يظل ملف الدعم الحلقة الدائرة علي جميع الحكومات التي شهدناها بعد الثورة كما كان ملفا غير قابل للحسم من جانب الحكومات السابقة بحيث أصبح كالطفل المدلل لها وكالعادة تواجه الحكومة الجديدة الملف الساخن المشتعل في ظل الوضع المالي المتأزم وبروز أزمة العجز بالموازنة، وتباينت في هذا الاطار اقتراحات ورؤي خبراء الاقتصاد في اتجاه منظومة الدعم.. اتفق الخبراء والمسئولون علي مبدأ وصول الدعم لمستحقيه كما أعلنت ذلك الحكومة وأوضح الخبراء أن الدعم الحكومي يشمل فئات عديدة وأكدوا ضرورة أن تراعي الحكومة عند إلغاء الدعم علي المنشآت الصناعية أن تضع ضوابط علي المصانع حتي لا ترتفع أسعار منتجاتها واقترح الخبراء في الوقت نفسه ترشيد أو خفض الدعم لبعض السلع أو الالغاء الكامل له مع وضع آلية لمراقبة الدعم للتأكد من وصوله لمستحقيه ومنع التلاعب به. وأوضح الخبراء أن مخصصات الدعم للعام الحالي بحسب بيانات الموازنة العامة للدولة تبلغ 9.112 مليار جنيه، تشمل دعم الغذاء والوقود والمرافق والخدمات العامة والاسكان، غير أن أكبر بندين في الدعم، هما دعم الطاقة بواقع 70 مليار جنيه، والسلع التموينية بواقع 6.26 مليار جنيه وباقي النسبة موزعة علي باقي الخدمات.. وفيما يلي رؤي الخبراء للدعم "بعبع" الحكومات منذ أيام الرئيس عبدالناصر وحتي أيام المخلوع حسني مبارك! يري الخبير الاقتصادي حمدي عبدالعظيم أن الدعم الذي تنفقه الحكومة علي بعض الخدمات الأساسية للمواطنين ولرجال الأعمال تصل قيمته إلي ربع الموازنة العامة للدولة، موضحا أن جزءا كبيرا من هذا الدعم يذهب لمستحقيه سواء في دعم الخبز أو الطاقة، حيث تبلغ نسبة مستحقي الدعم في الدولة 65 مليون مواطن. وأوضح عبدالعظيم أنه لابد من إجراء دراسات وأبحاث لوصول الدعم لمستحقية بشكل أمثل وذلك من خلال بطاقات التمويل والعمل علي تحديث بيانات هذه البطاقات باستمرار بحيث يتم استبعاد بعض الناس واضافة البعض الآخر، حيث تعد البطاقات معيارا لوصول الدعم لمستحقيه كما أنها ستحل أيضا مشكلات أنابيب البوتاجازات بالحصول عليها من خلال كوبونات مع السلع التموينية لاستلام اسطوانتين شهريا وفي حالة استهلاك الأسرة نسبة أعلي يتم شراء مازاد علي ذلك بالسعر الحر، كما يتوقع أن تقوم الحكومة بحل مشكلات السولار والبنزين وذلك عن طريق الغاء الدعم علي بنزين 95 ويظل علي بنزين 80 و85 و90 و92 وحل مشكلات الكهرباء عن طريق استهلاك معدل محدد وفي حالة استهلاك ما يزيد علي هذا المعدل تتم المحاسبة بسعر أعلي، هذا بالإضافة إلي أن الحكومة ستضع ضوابط علي دعم المستلزمات الزراعية والخدمات المستخدمة، موضحا أن وزارة الزراعة حاليا تعد ملفا بهذه الضوابط حتي تخرج بنتائج نهائية لحل مشكلات الدعم للفلاحين. وأكد عبدالعظيم أنه من المتوقع أيضا أن تلغي الحكومة الدعم للمصانع حيث تصل نسبة الدعم للمنشآت 25% من إجمالي قيمة الدعم، لذلك لابد من إلغاء الدعم علي الطاقة الكثيفة وأن تتحمل المصانع تكاليف الطاقة كاملة، مع مراعاة أن تضع الحكومة ضوابط لعدم رفع أسعار منتجات هذه المصانع، ففي حالة عدم وجود هذه الضوابط يتحمل المواطن أعباء الزيادة علي المصانع، لذلك لابد أن تضع الحكومة حدا أقصي لاسعار المنتجات، موضحا أنه يجب الالغاء الكامل للدعم لبعض المنتجات أو ترشيد الدعم لبعض السلع. نصائح للحكومة ويلفت د. حسن مصطفي الخبير الاقتصادي إلي ضرورة أن تعي حكومة الدكتور قنديل أهمية ملف الدعم بحيث تضع أمام عينيها محدودي الدخل حتي لا تنجم أي معالجة له عن تأثيرات سلبية للمجتمع وقال إن هناك بنودا لا تمس محدودي الدخل بشكل مباشر ويجب أن تقوم الحكومة ببحثها في البداية ومن ضمن هذه البنود رفع أسعار الكهرباء ومشاركة القطاع الخاص للدولة في قطاع التعليم للحد من أعباء الموازنة. وطالب مصطفي بضرورة مراقبة الحكومة لمخصصات الدعم لبعض السلع الأساسية، للتأكد أولا من وصولها لأيدي المواطنين مع مراعاة الكيف في الإنتاج والكم في التوصيل، فعلي سبيل المثال لابد من دعم رغيف الخبز حيث يجب التشديد والمراقبة للمخابز والتأكد من معدل الإنتاج لكمية الدقيق المصروفة لها وعن طريق هذا ستواجه الحكومة الفساد في منظومة الدعم، حيث توجد عمليات استفادة من قبل وسطاء ومسئولين لاستنزاف مخصصات الدعم وعدم وصوله لمستحقيه، كما نجد من يقوم بشراء الخبز المدعم لتقديمه علفا للماشية علي حساب الفقراء. وربط د. حسن مصطفي بين وصول الدعم لمستحقيه وقيام الحكومة بوضع حد أدني للأجور وخفض الدعم تدريجيا مع توفير السلع، مشيرا إلي ضرورة نشر الوعي المجتمعي وذلك من خلال نشر فائدة وقيمة السلع المدعمة وسياسة الترشيد في الاستهلاك خاصة في مجالات الطاقة ككل والسلع الغذائية لضمان سد الفجوة بين المتاح والمطلوب. ترشيد الانفاق والدعم بينما أوضح د. مختار الشريف الخبير الاقتصادي والباحث بمركز البحوث الاقتصادية أنه لابد من ترشيد الانفاق العام لتقليص الفجوة بين الإيرادات والمصروفات والتي تصل وفقا للموازنة الحالية إلي نحو 222 مليار جنيه حيث يقدر عجز الموازنة ب135 مليار جنيه ولكي يتم ترشيد الانفاق لابد من العمل بالتوازي علي تقليص ميزانية الدعم باتباع برامج لهيكلة ميزانية الدعم، خاصة دعم الطاقة والذي يمثل نسبة تصل إلي 70% من إجمالي الدعم بقيمة إجمالية 70 مليار جنيه مقارنة ب95 مليار جنيه في العام الماضي وبهذا تكون الحكومة قد خفضت دعم الطاقة بنحو 25 مليار جنيه. ويشير الشريف إلي أن حل مشكلة الدعم في مصر يتم من خلال التوزيع العادل من الوسطاء والاستخدام العادل من المستفيدين حيث إن نسبة 80% من السلع المدعمة لا تصل لمستحقيها، إما بسبب جشع الوسطاء أو جشع المستهلكين الآخرين وسوء استخدامهم. ويقترح الشريف حلولا عدة لحل مشكلات الدعم ومنها إلغاء الدعم بصورته الحالية وتعويض المستحقين له بقيمة نقدية من خلال الرقم القومي، وبالتالي يصل الدعم لمستحقيه نقدا ويكون باستطاعتهم انتقاء السلع بالجودة والكيفية، التي يرغبون بها بأسعارها العادية بدون اجبار من الوسطاء، كما أن ذلك سيغل أيدي الوسطاء، في استغلال مواد الدعم بالسوق السوداء، لأن المبالغ المحددة لكل سلعة، ستكون واحدة للجميع، ولا يمكن التلاعب فيها، وفي المقابل سوف تستريح الدولة والمواطنون، من الصراع غير المبرر علي هذه السلع الرديئة، والذي يصل إلي حد القتل أحيانا بسبب رغيف خبز أو أسطوانة غاز، إضافة إلي تحقيق مكاسب عدة أخري، منها تحقيق العدالة في التوزيع، والقضاء علي التوتر الحالي والتخلص من ظواهر الاحتكار واخفاء السلع، وعودة الجودة إلي رغيف الخبز والسلع التموينية، لأن السعر الحقيقي، سوف يشعل المنافسة بين المنتجين، لاجتذاب الزبائن، وتوفير ثروات كبيرة من الفاقد الرديء من الخبز والسلع التموينية، التي تذهب إلي القمامة. بينما أوضح الدكتور محمد راجي رئيس صندوق دعم الصادرات السابق أنه من المستحيل أن تقوم الدولة بالغاء الدعم علي الصادرات، فالدعم الذي تقدمه الحكومة يساعد المستثمرين من الوقوع في خسائر باهظة، موضحا أن الدولة تقوم بواجبها علي أكمل وجه في المقابل نجد أن المستثمر لا يقوم بواجبه تجاه الدولة علي أكمل وجه، لذلك لابد أن تقوم الحكومة بوضع شروط و ضوابط علي المستثمرين حتي تستفيد الدولة كما يستفيد المستثمر. وأوضح راجي أن من ضمن الضوابط المقترحة علي الحكومة لتطبيقها علي المستثمرين أن يقوموا بزيادة حجم العمالة إضافة إلي حجم الاستثمارات وزيادة الصادرات، مقابل الحصول علي الدعم، موضحا أن هذه الشروط تم تقديمها للحكومة السابقة وتعرض علي الحكومة الحالية ليتم تفعيلها. وأشار إلي ضرورة أن تقوم الحكومة بدور الرقيب علي هذه الشركات بحيث لا يحصل من يخل بدوره علي أي دعم، هذا بالاضافة إلي منعه من تخفيض صادراته لمدة عامين لظروف غير خارجة عن ارادته.