حقق حزب الإصلاح البريطانى بقيادة نايجل فاراج فوزًا كبيرًا فى الانتخابات المحلية البريطانية التى جرت منذ أيام حيث حصل على 677 مقعدًا فى المجالس المحلية، مما يمثل زيادة صافية قدرها 648 مقعدًا مقارنة بالانتخابات السابقة، كما تمكن الحزب من السيطرة على 10 مجالس محلية، وهو إنجاز غير مسبوق لحزب تأسس حديثًا. وبالإضافة إلى ذلك، فاز الحزب بمنصب العمدة فى منطقة لينكولنشاير الكبرى، وهى أول مرة يتولى فيها الحزب منصبًا تنفيذيًا بهذا المستوى، وحصل الحزب على حصة تصويت وطنية تقديرية تبلغ 30٪، متفوقًا على حزب العمال الحاكم «20٪»، والديمقراطيين الليبراليين «17٪»، والمحافظين «15٪». اقرأ أيضًا | صعود حزب الإصلاح البريطاني.. تدخل إيلون ماسك يثير مخاوف من تغيير المشهد السياسي كما حقق الحزب فوزًا تاريخيًا فى الانتخابات الفرعية بدائرة رانكورن وهيلسبى، حيث فاز بفارق ستة أصوات فقط، منهياً سيطرة حزب العمال على الدائرة التى استمرت لأكثر من خمسين عامًا.. وهذا الفوز يعكس تحولًا كبيرًا فى المشهد السياسى البريطانى، حيث تمكن حزب الإصلاح من جذب الناخبين الساخطين من الأحزاب التقليدية، مستفيدًا من الخطاب الشعبوى الذى يركز على قضايا مثل الهجرة والسيادة الوطنية. وهذه أول انتخابات تجرى فى بريطانيا منذ أن تولى كير ستارمر رئاسة الوزراء بعد اكتساح العمال الانتخابات العامة فى العام الماضى، وتولى كيمى بادنوك قيادة حزب المحافظين بعد خسارته الانتخابات. يُنظر إلى حزب الإصلاح البريطانى بوصفه وريثًا سياسيًا لحزب بريكست، الذى قاده نايجل فاراج فى السنوات التى أعقبت استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبى عام 2016. وقد قام الحزب منذ تأسيسه على أرضية شعبوية يمينية تستند إلى مفاهيم السيادة الوطنية، ومناهضة الهجرة، والعداء للنخب الحاكمة، والمطالبة بتقليص دور الدولة فى الاقتصاد، وهى أفكار وجدت لها صدى لدى قطاعات متزايدة من الطبقة العاملة البيضاء فى المناطق التى كانت تقليديًا مؤيدة لحزب العمال، وكذلك بين المحافظين الساخطين من أداء حزبهم. ولا يمكن فصل الأداء القوى الذى حققه حزب الإصلاح البريطانى فى الانتخابات المحلية الأخيرة، عن هذا السياق، بل يعكس إلى حد بعيد عمق الانقسام داخل المجتمع البريطانى حول قضايا الهوية والهجرة والاستقرار الاقتصادى بعد البريكست. لقد بدا واضحًا أن الفجوة تتسع بين الأحزاب التقليدية والناخبين، إذ لم يعد العديد من البريطانيين يرون فى هذه الأحزاب تعبيرًا عن مصالحهم أو آمالهم، بل أصبحوا ينظرون إليها كجزء من نخبة منفصلة عن الواقع اليومى للناس. ويستغل حزب الإصلاح هذا الإحباط الشعبى بتبنى خطاب بسيط ومباشر، يعكس الغضب من الأوضاع الاقتصادية، والخوف من التغيرات الديموغرافية، ويَعِد باستعادة «السيطرة» على البلاد. وفى هذا الإطار، يقدم الحزب نفسه كقوة جديدة لا تخضع لمنطق المصالح الفئوية أو الطبقية، بل تمثل «الناس العاديين» فى وجه نخب العولمة والانفتاح. ومثل صديقه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، يشدد زعيم حزب الإصلاح البريطانى نايجل فاراج على رغبته فى «جعل بريطانيا عظيمة مجدداً». وتعهّد حزبه أيضا بإلغاء ممارسات التوظيف القائمة على مبادئ التنوع والشمول والمساواة فى المجالس المحلية التى انتُخب فيها. ومن أهم دلالات فوز حزب الإصلاح البريطانى أنه يعكس تصاعدًا فى تأييد السياسات القومية المتطرفة فى أوروبا الغربية، وهو ما يجعل بريطانيا جزءًا من موجة أوسع تشهدها دول مثل فرنسا وألمانيا وهولندا وإيطاليا، حيث تحقق أحزاب اليمين القومى مكاسب سياسية نتيجة تصاعد المخاوف من الهجرة، وتدهور الأوضاع المعيشية، وتراجع الثقة بالاتحاد الأوروبى أو النظام الليبرالى. ورغم أن بريطانيا خرجت من الاتحاد الأوروبى، إلا أن القلق الشعبى من القضايا العابرة للحدود، مثل الهجرة غير النظامية أو الإرهاب أو الركود الاقتصادى، لا يزال حاضرًا بقوة، ويوفر بيئة مواتية لخطابات الانغلاق والاستثناء القومى، وهو ما يستثمره حزب الإصلاح ببراعة. ويكشف فوز حزب الإصلاح عن إحباط الناخبين من سياسات حزب العمال، الذى كان قد اكتسح الانتخابات العامة فى العام الماضى، بسبب السياسات التقشفية التى انتهجتها الحكومة وأثارت غضب شرائح واسعة من قواعد الحزب الانتخابية المتضررة منها، فضلا عن فشله منذ وصوله للحكم فى استيعاب التيارات الساخطة داخل المجتمع البريطانى، وخاصة فى المناطق الصناعية السابقة التى تعانى من الإهمال والفقر منذ عقود. وهنا وجد حزب الإصلاح ثغرة ليتقدم من خلالها، فخاطب هؤلاء الناخبين بلغة الغضب والرفض والقطيعة، بدلًا من لغة التسويات والموازنات التى يتحدث بها حزب العمال. كما أن فوز الحزب يحمل دلالة مهمة تتعلق بتفكك القاعدة الانتخابية لحزب المحافظين، الذى يمثل اليمين التقليدى، بسبب سوء إدارة ملفات كبرى أثناء وجودهم فى الحكم مثل جائحة كوفيد-19، وارتفاع التضخم، وأزمة الطاقة، وتراجع الخدمات العامة، لا سيما فى قطاعى الصحة والتعليم. ومن الناحية الاجتماعية، يشير نجاح حزب الإصلاح إلى رسوخ الشعور بالاغتراب بين قطاعات واسعة من الشعب البريطانى، وخصوصًا فى المناطق الريفية والمحرومة اقتصاديًا، التى شعرت بأنها كانت ضحية لعقود من السياسات النيوليبرالية والتهميش الجغرافى والثقافى. ويستند الحزب إلى سردية تقول إن بريطانيا لم تعد بلدًا للبريطانيين، وإن الهوية الوطنية مهددة بسبب الهجرة الكثيفة والتنوع الثقافى، وإن النخب السياسية والاقتصادية لم تعد تمثل سوى مصالح الأقليات والمهاجرين والطبقات العليا. وتبرز فى هذا السياق مسألة الهجرة باعتبارها القضية المركزية التى يبنى عليها حزب الإصلاح خطابه السياسى، فمع تصاعد أعداد المهاجرين وطالبى اللجوء، وتزايد الجدل حول عبور القوارب من فرنسا إلى بريطانيا عبر المانش. استغل الحزب هذا القلق الشعبى وقدم نفسه كقوة قادرة على وقف ما يسميه «الاجتياح»، مطالبًا بسياسات أكثر صرامة وترحيل المهاجرين غير النظاميين. بل يذهب الحزب أبعد من ذلك، إذ يطالب بخفض أعداد المهاجرين القانونيين أيضًا، ويشدد على أن الهجرة تهدد فرص العمل، وتضغط على الخدمات العامة، وتؤدى إلى تدهور النسيج الاجتماعى. وتجد هذه الرسائل صدى واسعًا، خصوصًا فى المناطق التى تعانى من ضعف فى البنية التحتية، وانخفاض مستويات التعليم والصحة، وارتفاع نسب البطالة. وفى المدى الأبعد، قد يفتح فوز حزب الإصلاح الباب أمام تحول أعمق فى شكل السياسة البريطانية، إذ إن فوزه يعكس ميلًا متزايدًا نحو الشعبوية القومية، ويشكك فى استمرارية الإجماع الليبرالى الذى ميز الحياة السياسية فى بريطانيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.