ماذا حدث للمصريين في عقد من الزمان.. كان السؤال الأساسي الذي طرح علي الدكتورة هدي زكريا خبيرة الاجتماع السياسي ورصد العديد من المتغيرات والذي وصفته بأنه الأسرع والأسوأ في المجتمع المصري راصدة تدهور الأحوال الاقتصادية وتأثيرها علي انحسار الطبقة المتوسطة وكذا تدهور مؤشر التنمية البشرية في التعليم ممثلة في تدني مستوي التعليم وهجرة العقول مشيرة إلي أن التدين الشكلي كمبرر للتصرفات الأسوأ بلغ ذروته قبل نهاية العقد ووصفت زكريا تصريحات المسئولين بأنها الأسوأ في تاريخ مصر وأنها تتسم دوما بالمعايرة ورغم روح التشاؤم المسيطرة علي الحوارفإن التفاؤل المدعوم بالتغيير رغم عدم وضوح رؤيته بات الاقرب من وجهة نظر الدكتورة هدي خلال العقد المقبل: * كيف ترصدين التغيرات التي طرأت علي الهيكل الاجتماعي المصري خلال العقد الماضي؟ ** لقد شهد "الضمير الجمعي" بمفهوم الأشمل تغيرات كبيرة من عناصره الكاملة من انتماء ووطنية والتضحية خلال العقد الماضي بصورة مخيفة فهو يعاني تفسخا بدأ طريقه إليه منذ حقبة السبعينيات إلا أن مقدار هذا التفسخ ازداد في تطور كبير خلال عقد الالفية الجديدة وهو ما أفرز هجرة الدولة للمجتمع وبدأت حالة الخصام بينهما حتي تفاقمت ووصلت إلي الطلاق البائن مع نهاية العقد، الخروج المفاجيء للدولة من الشعب قبل نضجه فهي أشبه بأم تخلت عن ولدها ولفظته فجأة وهذا جعل الضمير الجمعي يتفكك بصورة كبيرة وصولا إلي مرحلة الطلاق البائن التي تحدثنا عنها ومع نهاية هذا العقد يمكنك أن تلحظ انكماش الطبقة الوسطي من المجتمع بصورة كبيرة بعد الضربات التي وجهت لها. * لكن إذا كان الإصلاح الاقتصادي هو الحل فكيف كان من المفترض أن يتم تطبيقه حتي لا يحدث هذا الطلاق البائن.؟ ** دعوات نشر فكر اقتصاد السوق اعتمدت في أساسها علي مدلولات خاطئة مفادها أن القطاع العام هو سبب هموم المجتمع وأنه سبب الغرق وكانت مصحوبة بوعود بتحسن الأحوال والمستقبل وانتهي العقد والفقراء ازدادوا فقرا ولم تصدق الوعود فحدث الخصام ثم الطلاق السريع بين الدولة والمجتمع دون أمل في الصلح فالحرية التي منحت للشعب اعتمدت علي سابق وتنافس بين الأرنب والأسد!! * ذكرت تفكك ملامح الضمير الجمعي للمجتمع المصري فما ملامح ذلك في السنوات الأخيرة؟ ** الضمير الجمعي أعيد تشكيله علي أرضيتين الأولي هي قيم السوق البيع والشراء والعرض والطلب، ولهذا أي قضية أو حديث مثار يرتكن إلي الأرقام وهذا يقودنا إلي سيطرة المادة وغياب الانسانية عن هذا الضمير الجمعي مدعومة ومصحوبة بتصاعد قيم التدين الشكلي متداخلين مع بعضهما البعض في صورة ضفيرة وتعطي الأخيرة التبريرات للأولي وهذا يتضح ببساطة في ملامح الخطاب الديني خلال هذا العقد ومدي الاقتران بين قيم السوق وقيم التدين الشكلي وهذا أفرز التناقض في السلوكيات فانتشر "الخمار" ثم الاسدال والنقاب وهي بهذه الصورة تعبر عن قمة التدين الشكلي. * هل شيوع وغلبة هذه الثقافة من التدين الشكلي أعاق خطط تمكين المرأة خلال سنوات العشرية؟ ** قطعا أثر علي ذلك وكلمة تمكين كلمة غربية والمعني الأدق والأكثر شمولا عندما أقول المرأة كانت صاعدة وصارت وتيرة تصاعدها بشدة خلال السنوات المتلاحقة ثم تراجع ذلك حتي وصل إلي صورته الحالية وملامحها وفي السنوات العشر الأخيرة ستجد أجيالا جديدة من الطبيبات والمهندسات والمدرسات لكن في النهاية تبقي روح الجارية مسيطرة علي معظم هذا الجيل وعادت روح شعورهن بالنقيصة وأنهن الأقل وتم وضع قيمة الزواج في مرتبة أعلي القيم لتكون الغاية والأمل للنساء مما أفقدهن احساسهن بالذات. ** الطبقة المتوسطة انكمشت بصورة كبيرة وأدت إلي فقدان دورها لأنها ضربت في كيانها الطبقي وأفرزت الأغنياء الجدد فهم لم يخرجوا من البرجوازية الصغيرة ولا من الكفاح وليس من قيم من جد وجد ومن زرع حصد حيث ظهرت فئة من أصول اجتماعية رثة ومارست أنشطة اقتصادية رثة لم تضف للاقتصاد ولهذا ازداد الاغنياء دون أن يكون لهم قيمة مضافة في الاقتصاد واعتمدوا في البيزنس علي السمسرة وتجارة العملة في بداية العقد والأسوأ في ذلك تجارة المخدرات وهي أنشطة تولد أموالا وأصابت المجتمع في النهاية بالتضخم والتهلهل ولم يقتصر دور هذه الطبقة علي ايجاد المال فقط بل أصابوا المجتمع بثقافتهم الضحلة والمشوهة في ظل غياب المعرفة والعلم والثقافة وهو ما أفرز أزمات أخري ونعرات طائفية بين نسيج الأمة.