القطاع المصرفي هو رئة الاقتصاد وهو النقطة وجسر الانتقال بين نظام اقتصادي هش قائم علي الارقام دون منطق واقتصاد تحكمه الحجة والمنطقة وإذا كان تأثر البنوك خلال فترة الثورة كان نفسيا أكثر منه واقعيا إلا أن السيناريوهات الأصعب تتمثل في ترسبات الماضي والتي فاقمتها ظروف الحاضر وتمثل نقطة الاتزان في مواجهة هذه السيناريوهات قبل الوصول إلي نقطة اللاعودة هكذا هي قواعد اللعبة فالقطاع المصرفي القوي والمتين لايمكن أن يظل هكذا كثيرا مالم توضع حلول جذرية لمشاكل يتم علاجها منذ سنوات بمسكنات دون تطهير عميق للجرح المتقيح الذي يواجه اقتصادا يعاني من سفه استيرادي واحتياطي نقدي يعتمد علي مصادر ريعية وجنيه ضعيف يشكو قلة حيلته وهو أنه علي مسئولي السياستين النقدية المالية وبين هذا وذاك ووفقا لمقولة من لايرحم لايرحم تواجه معدلات نمو الودائع تراجعا مصحوبا بتراجع معدلات الائتمان وهو ما قد يمثل ضربة لسيولة البنوك. الصورة تبدو أكثر واقعية إذا تناولنا تقرير موديز الأخير الخدمات المستثمرين الذي أبقي علي نظرته المستقبلية السلبية تجاه النظام المصرفي المصري، ما يعكس صعوبة البيئة التشغيلية التي تعمل فيها المصارف، وتوسع انكشافها علي الديون الحكومية،فضلا عن ضعف نسب رأس المال ومقاييس جودة الأصول وأشار إلي أن البيئة التشغيلية "ستظل تشكل تحديا للمصارف علي مدي يتراوح بين ال 12 وال 18 شهرا المقبلة، في ظل الأوضاع الائتمانية والتجارية الصعبة الناجمة عن الوضع المالي الضعيف للحكومة والمناخ الاستثماري السلبي. وتوقعت "موديز" تأثر ربحية المصارف سلبا في ظل صعوبة الاوضاع الاقتصادية وانعكاس المستويات المرتفعة للمخصصات المالية علي الارباح الأساسية بينما سيؤثر ضعف نمو الأعمال الايرادات الناتجة من الفوائد والايرادات المحصلة من التعاملات الأخري، علي رغم توقعات الوكالة بارتفاع هوامش الفائدة. من جانبه يؤكد الخبير المصرفي محمد يوسف أن السياسة النقدية وعلاقتها بالاقتصاد الكلي مرت بمراحل متلاحقة منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير حيث إن الاحتياطي الرسمي من النقد الأجنبي الذي تراكم من الفترة 2003 حتي ديسمبر 2010 "قبل قيام الثورة" لم يكن بالدرجة الأولي نتيجة فائض في ميزان المدفوعات الجاري الذي كان يغطي عجز الميزان التجاري ويضيف قائلا وإنما نتيجة تدفق الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة "استثمارات الحافظة" في ميزان العمليات الرأسمالية، وكان جانب كبير من تلك التدفقات استثمارات الأجانب في أذون الخزانة الحكومية، ولذا عندما اهتزت الثقة بأحوال الاقتصاد المصري بعد الثورة في مواعيد استحقاقها أو قبل مواعيد استحقاقها أدي إلي استنزاف كبير للاحتياطي الرسمي من النقد الأجنبي وقال إن من الاخطاء المريعة التي وقعت فيها السياسة النقدية إن البنك المركزي لم يضع أي قيود علي خروج وتسرب مئات الملايين من دولارات الشعب المصري التي نهبها النظام المصري وهو وكما يعلم الجميع أن هذه الأموال التي نهبتها المافيات الاقتصادية وتسربت خارج مصر قد تمت خلال السنوات السابقة لقيام الثورة في مصر (2005 2010) وليس فقط عند سقوط النظام حيث كان لديهم شعور جارف بأن بقاء الحال من المحال. لكن وبحسب يوسف أن عودة الاستقرار للقطاع المصرفي لن يكون مرتبطا فقط بالاستقرار السياسي لكن بعلاج سياسات خاطئة اتبعت قبل وبعد الثورة بدء من الثاني من العقد المنقضي والسيناريو الأسوا أدت إلي تفاقم مشكلات الدين المحلي قائلا إن التحدي الأكثر خلال الفترة المقبلة هو استمرار إغراء المالية للقطاع المصرفي لشراء أذون الخزانة والسندات مما ينذر بمزيد من تأكل السيولة بالبنوك. ويتفق معه في الرأي الخبير المصرفي أحمد أدم الذي أكد أن استمرار تخفيض الجدارة الائتمانية للاقتصاد المصري وكذا ارتفاع تكلفة التأمين علي السندات الحكومية المصرية يمكن أن ترتفع معها العوائد علي السندات الحكومية فيما لو أرادت الحكومة الاقتراض من الخارج مع احتمالات بصعوبة تغطية الطرح وكذا استغراق الاقتراض الخارجي لوقت قد لا تنتظره بعض الاصلاحات المهمة والضرورية.