أكدت وكالة "موديز" العالمية للتصنيف الائتماني أن السعودية تعد في وضع قوي يمكنها من تجاوز آثارتباطؤ الاقتصاد الكلي العالمي علي الرغم من الانخفاض في أسعار النفط من مستويات الذروة التي شهدتها خلال العام ،2008 وانخفاض إنتاج النفط، والانخفاض في الناتج المحلي الإجمالي الأسمي الذي يقدر بنسبة 10 و 15 في المائة. ومنحت "موديز" في أحدث تقرير لها حول آفاق وتوقعات النظام المصرفي السعودي الذي نشرته صحيفة "الاقتصادية" السعودية التوقعات الائتمانية الأساسية المتعلقة بالنظام المصرفي السعودي تصنيف "مستقر" وهو ما يعكس مرونة المصارف السعودية وقدرتها علي استيعاب الآثار المترتبة علي الأزمة المالية العالمية في ظل تراجع نمو الاقتصاد الكلي. وتعبر هذه التوقعات عن رأي الوكالة بشأن التوجهات المستقبلية المحتملة للأوضاع الائتمانية الأساسية لقطاع المصرفي السعودي خلال الفترة الممتدة ما بين 12 و 18 شهراً المقبلة، ولا تمثل هذه التوقعات تصوراً لرفع أو خفض التصنيفات. وتقول موديز في تقريرها إن السعودية باعتبارها أكبر منتج للنفط في العالم استفادت من إيرادات النفط الضخمة خلال السنوات الأربع الأخيرة، وقد استثمرت هذه الإيرادات بحيطة وحذر كما استخدمت السلطات الإيرادات النفطية المفاجئة لتحسين الأوضاع المالية الحكومية بشكل ملحوظ، وذلك من خلال تقليص الديون الحكومية وزيادة الاحتياطات. وبحسب التقرير وصلت قيمة الاستثمارات الأجنبية والودائع لمؤسسة النقد العربي السعودي اعتبارا من يونيو ،2009 إلي 1،35 تريليون ريال (ما يعادل 360 مليار دولار) بزيادة مقدارها عشرة أضعاف من قيمة استثماراتها للعام 2003 والتي كانت نحو 143 مليار ريال. كما أن وضع الحكومة المالي القوي يعطيها مجالا واسعا لاتخاذ إجراءات محددة للحد من تأثير الأزمة الحالية، ولقد أكدت الحكومة السعودية التزامها بدعم ميزانية 2009 التوسعية بعديد من مشاريع البنية التحتية، كما أكدت التزامها أيضا بتعزيز تنويع الإنتاج في قطاع التعدين، والطاقة والمياه، والخدمات، والنقل والخدمات المالية، كما أعلنت المملكة عن عديد من مشاريع البنية التحتية التي تفوق تكلفتها 1.1 تريليون ريال (ما يعادل 300 مليار دولار) ستقوم بتنفيذها علي مدار الخمس إلي عشر سنوات المقبلة، لذلك فإن السعودية في وضع يمكنها من معالجة آثار التباطؤ الاقتصادي العالمي والانخفاض في أسعار النفط، وهي علي أي حال قد تعافت بشكل كبير من آثار انخفاض أسعار النفط (35-40 دولارا للبرميل) التي سجلتها في وقت سابق من هذا العام. ويؤكد التقرير أن مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما" تصرفت بشكل حاسم لمواجهة مشكلات السيولة والتمويل وكنتيجة لذلك، عملت السلطات السعودية علي ضمان استمرارية تمتع القطاع المصرفي السعودي بالسيولة وعلي ضمان تخفيض تكلفة الاقتراض. وتشتمل التدابير التي اتخذتها مؤسسة النقد العربي السعودي علي عدة نقاط هي الانخفاضات الحادة لأسعار الفائدة منذ أكتوبر من عام ،2008 إضافة إلي تخفيض متطلبات الاحتياطي إلي 7 في المائة من مجموع الودائع تحت الطلب (من 14 في المائة) و4 في المائة من الوفورات والودائع الآجلة، كمازادت "ساما" تسهيلات المقايضات بالدولار، بينما حدت من إصدارات أذونات الخزانة إلي ثلاثة مليارات ريال في الأسبوع، وضخت الكيانات الحكومية 34 مليار ريال من صافي الودائع في النظام المصرفي في العام 2008 و 57 مليار ريال إضافية في الأشهر الستة حتي نهاية يونيو 2009. ويؤكد التقرير أن هذه التدابير ساعدت علي توفير السيولة في السوق وخفض تكلفة التمويل بشكل معتدل، رغم أن التمويل بالدولار الأمريكي المطلوب لتمويل المشاريع قيد الإعداد لا يزال مرتفعا ومن الواضح أيضا أن انخفاض القروض والتسليفات في القطاع المصرفي منذ نوفمبر 2008 ليس مرتبطا بضعف السيولة بل زادت مؤسسة النقد العربي السعودي العقود إلي 118 مليار ريال في يونيو 2009 (73 مليار ريال في نوفمبر 2008) وإنما بتزايد مستويات النفور من المخاطرة، وتشديد إجراءات الائتمان، وانخفاض شهية القطاع الخاص للاقتراض. ولكن حدة الأزمة المالية العالمية والتباطؤ الكبير في الاقتصاد المحلي يشيران بحسب التقرير إلي تزايد المخاطر "نحن نعتقد أن مصدر الخطر الرئيسي هو مخاطر الائتمان الناشئة بشكل أساسي من احتمال حدوث مزيد من التدهور في الأوضاع التشغيلية الكلية ومخاطر التركيزات الائتمانية المرتفعة التي يمكن أن تواجهها البنوك والانكشاف علي قطاع الشركات الخاصة والشركات العائلية". ويضيف التقرير أن إجمالي الأرباح الأساسية للبنوك العشرة السعودية المصنفة تراجعت بنسبة 14% في العام 2008 مقارنة بالعام ،2007 ولقد تأثرت هذه النتائج سلبيا بالخسائر المرتبطة بالاستثمارات والديون المتعثرة والتي تصل إلي 1.4 مليار ريال (شهد عام 2007 أرباحا تقدر ب5.2 مليار ريال) وكذلك الانخفاض في رسوم تداول الأسهم وإدارة الصناديق؛ وتراجع هوامش صافي الفائدة إلي 8.3% (مقارنة ب1.4 % في العام 2007) وذلك نتيجة لارتفاع تكلفة التمويل. وتؤكد موديز أن القطاع المصرفي السعودي سيستفيد من الالتزام المستمر للحكومة السعودية في دعم الاقتصاد بالسياسة المالية التوسعية وعديد من مشاريع البنية التحتية، ويضيف التقرير "الواقع أن الحكومة السعودية قد استثمرت مواردها من العوائد النفطية بحيط وحذر في السنوات الأخيرة، ولطالما كانت المحرك الرئيسي لعجلة النشاط الاقتصادي عبر التاريخ". وقال نائب الرئيس ومحلل أول في مجموعة "موديز" كونستانتينيوس كيبريوس، "لقد تم احتواء أثر الأزمة المالية نظرا لأن المصارف السعودية لا تعتمد بشكل كبير علي سوق التمويل وزيادة علي ذلك، تم استيعاب أي خسائر من المنتجات المهيكلة وغيرها من الاستثمارات المحفوفة بالمخاطر بسهولة تامة". ويقول التقرير إن المصارف السعودية العشرة التي تصنفها وكالة موديز لم تستفد فقط من الامتيازات المحلية المؤسسة والقوية، بل استفادت أيضا من تحسن ثقافة إدارة المخاطر في السنوات الأخيرة بفضل تطبيق اتفاقية بازل الثانية، مضيفا أن توقعات موديز المستقرة مدعمة أيضا بالأنظمة المالية الصارمة، والرقابة اللصيقة للنظام المالي، والدعم المنتظم الذي يضمن استمرارية تمتع القطاع المصرفي السعودي بالتمويل والسيولة الكافية، كما أن القطاع المصرفي السعودي معد إعدادا جيدا لمواجهة الركود الاقتصادي. ويشير إلي أن الأوضاع التشغيلية لا تزال صعبة، حيث يرجح أن يتراجع الناتج المحلي الإجمالي بمعدل يتراوح بين 15 و 20% العام الجاري بسبب انخفاض عائدات النفط، ولكن بالرغم من ذلك قالت موديز إنها ترجح أن تظل القياسات داعمة للتصنيفات الحالية للمصارف السعودية. ويحدد التقرير التحديات التي تواجه القطاع المصرفي السعودي، والمتمثلة في ارتفاع تركيزات الودائع والإقراض وعدم التناسق بين الأصول والالتزامات من حيث آجال الاستحقاق، وندرة رأس المال البشري، ومحدودية التنويع الاقتصادي خارج قطاع النفط والغاز، وتقلبات الناتج الفعلي والأسمي للدولة، والنمو القوي للقروض في السنوات الأخيرة، يتم اختبارها الآن في ظل ظروف تشغيلية أكثر تحديا.