في خضم الأزمة التجارية العالمية، نشرت وزارة الخارجية الصينية، الأسبوع الماضي، فيديو يُسلط الضوء على الأزمة التجارية بين واشنطنوبكين، مستخدمةً مصطلح «عين العاصفة» لوصف الوضع الحالي، وسط حالة من الهدوء الظاهر، لتكمن حقيقة أن أمريكا قد أوقعت نفسها في فخ اقتصادي مُعقد، ما أثار تساؤلات عميقة حول تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية على الاقتصاد العالمي. بداية القصة.. كانت عندما أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب في أبريل عن تأجيل خطة الرسوم الجمركية الأمريكية، حيث كان يُعتقد أن هذا القرار سيخفف من حدة التوترات التي أشعلها بين الولاياتالمتحدة ودول العالم.. لكن، مع مرور الوقت، بدأت تظهر عواقب تصعيد الرسوم الجمركية الأمريكية، بنسبة تصل إلى 145% على السلع الصينية، وهو ما أدى إلى اهتزاز الأسواق المالية، وبينما كانت أمريكا تظن أنها سترغم الصين على التراجع، تبين أن هذه السياسات ستنعكس سلبًا على الحلفاء والمستهلكين الأمريكيين أنفسهم، وفقًا لتحليل مجلة «ذا إيكونوميست» البريطانية. بينما ردت الصين بسرعة على الإجراءات الأمريكية، مما زاد من تعقيد الموقف، وبينما يسعى المسؤولون الأمريكيون لإيجاد مخرج، تظل التساؤلات قائمة حول هل تستطيع واشنطن تجنب العواقب الوخيمة لهذا الفخ الذي نصبته لنفسها، أم أنها ستجد نفسها عالقة في دائرة من التصعيد غير القابل للتحكم؟؟؟ اقرأ أيضًا| الحرب التجارية بين ترامب والدول الكبرى.. هل ستكون التجارة فريسة للرغبة الأمريكية؟ في 29 أبريل/نيسان، نشرت وزارة الخارجية الصينية، فيديو مثيرًا تحذر فيه من «عين العاصفة»، وهو تشبيه يُستخدم عادة للإشارة إلى الهدوء الظاهر الذي يخفي خلفه عاصفة قوية قد تقتلع كل شيء في طريقها.. كما يُشير الفيديو إلى أن الاقتصاد العالمي أصبح عالقًا في هذه "العاصفة التجارية" التي أثارتها أمريكا، والتي قد يكون لها تأثيرات غير محسوبة على استقرار النظام التجاري الدولي. فبعد سلسلة من القرارات الاقتصادية المُتسارعة، هل ستكون واشنطن قادرة على تهدئة الأمور، أم أن العواقب ستكون أكبر من قدرتها على التحمل؟ بحسب مجلة «ذا إيكونوميست» البريطانية، فعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن في 9 أبريل/نيسان عن تأجيل تنفيذ خطته الخاصة بالرسوم الجمركية الأمريكية لمدة 90 يومًا، إلا أن العديد من الخبراء يرون أن هذا الهدوء سيكون مؤقتًا. حيث قد شهدت الأسواق المالية فترة راحة قصيرة بعد هذا الإعلان، مع شعور البعض بالطمأنينة، وخاصة بعدما تم تعديل الخطة لتشمل فرض رسوم جمركية أعلى على الصين مع إعفاء العديد من السلع الأخرى، خاصة الإلكترونية منها،، لكن مع مرور الوقت، اتضح أن الرسوم الجمركية الأمريكية التي فرضتها الولاياتالمتحدة على الصين تُشكل تهديدًا مباشرًا ل الاقتصاد الأمريكي نفسه. كما ستؤثر التكاليف المرتبطة بارتفاع أسعار الواردات الصينية، بلا شك على المستهلكين الأمريكيين، وبحسب المجلة البريطانية ذاتها، فإذا كانت «أمازون» قد قدّمت بالفعل إشارات حول تأثير هذه الرسوم على أسعار بعض السلع، فإن تأثيرها على الشركات الأمريكية التي تعتمد على المكونات الصينية سيكون أشد وضوحًا. ولعل الحل البسيط لتقليص هذه التداعيات سيكون بإصدار أوامر تنفيذية لخفض الرسوم الجمركية الأمريكية، وهو أمر يستطيع ترامب اتخاذه بسهولة نظرًا لتوقيعه أكثر من 140 أمرًا من هذا النوع منذ بداية العام، لكن السؤال المطروح هو.. «هل سيكون ترامب مستعدًا لتقليص الرسوم الجمركية، أم أنه سيصر على موقفه حتى تكون الصين هي من تطلب ذلك؟». عواقب العناد الأمريكي بحسب مجلة «ذا إيكونوميست»، الموقف الأمريكي الذي يعتمد على «عدم الضعف» قد منح الصين نفوذًا غير متوقع في هذه المعركة الاقتصادية. فالصين ليست في عجلة من أمرها للانخراط في مفاوضات مع واشنطن، وقد تكون القيادة الصينية تستمتع برؤية الولاياتالمتحدة تتخبط في هذا الصراع. وتشير جميع الدلائل إلى أن الصين لا تخطط للتراجع في الوقت القريب، بل يبدو أنها تستخدم هذا الموقف لتثبيت مكانتها كقوة اقتصادية مُستقرة مُقارنة بتقلبات السياسة الأمريكية. ويعكس هذا التوجه تصريح وزارة الخارجية الصينية في الفيديو الأخير، الذي يشير إلى أن الصين تعتبر أمريكا مجرد «نمور من ورق»، وأن التنازل أمام الضغوط الأمريكية لن يؤدي إلا إلى المزيد من التنمر. كما أشار مقال في صحيفة «بكين ديلي» الصينية، إلى أن بكين لا ينبغي أن ترد على تراجع واشنطن بشكل "إجباري"، بل يجب أن تستمر في إظهار القوة والتمسك بمواقفها. وذهبت الصحيفة الصينية ذاتها، إلى أبعد من ذلك، مُشيرة إلى كتاب "حول الحرب المطولة" لماو تسي تونج، الذي يناقش أن "النصر السريع" غالبًا ما يكون "مجرد وهم". اقرأ أيضًا| الصين تتكيّف مع حرب ترامب التجارية بخطة إنعاش اقتصادية متعددة المسارات الصين تخوض حربًا طويلة الأمد لكن هذا التحدي المستمر من الصين لا يخلو من التحديات.. فالصين تواجه بالفعل صعوبة في التعامل مع تراجع سوق العقارات والانكماش الاقتصادي الذي يضربها. ووفقًا لتقرير نُشر في 30 أبريل، أظهرت نتائج مسح شهري للمصنعين في الصين أن طلبات التصدير الجديدة وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ نهاية عام 2022، في ظل هذه الأوضاع، يواجه صانعو السياسة في بكين تحديًا مزدوجًا، بين التأثيرات الاقتصادية السلبية ل الحرب التجارية من جهة، والتحفيز الداخلي للاستهلاك من جهة أخرى، بحسب مجلة «ذا إيكونوميست». ومع ذلك، يبقى للصين نفوذ كبير في سلاسل التوريد الآسيوية والعالمية، فهي أكبر شريك تجاري لأكثر من 100 دولة، وتستحوذ على جزء كبير من التجارة العالمية، مما يمنحها موقعًا قويًا في أي صراع تجاري. لكن هذه الهيمنة التجارية لا تعني أن الصين ستظل محصنة ضد تداعيات هذه الحرب التجارية، على العكس، فإن العديد من دول جنوب شرق آسيا ترى في هذا الصراع فرصة للاستفادة من القلاقل، وعلى سبيل المثال، سعت تايلاند وكوريا الجنوبية إلى إيجاد طرق مبتكرة للحد من تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية على صادراتهما، مع التركيز على قطاعات مثل المأكولات البحرية والمنتجات التكنولوجية. وبينما تسعى هذه الدول إلى استرضاء أمريكا عن طريق عرض المزيد من الصفقات التجارية، بما في ذلك زيادة استيراد الطاقة والمحاصيل والأسلحة الأمريكية، فإنها تدرك تمامًا أن التوترات التجارية بين أمريكاوالصين تضرّ بجميع الأطراف، وهو ما يخلق حالة من «اللعبة المحصلة السلبية»، وبالنسبة للصين.. أي ضرر يصيب الولاياتالمتحدة هو في النهاية مكسب لها. هل تستطيع واشنطن تجنب الفخ؟ بحسب مجلة «ذا إيكونوميست» البريطانية، فإن الرسوم الجمركية الأمريكية التي فرضتها الولاياتالمتحدة على الصين لم تُحقق الأهداف المرجُوة بشكل كامل، بل أدت إلى نتائج عكسية على المستوى الاقتصادي، إلا أن التحدي الأكبر الآن هو ما إذا كان بإمكان واشنطن تجنب تصعيد الأزمة أكثر، أم أنها ستستمر في سياسة المواجهة التي قد تؤدي إلى مزيد من التوترات الاقتصادية على مستوى العالم. لتكشف هذه الأزمة عن مدى تعقيد العلاقات التجارية الدولية، والكيفية التي يُمكن أن تُؤثر بها التحركات السياسية الاقتصادية في قلب النظام العالمي. فبينما تبذل الصين جُهودًا لفرض نفسها كقوة استقرار اقتصادي، تظل واشنطن في وضع حساس للغاية، عالقة بين طموحاتها الاقتصادية وضغوطات الواقع. اقرأ أيضًا| حرب الرسوم الجمركية.. ما الذي ينتظر أمريكاوالصين في صراعهم الاقتصادي؟