ما بين الخوف وترقب رد الفعل، تمضي توابع زلزال التعريفات الجمركية التي أقرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سيما فيما يتعلق برد فعل النمور الآسيوية، إذ يرى كثير أن الصين هي المستفيد الأكبر لما تسميه الإدارة الحالية «بالخطة الجريئة للتجارة المتبادلة». ووفق مجلة "ذا ناشيونال إنترست " أن الرد الأكثر جذبًا للانتباه جاء من اليابانوكوريا الجنوبية، أقدم حليفتين لأمريكا وأكثرهما موثوقية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ومع نفي اليابان لتلك الرواية مع وصف كوريا الجنوبية هذه التقارير بالمبالغ فيها ، فإن مثل هذا الاجتماع، إذا عُقد، سيشير إلى أن سيولوطوكيو كانتا مهتمتين بالتعاون مع بكين ضد واشنطن - وهي خطوة لم تكن لتخطر على بال أحد قبل ولاية ترامب الثانية. وترى المجلة الأمريكية أنه لا ينبغي أن تكون تقارير هذا الاجتماع مفاجئة، فاليابانوكوريا الجنوبية لديهما بالفعل تجارة ثنائية أكبر بكثير مع الصين مقارنة بالولاياتالمتحدة. ومن المبادئ الأساسية للطبيعة البشرية أن التخلي عن الأصدقاء سيجعلهم يبحثون في أماكن أخرى عن أصدقاء جدد. تآكلت علاقات واشنطن مع حلفائها ومع ذلك، فإن رؤية العواقب السلبية الهائلة لسياسة ترامب الجمركية أمر مزعج، فبدلاً من القيام ب"عكس كيسنجر" - فصل روسيا عن الصين- يبدو أن الرئيس يسعى إلى "عكس ترومان"، ما يؤدي إلى انفصال الولاياتالمتحدة عن شبكة الحلفاء الأجانب التي زرعتها في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية ، وإعطاء إشارة إلى هؤلاء الحلفاء السابقين بأنهم قد يجدون شريكًا أكثر موثوقية في بكين. في السياق، اعتبرت المجلة الأمريكية، أن بكين مستفيدة بهذا التسلسل من الأحداث، سيما وأن الإدارة الأمريكية تعاني من جراء هذه الرسوم أكثر من معاناة بكين، وهو ما ظهر جليًا في تكهنات صحيفة جلوبال تايمز الحكومية الصينية، التي أكدت أن تعريفات ترامب ستضر بالولاياتالمتحدة في المقام الأول، كما أشادت بالعلاقة الجديدة المفاجئة لبكين مع طوكيووسيول، ما يعني أن الانفصال عن الولاياتالمتحدة أمر لا مفر منه. وفيما يوجد تصور متزايد بأن الاستراتيجيات الأمريكية تعطي الأولوية لمواجهة الصين على حساب الاستقرار في آسيا، وبينما تضع أمريكا نفسها كمدافع عن "العالم الحر"، فإنها تقدم حلولاً محدودة للتغيير الاقتصادي الملح في المنطقة. وتحذر المجلة، في حالة استمرار الأزمة الأمريكية - سواء انحدرت الأسواق، وانزلق العالم الغربي إلى الركود، وتآكلت العلاقات طويلة الأمد بين الولاياتالمتحدة وحلفائها الأجانب بعد نقطة العودة - تتصاعد التوقعات باستغلال الصين الوضع للتوسع إقليميًا. اخف قوتك .. وانتظر دورك منذ نهاية عهد ماو حتى بداية الأزمة المالية عام 2008، حافظت الصين على مستوى منخفض في الشؤون الدولية، ربما أفضل مثال على ذلك هو قول الزعيم الصيني الأعلى دنج شياو بينج، "أخف قوتك، وانتظر وقتك". وخلال قيادة دينج (1978-1989)، ورئاسة الوزراء التي تلتها جيانج تسه مين (1989-2002) وجزئيًا هو جين تاو (2002-2012)، لعبت بكين دورًا ضئيلًا بشكل مدهش على المسرح العالمي. في علاقاتها الخارجية، قللت من أهمية القضايا السياسية الخلافية مثل تايوان، وسعت إلى الاستثمار بشروط مواتية، وعززت العلاقات التجارية مع العالم النامي، وتصرفت بشكل عام بطرق مواتية للنظام العالمي وغير ضارة للولايات المتحدة. و في الوقت نفسه، دفع ازدهارها الاقتصادي ملايين الصينيين إلى الخروج من الفقر، ما أعطى شعبية حاسمة للحزب الشيوعي الصيني، حيث مر الركود الكبير بالصين دون أي قلق، بينما عانى العالم الغربي، كما نشرت بكين بانتظام معدلات نمو مزدوجة الرقم. وبحسب المجلة الأمريكية ، اعتبرت الصين الأزمة المالية العالمية عام 2008 فرصة لتقدمها وتراجع الغرب، ما دفعها إلى اتخاذ خطوات توسعية إقليميًا، مثل المطالبة ببحر الصين الجنوبي، والسيطرة علي جزر متنازع عليها، وبناء جزر اصطناعية، وفرض سيطرة أوسع على هونج كونج.هذه التحركات استندت إلى قناعة بأن الغرب ضعيف وغير مستعد للرد. حتي جاء الرد الأمريكي الجاد في منتصف العقد، وتحديدًا بعد تولي ترامب ولايته الأولي عام 2017، حيث عزز الحضور الأمريكي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وأطلق شراكات استراتيجية مثل الشراكة "الرباعية" ، QUAD""بين أمريكاواليابان وأستراليا والهند. استراتيجية ترامب في ولايته الثانية وجهة نظر أخرى تلفت إليها المجلة الأمريكية تتمثل في رفع هذه التحالفات من منسوب غضب بكين من واشنطن، لأنها أضرت بشدة بشدة بالطموحات الصينية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ورغم أن التحالفات الأمريكية حظيت بدعم من الحزبين في الكونجرس وبين الناخبين الأمريكيين، فإنه لا يوجد أي بوادر في أن استراتيجية ترامب في ولايته الثانية ستواصل البناء على هذا التوجه. ووفقا للمجلة فإن الرئيس الصيني شي، متشكك في نموذج التجارة الحرة الغربي، ومثل ترامب، فهو يدرك أن القوة الصناعية لأي دولة هي مصدر قوتها، وهذه القوة أهم من التجارة الحرة المطلقة، لكن على النقيض من ترامب، فقد أمضى سنوات في وضع الأساس بعناية لنظام بديل لتعزيز نموذج اقتصادي "التداول المزدوج" تعتمد فيه الإمدادات المحلية على الواردات. وتخلص المجلة في استنتاجها ، يبدو أن هدف ترامب العكسي، بشأن سياسة التعريفات الجمركية قد غيّر هذا الوضع. فبينما ينظر شي جين بينج إلى النظام الدولي اليوم، لا بد من التساؤل عما إذا كان ينظر إليه بنفس الطريقة التي نظر إليه بها سلفه هو جين تاو في عام 2008؟ في أنه هش، فاشل، وغير قادر على منع الصين من السعي وراء طموحاتها الإقليمية أم لا؟