صاحب بدء الاستعداد للانتخابات البرلمانية القادمة وترشيح الحزب الوطني الحاكم لعدد ثمانية وزراء حاليين جدلا في الشارع السياسي المصري حول مبررات هذا الترشيح ومدي مناسبته لظروف الواقع أو القبول الجماهيري. وبعيدا عن المعارك الحزبية التي غالبا ما تبدأ بين الأحزاب وتتناولها وسائل الإعلام المقروءة أو المرئية أو المسموعة بالتعليق والتحليل كما يتناولها الشارع السياسي بالهمس أو النميمة السياسية المعروفة.. أقول بعيداً عن ذلك أريد أن أتعرض لهذا الشأن الذي تكرر وأصبح ظاهرة بتحليل موضوعي لآراء المشاركين في العملية الانتخابية والمتابعين لها، يعطي لكل ذي حق حقه حتي لا ينكر حق المرشح الوزير من الحزب الحاكم أو حق الاحزاب المعارضة أو حق الشارع السياسي المتحفظين علي فكرة نزول الوزير إلي المعركة الانتخابية. تتلخص وجهة النظر المؤيدة وأنا هنا أجتهد في عرضها بناء علي متابعاتي الشخصية دون أي إدعاء بمعرفتي ببواطن الأمور أو بما يدور في كواليس ودهاليز وأفكار ومخططي الحملة الانتخابية للحزب الوطني الحاكم أقول إن وجهة النظر تلك يمكن تلخيصها في النقاط التالية: أولا: أن هناك نظما برلمانية في دول ديمقراطية عتيقة في ديمقراطيتها تطبق هذا النظام ولا يوجد ما يمنع ذلك في بلد مثل مصر أخذة في تطوير نظامها الديمقراطي. ثانيا: إن خدمة الجماهير من خلال الدوائر الانتخابية حق أصيل ومكفول لأي شخص يري في نفسه القدرة علي القيام بهذا الدور.. ومن غير المنطقي أن يحرم مواطن من خدمة دائرته بسبب أنه وزير حالي في وزارة الحزب الحاكم. ثالثا: قد يكون الوزير بحكم معايشته لمشكلات الجماهير من خلال عمله بالوزارة أقدر الناس علي تفهم هذه المشكلات والإحساس بها ومن ثم أقدرهم علي خدمة تلك الجماهير. رابعا: في النهاية فإن صناديق الانتخابات هي المعبرة عن إرادة المواطنين في اختيارهم لنوابهم بصرف النظر عن مواقعهم الحالية. أما عن وجهة نظر الأحزاب المعارضة وربما تكون هي أيضا وجهة نظر الشارع السياسي المترقب والمتحفز وهنا أيضا اجتهد فيما أقول دون إدعائي بمعرفتي بما يدور في أذهان المفكرين السياسيين بأحزاب المعارضة وأن كنت لا استطيع أن انفي عن نفسي أنني اتابع ضمن المتابعين بالشارع السياسي لهذا الحدث. أقول إن وجهة النظر هذه يمكن تلخيصها علي النحو التالي: أولا: لو بحثنا في دولة ديمقراطية عتيقة مثل بريطانيا لوجدنا أن الاصل هو أن المرشح البرلماني يتم اختياره بناء علي خدماته في دائرته أو بلده ثم يكون عضوا برلمانيا يمثل حزبة في البرلمان فإذا فاز هذا الحزب بالأغلبية يتم تشكيل الوزارة برئاسة رئيس الحزب وعضوية الوزراء البرلمانيين وبذلك تكون الوزارة هي وزارة الحزب الفائز وأعضاؤها هم من البرلمانين الفائزين قبل أن يدخلوا أو يعتلوا كرسي الوزارة. ثانيا: الحديث يطول والشرح يحتاج إلي صفحات فيما يتعلق بالرد علي فكرة حق الوزير كمواطن في خدمة أبناء دائرته أو علي فكرة الرجوع إلي صناديق الانتخابات أو حتي علي قدرة الوزير الأعلي من غيره علي معايشة مشكلات الجماهير وبالتالي خدمتهم.. ولأن المجال والسطور والوريقات لا تسمح بالرد أو بالتفنيد فسوف اكتفي بالملاحظات التالية: 1 إن الوزير في بلد آخذ في النمو مثل مصر يحمل علي كتفية من مشكلات العمل اليومية ما تنوء بحملة الجبال: ذلك أن الوزير وبكل أسف يمارس أعمالا تنفيذية كل يوم وكل ساعة لا شك بأنها تستنفد كل جهده وأعصابه ووقته مما يؤثر بالقطع علي حياته الاسرية والعائلية فكيف يمكن أن يطلب منه أن ينزل إلي الشارع أو إلي دائرته ويعكف علي أداء مهامه في خدمة جماهير هذا الشارع أو تلك الدائرة! ويرتبط بهذه الملاحظة أن الميراث البيروقراطي في مصر يجعل الوزير في واقع الأمر هو الرئيس والخفير في نفس الوقت داخل وزارته وهو المسيطر علي كل شئونها وهو أيضا المسئول عن كل أخطائها.. وليس بعيدا عنا ما ينسب إلي إهمال الوزير شخصيا عند وقوع حادث قطار أو حريق في مبني أو مظاهرة هنا أو هناك أو انقطاع تيار كهربائي أو عجز في أنابيب الغاز أو غير ذلك من الأحداث التي تتناولها وسائل الإعلام بموضوعية أحيانا قليلة وبشماتة أحيانا كثيرة مما يجعل الوزير صاحب الشأن ممزقا بين التخطيط لوزارته وبين تنفيذ التكليفات الرئاسية أو السيادية أو تكليفات رئيس الوزراء وبين إرضاء الرأي العام والدفاع عن أخطاء وزارته وناهيك عما يكلف به من أداء واجبات ومراسم وبروتوكولات تحسب عليه أو تحسب له حسب المزاج العام! فكيف بعد كل ذلك نطلب من هذا الوزير أن يقوم باعمال إضافية بل قد تكون في حجمها ومسئولياتها أعظم شأنا من أمور وزارته! 2 أما عن الاحتكام إلي صناديق الانتخابات وارجاع الحكم إليها علي أساس أنها الفيصل في اختيار المواطن للمرشح،