هل هناك فارق كبير بين الحكم بإعدام الرئيس السابق حسني مبارك أو الحكم بالسجن المؤبد..؟ إن الحكم في الحالتين هو الإدانة، وهو حكم معنوي علي رئيس يمثل نظاما ومرحلة انتهت وطويت أوراقها ولا يجب استمرار المزايدة عليها أو استخدامها كوسيلة وورقة ضغط وابتزاز وتلاعب بمشاعر المواطنين. فالحكم بالسجن المؤبد صادر عن محكمة قضائية عادية، وأحكام القضاء يجب أن تبقي دائماً مقدسة لا يجوز التعليق عليها بالتحليل والشرح والإدانة أو حتي الإشادة، ولا يجب أن نصل إلي المرحلة التي تقف فيها فنانة لتقول إن القاضي بهذا الحكم قد أهان الثورة..! وإذا كنا قد وصلنا إلي مرحلة الاعتراض علي أحكام القضاء وعدم الاعتراف بنتائج صناديق الانتخابات، فلماذا الحديث عن الديمقراطية ولماذا البحث عن القانون؟ إن المرشحين للرئاسة الذين ذهبوا إلي ميدان التحرير في مسيرات لإلهاب حماس المتظاهرين قدموا درسا سيئا في المزايدة السياسية وفي الرغبة في البقاء في الأضواء، بدلا من أن يكونوا قدوة ومثالا في التهدئة واحترام القانون، والحديث عن المرحلة الجديدة بعيدا عن الانغماس والبقاء في جلباب الماضي بحثا عن الانتقام حتي لو كان علي حساب الوطن والمصلحة القومية. فليس مطلوبا من كل مرشح للرئاسة سابق أو حالي أن يذهب إلي ميدان التحرير للهتاف مع الجماهير وإنما مطلوب منه أن يكون قائدا للرأي في البحث عن التهدئة من أجل أن يعود لهذا البلد أمنه واستقراره وأن يتجاوز عثراته ومشكلاته حتي يمكن أن تعود مصر للمكانة التي تستحقها وللدور الذي يمكن أن تقوم به. فالتجمع والاعتصام في ميدان التحرير وبعض الميادين المصرية الآن لا يمكن أن يكون من أجل الاعتراض علي الأحكام الصادرة ضد مبارك ومساعديه بقدر ما هو وسيلة ومدخل لإفساد وإفشال الانتخابات الرئاسية التي توشك علي النهاية بعد عدة أيام. فالميدان يطرح من جديد الدعوة إلي تشكيل مجلس رئاسي لحكم مصر، وهي دعوة حق يراد بها باطل ونوع من فرض الوصاية والهيمنة علي القرار الشعبي الذي يوشك أن يتبلور في شكل رئيس جديد منتخب بإرادة حرة. فنحن لا ندري علي أي أساس سيتم تشكيل هذا المجلس، ومن يشكله، وممن؟ هل سيكون من المرشحين الذين فشلوا في الانتخابات الرئاسية أم من شخصيات أخري؟!.. وهل سيعرض هذا المجلس علي الشعب في استفتاء أم سيفرض عليه؟! ولماذا المجلس وهناك رئيس سيكون موجودا لمصر بعد عدة أيام؟! إن الهدف الواضح من هذا المجلس المقترح ومن مظاهرات التحرير وبعض المحافظات هو محاولة منع الفريق أحمد شفيق من الفوز بالرئاسة في الانتخابات بعد أن بات واضحا أن فرصه في الفوز تتعزز بقوة وأن هناك شعورا متناميا بأنه قد أصبح بالفعل الرئيس القادم.. وهو سيناريو مخيف للقوي الثورية التي تتوجس من إعادة إنتاج نظام مبارك ومن ملاحقتها أمنيا من جديد..! وهو تخوف له ما يبرره، ولكنه لا يجب أن يكون عائقا أمام إتمام العملية الانتخابية التي هي البديل الأفضل حاليا لضمان المسيرة الديمقراطية وتسليم السلطة إلي سلطة مدنية. فالقوي الثورية لا يجب أن تلوم إلا نفسها في فشلها في الاتفاق علي مرشح واحد في الانتخابات الرئاسية، وظهورها بشكل فيه من الانتهازية واقتسام الغنائم أكثر مما فيه من روح الخوف علي الوطن والحفاظ علي الثورة. ولا يجب أمام هذا الإخفاق أن نعيد إشعال مصر من جديد بدعوي تصحيح المسار وحماية الثورة، فحماية الثورة لا تكون في الميدان بقدر ما يجب أن تترجم وتتبلور في صناديق الاقتراع. وإذا كنا نبحث عن المصلحة الوطنية الآن وعن مخرج للخروج من الأزمة فليكن ذلك بالتأكيد علي وحدة الصف واحترام نتائج الصندوق والتعامل مع الرئيس المنتخب علي أنه رئيس لكل المصريين، سواء كان الدكتور محمد مرسي مرشح الإخوان أو الفريق أحمد شفيق الذي يحسب علي النظام السابق. إن استمرار حالة التوتر في الشارع المصري لن تؤدي إلي تغيير في الأحكام القضائية ولا في تعديل المسار حاليا، بل ستؤدي فقط إلي نتيجة واحدة وهي زيادة حالة الاحتقان والغليان وانفلات أمني غير مسبوق سيقودنا إلي ثورة ثانية مدمرة وتبادل للاتهامات والمسئولية وخلط للأوراق والمعايير كما هو حادث الآن. لقد أصبح مبارك في طرة الآن.. وهذا يكفي لنهاية مرحلة وما أقساها من نهاية..!!