تواجه خطة التقشف الجديدة التي اضطرت الحكومة اليونانية حتي تحصل علي دفعة مساعدات مالية أوروبية، رفضا شعبيا واسعا من قطاعات عديدة من اليونانيين.. وتمثل ذلك في اضرابات هنا وهناك في اليونان عن العمل ومظاهرات متنوعة واعتصامات عديدة.. وذلك لأن الخطة تشمل تسريح أعداد إضافية عن العمل وخفضاً للمرتبات والمعاشات والخدمات الحكومية. وما يحدث في اليونان تكرر في دول أوروبية أخري عديدة.. تكرر في إيطاليا وإسبانيا والبرتغال حينما اضطرت هذه الدول إلي اللجوء للتقشف الاقتصادي والمالي.. بل إن تلك الاحتجاجات التي تنتشر الآن في العالم والتي بدأت من حركة "حرروا وول ستريت" هي في جوهرها رفض لتقشف فعلي غير معلن فرض علي المواطنين العاديين في هذه الدول حينما فقد عدد منهم أعمالهم أو تآكلت دخولهم بسبب التضخم، وانخفضت مستويات المعيشة.. وجسم الرفض الشعبي للتقشف أنه يحدث في وقت لم يطل فئات محددة من أصحاب الحظوظ العالية، نجوم أسواق المال في هذه البلاد.. أي أنه في الوقت الذي فرض فيه التقشف علي فئات واسعة من الشعوب كان هناك من ينعمون بالترف والدخول الضخمة والمتزايدة. هذا ما حدث في الولاياتالمتحدة عندما حصل المصرفيون مثلا علي مكافآت ضخمة رغم أن البنوك التي يديرونها كانت علي وشك الافلاس، ونجت منه بفضل المساعدات التي حصلت عليها من الحكومة فقد اعتبر قادة هذه البنوك هذه المساعدات إيرادات لبنوكهم وذلك لتضخيم أرباحهم وبالتالي تمكينهم من الحصول علي مكافآت ضخمة وهو ما آثار استياء الإدارة الأمريكية، ووضع الرئيس الأمريكي باراك أوباما لمطالبة كبار المصرفيين الأمريكيين لإعادة النظر في هذه المكافآت الضخمة التي لا يستحقونها فعلا، لأنها مكافآت ممولة من جيوب ممولي الضرائب الأمريكان الذي شاركوا بما دفعوه من ضرائب في تمويل الدعم الذي حصلت عليه هذه البنوك. اذن.. هذه الاحتجاجات التي اندلعت في شتي أنحاء العالم، وليست أوروبا وحدها أو الولاياتالمتحدة فقط، هي احتجاجات علي الظلم الذي فرض علي الأغلبية من الشعوب.. حيث صار التقشف من نصيبهم، بينما لم يفرض التقشف علي نجوم أسواق المال وكبار الرأسماليين.. فرض عليهم التقشف لعلاج أزمات لم يصنعوها، بل علي العكس كانوا ضحايا لها.. بينما الذين صنعوا الأزمة بسياساتهم الخاطئة وقراراتهم غير السليمة، والغش والتدليس الذي ارتكبوه، لم يفرض عليهم هذا التقشف، بل علي العكس تمتعوا حتي في ظل الأزمات الطاحنة في العالم بدخول أعلي ومكافآت أكبر وثروات هائلة. وهذا الاتساع والانتشار في الاحتجاجات العالمية سيقود بالضرورة إلي ظهور حركات عالمية تدعو لتغيير السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي لا يراعي حقوق الأغلبية وتستفيد منها فقط الأقلية.. انها نهاية لمدرسة شيكاغو الأمريكية وبداية لظهور مدارس جديدة أكثر عدلا. عبدالقادر شهيب