الخصخصة والتأميم وجهان لعملة واحدة، يتصورها العالم كله بشكل مفيد ونتصورها في مصر بشكل آخر. فالخصخصة أسلوب يتبع عند الرغبة في زيادة سرعة عجلة النمو، والتأميم يستخدم لمشروعات معينة بلغت من الضخامة قدرا كبيرا وأصبحت لها أهمية قومية حيوية تدعو إلي نقل ملكيتها إلي الدولة. أما عندنا فالخصخصة والتأمين منشار ذو حدين "طالع واكل نازل واكل" ولا هدف وراءهما سوي الخزانة العامة وخزائن أخري. بدأت الخصخصة في أول التسعينيات ومازالت مستمرة. وكان معدا مشروع قانون موحد للشركات، وتأخر نظره حتي تنتهي الخصخصة ولكنها "احلوت" وطابت للمستفيدين منها ومازالت، ولكن ماذا يجب أن تكون عليه الخصخصة؟ الخصخصة عبرت الصحافة عنها في فترة من الفترات بأنها توسيع قاعدة الملكية الخاصة. وهذا التعريف سرعان مازال من الوجود لأنه يتنافي مع الأغراض المرادة منها. فلم يعد المقصود هو إشراك اكبر عدد من الموطنين في المشروعات المخصخصة، وإنما الهدف هو البيع لمستثمر رئيسي يتملك المشروع إلي حين. والحين هو الوقت الذي "تحلو" فيه عملية عكسية هي التأميم فيؤمم اذا لم يكن المخصخص له محميا بظهر. ومشكلة المستثمر الرئيسي اتضح انها لا تعني ضمان مصالح عامة في استقامة المشروع علي الجادة بعد الخصخصة وإنما البيع يشمل كارت بلانش في التصرف في كل شيء حتي عمال المصنع أو المشروع أنفسهم فيستبقيهم أو يستغني عنهم مشتري المشروع أو يشغلهم بدون مرتب أو بدون حقوق إلي آخر ما شدهاناه وحكم بسببه علي مستثمر بالحبس لأكله حقوق عماله. أما النظرة الواجبة إلي الخصخصة فهو أن يكون هناك معيار للخصخصة ثابت يقوم علي أسس ومبررات. ولا تنفرد السلطة التنفيذية بتقدير هذه الأسس وتلك المبررات بل يجب استئذان الجهاز المركزي للمحاسبات في الموافقة عليها إن لم يكن بحكم حمايته للمال العام فعلي الاقل من باب الادب الإداري إن جاز هذا التعبير. هذا من حيث البداية. أما من حيث المال فإن هذا المشروع كان ملكا للدولة من قبل، ويهم الدولة استمراره وليس إغلاقه وتخريبه. لذلك وجب حماية نظرة الدولة إلي هذه المشروعات. ولا يأتي الوزير المختص ويقول أنا الدولة وانا صاحب النظرة الثاقبة وإنما يجب ان يستمر اشراف الجهاز المركزي للمحاسبات وأن تحتفظ الحكومة بالسهم الذهبي في رأس مال المشروع. ويقصد بالسهم الذهبي سهم ليست له قيمة مادية ولكن له قيمة معنوية كبيرة فهو يتيح وجود ممثل للجهاز المركزي للمحاسبات في المشروع بعد الخصخصة وفي مجلس إدارته بحيث يملك بموجبه أن يقول "فيتو" علي أي قرار يضر بالمصالح العامة للدولة. وهناك مشروعات سبق أن أممت، واستفادت الدولة منها كثيرا ثم فكرت في خصخصتها. وفي هذه الحالة يجب التفكير في أصحاب المشروع الاصليين فهم الاولي بشرائه وهم الاولي باسترداده دون مقابل اذا كانوا لم ينالوا أي تعويض عنه عند التأميم. وقد حدث مثل هذا في ألمانيا وغيرها. بقي أن نتحدث عن حصيلة الخصخصة أي أثمان المشروعات التي تخصخصت وأين تذهب. وقد طالب الكثيرون ومنهم رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات بمعلومات عن الحصيلة الحقيقية إلي الآن لم يستطع أن يحصل علي رد شاف ويبدو أنه لن يستطيع. يجب أن يكون هناك صندوق يضم حصيلة الخصخصة وأن يتحدد بقانون أوجه الصرف منه والأغراض التي يتم من أجلها ذلك مثل الأبحاث العلمية والاختراعات، والصناعات الثقيلة، وغير ذلك من الأمور الضرورية لأية دولة حتي تكون دولة محترمة هكذا يجب أن تكون الخصخصة، وهذا ما يجب أن ينص عليه الدستور المقبل حتي يواكب عجلة الزمان وحتي يحمي الوطني من بعض أبناء الوطن.