مناخ الحرية الذي نعيشه الآن بعد ثورة 25 يناير، وسقوط النظام السابق، بالإضافة إلي حجم الفساد الهائل الذي نكتشفه يوميا، والأموال الطائلة المنهوبة بواسطة رموزه من وزراء ومسئولين كبار وبعض قيادات الحزب الوطني -وما خفي كان أعظم- كل ذلك شجع القوي العاملة في مصر علي اختلاف تخصصاتها من عمال وموظفين وإداريين ومهنيين حتي رجال القضاء والشرطة، علي المطالبة بحقوقهم المسلوبة، وتحسين أحوالهم المعيشية، خاصة في ظل الغلاء الفاحش الحالي في السلع والخدمات، لاسيما بعد اكتشاف آلاف الملايين من الجنيهات التي سُرقت ونُهبت نهبا منظما من بعض كبار رجال الدولة، ووجود تفاوت صارخ وغير مبرر وغير معقول في الأجور فنجد مثلا عاملا في شركة يتقاضي أقل من 300 جنيه شهريا ويعول أسرة كبيرة، في الوقت الذي يتقاضي فيه رئيس مجلس إدارة تلك الشركة مئات الألوف من الجنيهات شهريا، ويتقاضي معه قلة من المسئولين المحظوظين مبالغ مماثلة، ونفس الأمر في مصالح حكومية عديدة؛ هناك من يتقاضي أقل من 100 جنيه شهريا، في الوقت الذي يبلغ مرتب مستشار لا يعمل شيئا مفيدا في تلك المصلحة آلاف الجنيهات في الشهر. والتفاوت الفاحش في الأجور لا يقتصر علي شركات عامة أو خاصة فقط بل امتد ليشمل وزارات عديدة خاصة البترول والداخلية والإعلام -قبل إلغائها- بل الصحف القومية والبنوك. وقد ازدادت المظاهرات الفئوية والاعتصامات في الفترة الأخيرة واستلهم المحتجون الذين يطالبون بمطالب خاصة روح ثورة 25 يناير، ورفعوا سقف مطالبهم، وكأن لسان حال القائمين بتلك المظاهرات الفئوية "الحق خد حقك الآن قبل فوات الأوان"! نعم تلك المظاهرات خفت حدتها في الوقت الحالي بعد تولي حكومة الدكتور شرف الثورية زمام الأمور، وتهديد الجيش باستخدام القوة أحيانا إذا أدت تلك المظاهرات إلي توقف حركة الإنتاج، ولكن يبدو أن هناك احتجاجات رغم قلتها تبشر بأننا فسرنا روح الثورة خطأ، وأصبح الأمر وكأنه بلطجة وظيفية أو عمالية من نوع جديد. فمن صور البلطجة التي تحدث الآن تحت مسمي المطالبة بالحقوق قيام عمال بالاعتصام في مصانعهم وتعطيل عجلة الإنتاج، أو اعتداء عاملين علي رئيسهم في مكتبه بحجة المطالبة بحقوقهم أو تصفية الحسابات معه، وقد توفي أحد رؤساء الشركات بعد اقتحام بعض العاملين مكتبه، بل إن العاملين في إحدي المجلات القومية قاموا بالاعتداء بالضرب علي صحفي مقرب للإدارة وحبسه في الحمام أو قيام موظفين بالتظاهر في الشارع أو أمام مؤسساتهم ووزارتهم لعلاج أوضاعهم الوظيفية مما قد يعطل العمل في المصالح الحكومية الحيوية، بل الموضة الآن قيام بعض الموظفين في البنوك العامة الكبري بالإضراب عن العمل، رغم أن راتب أقل مصرفي يتعدي ال3 آلاف جنيه وتلك التصرفات ليس وقتها الآن؛ لأنها صيد في الماء العكر، وضغط غير مستحب علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي بدأ صبره ينفد، وكذلك علي حكومة شرف الجديدة. وبالتالي لابد أن يحال كل من يتعمد تعطيل العمل في مواقع الإنتاج خاصة المصانع والبنوك إلي المحاكمة العسكرية بتهمة تخريب الاقتصاد، لأن المطالبة بالحقوق لها أوقاتها ولا تعني الفوضي وضرب الاقتصاد في مقتل، في ظل الظروف الحرجة الحالية. حمدي البصير [email protected]