة بتوليد واستهلاك الطاقة الكهربائية في البلاد، فالواضح أن هذه الأمور أوسع وأكبر من أن تستطيع حكومتنا الرشيدة التعدي لها، وغاية ما يستطيعونه هو الاظلام المبكر للعاصمة والمدن.. أو نصحنا بأن نطفيء الماكينات في الصيف، ونجلس بملابس قطنية خفيفة "داخلية يعني" كما قال الدكتور قنديل!
نحن نحكمكم.. بالعافية!
** ثانيا: هذا القرار العشوائي المفتقد لأي تبرير جدي تم اتخاذه دون الرجوع لأصحاب الشأن المباشرين من التجار وأصحاب المحال ممثلين في اتحاد الغرف التجارية وجميعات رجال الأعمال، ولا للعاملين ونقاباتهم مثل نقابة العاملين بالمهن التجارية وغيرها من النقابات ودون اهتمام بالاشارات السلبية تجاه القرار من جانب هذه الجهات، ومن جانب الرأي العام علي السواء.. مع أن العقل والمنطق والديمقراطية كلها كانت تقتضي مناقشة القرار مع هذه الأطراف كلها قبل اتخاذه، باعتبارها الأطراف ذات المصلحة المباشرة.
لكن حكومة قنديل آثرت السير علي نهج قديم لحكوماتنا في اتخاذ القرار أولا.. ثم الدفاع "الغشيم" عنه.. ثم البدء في التفكير علي كره منها.. بعد أن يتسع نطاق المعارضة.. ثم التراجع المنظم أو غير المنظم بعد أن يقع الضرر ويتضح!! بل والمكابرة وعدم التراجع في كثير من الأحيان رغم وضوح الضرر!!
ويحدث هذا بعد الثورة.. ويسمونه ديمقراطية!
تدمير الاقتصاد.. بالعشوائية
** ثالثا: ولو أن حكومتنا الرشيدة درست الأمر، واستشارت أصحاب المصلحة لكانت قد عرفت أن هذا القرار شديد الضر للاقتصاد القومي من عدة جوانب:
1 فالأسواق تعاني من الركود أصلا بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة، وتقليل ساعات العمل يعني المزيد من التأثير السلبي علي المبيعات، ومن ثم علي الدورة الاقتصادية بمجملها.
2 الاغلاق المبكر يعني تقليص مساحة الوقت المتاحة للناس لشراء احتياجاتهم بعد انتهاء أعمالهم، الأمر الذي يعني إما تأجيل وتقليص مشترياتهم بما له من تأثير سلبي علي مصالحهم وعلي الدورة الاقتصادية.. وإما المزيد من الضغط علي المواصلات في وسط المدينة "المدن عموما" والأحياء التجارية، في وقت أقصر، بما يزيد أزمة المرور تعقيدا علي تعقيدها الحالي، ويجعل الفترة المسائية كلها فترة ذروة خانقة وشلل مروري.
3 من شأن هذا القرار، وما يرتبط به من إظلام مبكر لمناطق وسط المدينة في المدن الكبري والسياحية أن يؤثر علي طابعها الثقافي والاجتماعي، ويجعلها أقل جاذبية للحركة السياحية المرتبطة عموما بالسهر والترفيه، والتي تعاني من الركود أصلا لأسباب مختلفة في الوقت الراهن.
4 كما أن من شأنه أن يؤثر بالسلب علي إيرادات المقاهي والمطاعم وغيرها من المنشآت الخدمية المشابهة التي تتيح مجالا للتواصل الاجتماعي والترفيه البريء لقطاعات واسعة من المواطنين، وأن يؤدي بالتالي إلي زيادة الاحتقان الاجتماعي عموما.
5 أما عن التأثير السلبي لقرار الاغلاق المبكر علي العمالة ومشكلة البطالة فحدث ولا حرج.. فلا يوجد صاحب عمل مستعد لأن يدفع للعامل نفس الأجر مقابل ساعات عمل أقل.. وبالتالي فالمتوقع هو إما الاستغناء عن الوردية الليلية من العاملين واجبار الوردية الصباحية علي العمل حتي نهاية يوم العمل أو خفض أجور العاملين في الوردية الليلية أو حتي الاغلاق قبل الموعد المقترح إذا تعذر توفيق أوضاع العمالة.
والنتيجة.. عشرات الآلاف من العمال ينضمون إلي طابور البطالة الذي هو بلا نهاية أصلا.. ومزيد من الفقر والتعاسة لأسر هؤلاء العمال.
فهل فكر "أنصار الاظلام المبكر" في حكومة الدكتور قنديل في كل هذه الآثار الوخيمة قبل أن يتخذوا قرارهم؟ لا نظن.
الأمن الضائع.. في مدن الأشباح!
** إذا كانت الأوضاع الأمنية في البلاد لم تشهد إلا قليلا من التحسن "ونؤكد: علي محدودية التحسن" وبعد جهود مضنية.. فكيف يتصور أصحاب القرار العشوائي وضع الأمن في وسط العاصمة والمدن الكبري والصغري وشوارعها المختلفة حينما يحل الظلام مبكرا؟
** المؤكد أن الشوارع المظلمة ستصبح مرتعا لعصابات الخارجين علي القانون المنتشرة أصلا في كل مكان.. والمسلحة بمختلف أنواع الأسلحة النارية والبيضاء.. بما يترتب علي ذلك من زيادة المخاطر علي المواطنين وزيادة الجرائم الخطيرة كالسطو المسلح علي المحال المظلمة والسرقة بالاكراه والخطف والاغتصاب وغير ذلك من الجرائم الخطيرة، بل إن المحال التجارية المغلقة والمظلمة نفسها ستصبح أهدافا أسهل للسرقات، كما ستنمو بالضرورة ظاهرة الباعة الجائلين المتمركزين في الشوارع لتلبية احتياجات الزبائن المتأخرين والأكثر فقرا، بما يرتبط بهذه الظاهرة من انتشار أكبر لظواهر البلطجة وفرض الاتاوات، وما يلقيه ذلك من أعباء إضافية علي جهاز الشرطة.
** ومن ناحية أخري فإن أعباء الشرطة وصداماتها مع الجمهور ستزداد بلا أدني شك في سياق محاولاتها لفرض الانضباط في مواعيد اغلاق المحال في طول البلاد وعرضها.. فهل الشرطة قادرة علي مواجهة هذه الأعباء في أوضاعها الحالية؟! أليس لديها مهام أخري جسمية تشغلها؟ وهل من المصلحة العامة قطع طريق التعافي البطيء والمؤلم الذي تمر به الشرطة الآن، بشغلها بمهام إضافية ما أنزل الله بما من سلطان؟
وهل يفكر أنصار الظلام المبكر هؤلاء في عواقب قراراتهم العشوائية؟ وهل يستحق هذا التوفير الطفيف في استهلاك الكهرباء "1% و5.1%" مواجهة كل هذه العواقب الوخيمة؟!
أمراء الظلام.. وقمع المصريين
وإذا كان كل ما ذكرناه يبدو بديهيا لأي عقل سليم فأي منطق يمكن أن يفسر إصرار حكومة قنديل علي قرارها الغريب؟!
نقول علي الفور إن هذا القرار يهدف بصورة واضحة إلي فرض نظام للحياة يجعل المصريين بلزمون بيوتهم منذ وقت مبكر سواء أحبوا هذا أم لم يحبوه.. ويفرض الظلام والكآبة علي شوارع مدننا، ويمنع الاختلاط والتفاعل بين الناس وتبادل الآراء من خلال الحياة الاجتماعية النشيطة، ليتحولوا إلي آحاد مبعثرين منعزلين في بيوتهم الصغيرة منذ أول الليل.
ولتسهل السيطرة عليهم في نهاية الأمر، ويسهل علي السلطات قمعهم كآحاد مبعثرين في نمط حياة تسيطر عليه الكآبة، وفي ظل حظر تجول فعلي منذ العاشرة مساء بسبب كل ما سبق ذكره من آثار اقتصادية وحياتية وأمنية سلبية لهذا القرار الخبيث.
وهذا التوجه القمعي ينسجم مع كل ما تطرحه علينا حكومة قنديل وإدارة مرسي كل يوم من مشروعات لقوانين استثنائية معادية للحريات مثل مشروع قانون الطوارئ الجديد، ومشروعات منع وتجريم التظاهر والاضراب بدعوي تنظيمهما، والأفكار المريضة التي يراد فرضها علي الدستور بشأن تغليظ العقوبات وتوسيع نطاقها في قضايا النشر، والاعتداء علي مكاسب ديمقراطية تم انتزاعها عبر نضال طويل وشاق مثل حظر تعطيل الصحف وإغلاقها.
وإذا ربطت بين هذا كله وبين الكآبة التي تسعي التيارات الظلامية المنغلقة و المتطرفة لفرضها علي حياتنا، فستجد أن محاولة فرص الإظلام المبكر علي مدننا وشوارعنا هي في الحقيقة محاولة لصنع خلفية مظلمة مناسبة لمكونات لوحة ظلامية عامة بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الفكرية يريدون فرضها علي شعبنا المتحضر الجميل المحب للحياة وللبهجة والفرح.. وكلها محاولات من المؤكد أن هذا الشعب العريق سيلفظها هي وأصحابها.
الاعلام ليس الحائط الواطئ
وإذا عدنا إلي بداية مقالنا والشق الآخر من موضوعنا الذي وعدنا القارئ الكريم بالتعليق عليه فسنجد أنه من المفهوم تماما أن تهافت موقف الحكومة وهزال حججها بشأن قرار الاظلام المبكر، يجعل المسئولين عصبيين في مناقشتهم للقضية دون مبرر يمكن أن يفهمه أي إنسان طبيعي.. فيهاجون الاعلام بالحق والباطل، ويتهونه بالاثارة وتهييج الرأي العام، غير مدركين أن هزال حججهم وانعدام منطقهم هو الذي يثير الرأي العام، خصوصا حينما يتصل الأمر بمصالح حيوية تنتهكها القرارات العشوائية التي تتخذها الحكومة.
والواقع أن الانقلاب الشامل الذي تحاول تيارات الاسلام السياسي بدءا من جماعة الاخوان المسلمين وحزبها السياسي، ووصولا إلي الجماعات والأحزاب الدينية المتزمتة والمتطرفة، إن هذا الانقلاب الذي يحاولون فرضه علي البلاد وعلي المجتمع في شتي مجالات الحياة هو الذي يتسبب في توتر سياسي واجتماعي شديد، خاصة أن هؤلاء السادة لا يبالون بأية آراء أخري أو حقائق علي الأرض، أو قواعد قانونية أو مؤسسات.. إلخ علي اعتبار أنهم "حسب تصورهم أو زعمهم" يمثلون رأي السماء وإرادتها.. وتوجهات الشريعة السمحاء، وطالما أن غيرهم "ومرة أخري حسب تصورهم أو زعمهم" معادون أو علي الأقل بعيدون عن هذه الشريعة.. وبالتالي فإن لديهم استخفافا مرعبا بأية معارضة.. وعداء فطريا للرأي الآخر.
ولما كان الاعلام هو أداة التعبير للمعارضة والموالاة علي السواء في العصر الحديث.. ولما كانت الاتجاهات العامة للإعلام المعارض لتيارات الاسلام السياسي هي اتجاهات ديمقراطية في مجملها.. ولما كانت أجهزة الدولة بتراثها المباركي الاستبدادي، وبتوجهاتها الحديثة الاستبدادية أيضا تحت قيادتها الجديدة، فإن التوجه العام للسادة المسئولين معاد في مجمله لأية توجهات إعلامية مستقلة، وشديد الحساسية ضدها.. بل يصل الأمر مثلا بمرشد الاخوان المسلمين لوصف الاعلاميين بأنهم سحرة فرعون، ولا يكف الدعاة المتطرفون عن مهاجمة الاعلام علي المنابر والشاشات علي السواء.
كل هذا معروف.. غير أن هناك حقائق تفرضها أبسط قواعد اللياقة والديمقراطية والتحضر ومن هذه الحقائق والقواعد أن أي مسئول إذا قبل أن يشارك في برنامج بالحضور أو بالمحادثة التليفونية، فمعني ذلك أنه قبل أن يعرض آراءه ومواقفه علي حكم الرأي العام.. وهو بالتالي ملزم بالمناقشة وتلقي الأسئلة والآراء المختلفة والرد عليها وفق قواعد اللياقة واحترام الرأي الآخر.. وليس من حقه أن يتكلم بفظاظة.. أو أن ينهي المناقشة من طرف واحد بفظاظة.. هذا ما تقتضيه أبسط قواعد اللياقة.. فضلا عن الديمقراطية.
وينبغي أن يعرف أي مسئول من أصغرهم حتي رئيس الجمهورية نفسه، أنه حين يتعامل مع الاعلام فهو يتعامل مع ممثلي الرقابة الشعبية والرأي العام وليس مع موظفين يعملون تحت إمرة قيادته وأنه حين يسييء التصرف أو يتجاوز قواعد اللياقة مع الصحفيين والاعلاميين فإنه يوجه الاهانة للرأي العام وللجمهور في الحقيقة وليس للاعلام وحده.
وأخيرا وليس أخرا فإن كل مسئول ينبغي أن يعرف أنه موظف عام، وأنه مهما كان مستواه فهو خادم للشعب، يتقاضي مرتبه ويحصل علي امتيازات وظيفية من أموال دافعي الضرائب ولا يجبره أحد علي الاستمرار في منصبه، خاصة إذا كان قياديا فإذا لم يكن يعجبه أن يخضع لرقابة الرأي العام ممثلا في وسائل الاعلام المختلفة، فإن بوسعه أن يترك منصبه الرفيع لخادم آخر للشعب يفهم معني الديمقراطية والسلوك اللائق المتحضر.
هذه هي الحال في كل الدول الديمقراطية المتحضرة، التي أراق شعبنا دماء أبنائه ليلحق بها.. وليس لكي "يشخط" فينا السيد اللواء المهندس الوزير وأمثاله.
وبالنسبة للاعلاميين فرأينا أن أقل عقاب مناسب للسيد الوزير هو مقاطعته وإهماله تماما.
أما بالنسبة لرئيس الحكومة ورئيس الجمهورية فنقول: هذا الرجل لا يصلح لأن يكون وزيرا أو مسئولا في أي موقع قيادي ومطلوب إقالته فورا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.