ربط الرئيس الفلسطيني محمود عباس "أبومازن" بين الضغوط المالية والشخصية التي تمارس ضده وضد السلطة الفلسطينية، وقراره الذهاب إلي مجلس الأمن، وقال إنه ذاهب في 27 من الشهر الجاري إلي الأممالمتحدة لطلب وضع دولة غير عضو متهما الولاياتالمتحدة صراحة بممارسة هذه الضغوط وقال إنه لا يفهم لماذا لا تريد واشنطن الذهاب إلي الأممالمتحدة بطلب دولة وأقر بصعوبة الموقف فالسلطة أمام أمرين صعبين فإما الذهاب إلي الأممالمتحدة وهي تعرف ما ينتظرها وإما عدم الذهاب وهي تعرف أيضا أنها خاسرة. ورغم ذلك ترك أبومازن الباب مفتوحا لاحتمالات كثيرة وقال في النهاية نحن لسنا أسري لأحد ملوحا باتخاذ قرارات لا تخطر ببال أحد إذ بقي الأفق السياسي مسدودا! وتسعي السلطة الفلسطينية للحد من الاضرابات الاجتماعية في الضفة الغربية التي دخلت أسبوعها الثاني من خلال تدابير لاحتواء ارتفاع أسعار السلع الأساسية والمطالبة بتعديل اتفاقية باريس الاقتصادية مع إسرائيل. كان الرئيس محمود عباس قد أيد المظاهرات الشعبية الموجهة ضد الغلاء والبطالة والفقر قائلا: "آن للشعب أن يقول ما يريد" غير أنه لم يقدم أي حلول للمأزق الحالي، مرجعا وضع السلطة المتدهور ماليا إلي حصار تمارسه أطراف عدة متهما بعضها "دولا عربية" باتخاذ قرار بعدم الدفع، وبعضها آخر باستخدام الأموال في المساومة، في إشارة إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل. لقد طالبت السلطة الفلسطينية رسميا من إسرائيل إعادة التفاوض حول اتفاقية باريس الاقتصادية وإدخال تعديلات عليها هذا التحرك جاء بعد يوم من خطاب الرئيس عباس "أبومازن" الذي حمل فيه الاحتلال الإسرائيلي مسئولية الأزمة الاقتصادية المتقاقمة التي تعاني منها السلطة الفلسطينية لأن هذه الاتفاقية غير منصفة وتحتوي علي قيود تؤثر علي الاقتصاد الفلسطيني وتمنع تطوره. ومثلت اتفاقية باريس الاقتصادية التي وقعت عام 1994 الإطار الذي وضع شروط العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية والتي أنشئت كجزء من اتفاقيات أوسلو، وأبرز النقاط الرئيسية في الاتفاقية تتمحور حول سياسة الواردات والضرائب المباشرة والوقود. وتنص الاتفاقية علي قيام إسرائيل بجمع الضرائب نيابة عن السلطة الفلسطينية، كما تنص علي ألا يكون سعر الوقود في مناطق الحكم الذاتي أقل من 15% من السعر الرسمي في إسرائيل، لكن نتيجة لهذا البند، وبعد ارتفاع الأسعار في إسرائيل فقد قفز سعر الوقود في الضفة الغربية بمقدار الثلث في غضون الشهرين، ومن هنا جاءت الأزمة الحقيقية نتيجة قرار إسرائيل بزيادة سعر الوقود، وكان لابد من ارتفاع مماثل قد يتحمله الاقتصاد الإسرائيلي المزدهر الذي يعيش علي حد أدني للراتب الشهري قدره 4300 شيكل "850 يورو"، ولكن ليس للفلسطينيين الذين يعيشون علي حد أدني قدره 1600 شيكل "315 يورو". غير أن هناك ثلاثة أسباب لموجة الاحتجاجات الراهنة في الضفة الغربية تتمثل في: فشل عملية السلام، وفشل المصالحة، والأزمة الاقتصادية، وتقول وكالات الأممالمتحدة وخبراء اقتصاديون فلسطينيون إن إسرائيل تتبع أسلوبا انتقائيا في تطبيق الملاحق الاقتصادية لاتفاق أوسلو المؤقتة للسلام التي وضع اطرها العامة بروتوكول باريس لعام 1994 بما يخدم مصالحها في الغالب. لقد تفاقمت الأزمة المالية التي تعاني منها السلطة الفلسطينية التي تعتمد علي الدعم الخارجي بسبب انخفاض المساعدات من الغرب ودول الخليج إذ يحدد بروتوكول باريس مشروعا اقتصاديا لوحدة جمركية بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية، ويربط ضريبة القيمة المضافة بمعدلاتها في إسرائيل البالغة حاليا 17%، وهو ما يمنع فعليا إجراء تخفيضات كبيرة في الأسعار في الضفة الغربية. وفي ضربة أخري للاقتصاد الفلسطيني لم يتم تنفيذ بنود أخري تتيح للفلسطينيين إبرام اتفاقات منطقة تجارة حرة مع دول أخري تسمح بدخول الأسواق الإسرائيلية، وتقوم إسرائيل بموجب الاتفاقية بجمع الضرائب لصالح السلطة وتشكل ثلثي موازنتها، وتستخدم الحكومة الإسرائيلية هذا البند للضغط علي السلطة الفلسطينية. لقد دخلت الاحتجاجات السلمية الفلسطينية علي غلاء الأسعار وتردي الأوضاع الاقتصادية منعطفا جديدا بعدما شل اضراب لنقابات النقل العام الحياة العامة في الضفة الغربية، وتوقفت الحياة تماما مع توقف جميع وسائل النقل هذا التصعيد اقلق إسرائيل من تعاظم الاحتجاجات الشعبية ضد السلطة الفلسطينية، خشية أن يتطور الوضع إلي إقالة رئيس الحكومة سلام فياض، الأمر الذي من شأنه ضرب استقرار السلطة أو حتي اندلاع انتفاضة ثالثة ضد إسرائيل وزعزعة مكانة حركة فتح في الضفة الغربية إلي درجة انهيارها، ورغم ذلك ترفض إسرائيل تعديل اتفاقية باريس التي تنظم العلاقات الاقتصادية بين الحكومتين الفلسطينية والإسرائيلية، واعتبرت الفلسطينيين يحرضون عليها من علي كل منبر في الأممالمتحدة والمجتمع الدولي؟! إسرائيل المتسببة الأولي في الأزمة الراهنة تناقض نفسها، فهي تري أن وقف الغضب الشعبي في الأراضي الفلسطينية المحتلة يمكن أن يحصل فقط من خلال تحويل هبات مالية جدية من الدول المانحة إلي الفلسطينيين، ورغم ذلك فهي ترفض الطلب الفلسطيني القاضي بتعديل اتفاقية باريس التي تنظم العلاقات الاقتصادية بين الحكومة الإسرائيلية والفلسطينيين، واعتبرت الفلسطينيين يحرضون عليها المجتمع الدولي، واعتبرت أيضا أن اتفاقية باريس هي جزء من الاتفاقيات السلمية للتسوية المرحلية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وهذه الاتفاقيات لم تكتمل بسبب رفض الفلسطينيين العودة إلي طاولة المفاوضات المباشرة التي تعتبر المكان الوحيد للمفاوضات بين الطرفين. ان تقديم طلب تعديل الاتفاقية من وجهة نظر إسرائيل يعود لتمكين السلطة من القول للناس بأنهم قدموه وفعلوا شيئا ما، والآن يقدم الإسرائيليون بمنعه ويطالبون الدول المانحة وأمريكا بإيجاد الحلول حتي لا تنفجر القنبلة المتسببة فيها أصلا في وجهها!