الأغذية الفاسدة التي يتم ضبطها كل يوم هي تعبير عن الذمم والضمائر التي أصبحت منتشرة في كل مكان في المجتمع بحيث أصبح أصحابها لا يبالون أيضا بالتسبب في إصابة شعب بأكمله بمختلف الأمراض الخطيرة التي لا شفاء منها. ففي الوقت الذي كانت فيه الصحف تتوسع في متابعة أخبار اللحوم التي تم استيرادها والتي ثبت إصابتها بديدان الساركوسيست الضارة بالصحة فإن الادارة العامة لمباحث التموين ومفتشي وزارة الصحة قاموا بضبط ثلاثة أطنان كاملة من لحوم ودواجن وأسماك مجمدة منتهية الصلاحية مع 15طن لحوما أخري مجهولة المصدر في الثلاجات التابعة لمجموعة شركات مطاعم مشهورة أصبحت منتشرة في كل مكان، وتخصصت في تقديم الوجبات السريعة. وقبل ذلك بأسابيع قليلة فإن مفتشي التموين في محافظة الجيزة كشفوا عن قضية أخري متعلقة بالغش وتزوير الاختام والأغذية منتهية الصلاحية . والقضايا في هذا النوع من الجرائم عديدة ومستمرة، والغش في المواد الغذائية أصبحت سمة سائدة إلي الدرجة التي وصل فيها الغش إلي الألبان ومنتجاته بشكل أصبح معه العثور علي كوب لبن سليم ومضمون أمرا بالغ الصعوبة. ولا يقف الأمر عند الغش المتعمد في المواد الغذائية وإنما يمتد إلي التخزين السيئ لها في محال البقالة والسوبر ماركت، بحيث توضع في ثلاجات قديمة ذات درجة تبريد ضعيفة مما يؤدي إلي فساد الاغذية بسرعة إلي جانب ان بعض أصحاب هذه المحال يقومون بقطع التيار الكهربائي عن الثلاجات ليلا وإعادة تشغيله نهارا توفيرا للنفقات وليس مهما ما قد يحدثه ذلك من تأثير علي صحة الانسان بسبب ذوبان الاغذية المجمدة ثم إعادة تجميدها مرة أخري. والأمر لا يتوقف عند الغش فقط، وإنما يبدأ منذ انتاج المواد الغذائية حيث تعلم الفلاح المصري هو ايضا كيف ينضم إلي طابور الجشع ويقوم باستخدام المبيدات والهرمونات المحظورة التي تسبب مختلف أنواع السرطانات. والنتيجة أننا أصبحنا نأكل أغذية فاسدة في كل مكان، يستوي في هذا المطاعم الشعبية، والمطاعم الراقية، ولا نستطيع كما انه ليس في مقدور أحد ان يستطيع التفرقة بين الطعام السيئ والطعام الجيد، فالوجبات السريعة بكل ما يضاف إليها من توابل ومن مشهيات لا تمكن أحدا من ان يعرف إذا كانت لحومها جيدة أو فاسدة أو منتهية الصلاحية. ولكن العواقب تأتي بعد ذلك وخيمة فنحن نعاني أمراضا خطيرة تنتشر بمعدلات عالية مقلقة وتشكل خطرا علي أمن مصر وعلي صحة المصريين، فمعدلات الفشل الكلوي وأمراض المعدة والكبد أصبحت مرتفعة للغاية، والأمراض السرطانية أصبحت أيضا شائعة ومنتشرة ومن الامراض العادية، والناس الآن تسمع قصصا غريبة عن أمراض تأتي بلا مقدمات، وشباب صغير السن يرحل بأمراض خبيثة وأمراض في الدم ليست بالوراقية ولا بالمعتادة. ويحدث هذا لأن الضمير غائب، لأن المجتمع كله أصبح في حالة من السعار من أجل الحصول علي المال بأي وسيلة ولأن الفساد أصبح مستشريا في كل المجالات بلا استثناء، ولأن المفسدين في الارض أصبحوا يشكلون جماعات ضغط قوية تتشابك مصالحها ويعمي كل منها الآخر، ولا يسقط في الطريق إلا من خرج عن الاجماع أو حاول ان يستأثر بالغنيمة وحده دون اشراك الآخرين معه. وهي منظومة فساد جماعية لم تكن موجودة بهذه القوة والترابط في أي وقت من الاوقات من قبل، ويساندها في ذلك حالة ترهل وضعف في المتابعة والرقابة والتوجيه، ويدعمها نظام عدالة مليء بالثغرات يتيح ويمكن لأصحاب المال والنفوذ الهروب بجرائهم وبراءة الاطفال في أعينهم، ورائدهم في ذلك ومعلمهم الأول توفيق عبدالحي الذي كان أول من بدأ الاستيراد الجماعي للدواجن الفاسدة وعندما سألوه في ذلك.. قال إن الناس تأكلها ولم يمت أحد..! وكأن ذلك ببساطة سبب كاف للهروب من العقاب وكأنه يعتقد أو يبرر لنفسه انه لم يرتكب جريمة في حق الناس. ان منطق توفيق عبدالحي.. مازال سائدا ولكن تلاميذه تفوقوا عليه.. فهو قد هرب من مصر بعد اكتشاف أمره، أما هم فلن يتركوا مغارة علي بابا إلا بعد الاستيلاء علي كل ما فيها أولا..!