لا أمل في انجاز أي اختراق في المفاوضات غير المباشرة حتي الآن، كما لا يوجد أمل في مصالحة فلسطينية فلسطينية في المدي المنظور، وكل حديث يدور حول امكانية تحقيق أي انجاز يتعلق بالوضع الفلسطيني في المرحلة المقبلة، لا يعدو كونه أملا في النفوس وأمنيات تكاد تكون مستحيلة. فمنذ الإعلان عن انطلاق المفاوضات غير المباشرة بين الفلسطينيين واسرائيل والأمو ر علي حالها، والمبعوث الأمريكي لعملية السلام السناتور جورج ميتشل في حالة حراك متواصل من خلال جولاته المكوكية بين الفلسطينيين والاسرائيليين مصرا علي استمرار محادثات التقارب بين الطرفين، رغم ما أبدته قيادة السلطة الفلسطينية من غضب وانزعاج بشأن إعلان اسرائيل استمرار البناء الاستيطاني في القدس. وفي المقابل شكلت مسئولون اسرائيليون في نجاح المفاوضات غير المباشرة والتي تنصب في المرحلة الحالية علي الحدود والأمن، في وقت رجح مسئولون فلسطينيون ألا تسفر المحادثات التقريبية عن تقدم ملموس، في ضوء تعنت الحكومة الاسرائيلية وهناك قناعة لدي الفلسطينيين، بأن الجانب الاسرائيلي لن يقدم أو يتقبل أيه اقتراحات عملية للحل السياسي، والامل معقود في هذه الحالة علي قيام الإدارة الأمريكية بلعب دور أكثر تأثيرا عبر تقديم اقتراحات للحل، وفي حال رفض اسرائيل التجاوب معها، التقدم وفرض حل علي الجانبين وفق الشرعية الدولية، ويبدو أن هذا هو المخرج الوحيد من المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية التي انطلقت قبل نحو عقدين من الزمن، من دون أن تحقق الهدف الذي أرادها العالم أن تحققه، وهو اقامة دولة فلسطينية علي حدود الرابع من يونية 1967 وعاصمتها القدس إلي جانب اسرائيل. ورغم كل مؤشرات الفشل فإن الجانب الفلسطيني يأمل من واشنطن أن تلزم اسرائيل بالكف عن الممارسات الاستفزازية من اقتحامات واعتقالات واستيطان، وفرض حقائق علي الارض، أو التصريحات الاخيرة بالغة الخطورة التي أدلي بها اكثر من مسئول اسرائيلي في الآونة الاخيرة في اشارة إلي تصريحات رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وأقطاب حكومته عن استمرار البناء الاستيطاني في القدسالشرقية، ونية الدولة العبرية للاحتفاظ بالمدينة كاملة في إطار أي اتفاق، اذ يريد الفلسطينيون من واشنطن حمل اسرائيل علي تجميد أي نشاطات استيطانية في القدس والضفة خلال فترة التفاوض التي تمتد شهورا، وهذا مالن تقبله اسرائيل، وعبرت عن رفضها له في أكثر من مناسبة واكثر من تصريح لمسئولين مختلفين في الحكومة وخارجها. وهناك العديد من المؤشرات التي تضحد ادعاء جدية اسرائيل في المفاوضات يأتي علي رأسها استمرار الاستيطان بلا هوادة، ومؤخرا رفضت إسرائيل تقرير جيم جونز حول شروط الأمن للدولة الفلسطينية، وتطالب بإعادة فتح هذا الملف من جديد خلال المفاوضات الحالية. والمعروف أن جونز كان قد عين في نوفمبر 2007 منسقا للأمن في الشرق الأوسط، ووضع الأسس التي قامت عليها الترتيبات الأمنية الجديدة في الضفة الغربية، وتم بموجبها تدريب الشرطة الفلسطينية، وأفراد أجهزة الأمن علي تطبيق سلطة القانون، وفي ختام مهمته وضع تقريرا مشهورا يضع فيه تصوراته الأمنية لدي انهاء الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني والتوصل إلي سلام دائم، وبموجب هذه الوثيقة تكون دولة فلسطين منزوعة السلاح، وخالية من أي وجود إسرائيلي عسكري، ويتم وضع قوات عسكرية من حلف شمال الأطلسي للفصل بين إسرائيل وفلسطين، ومحطات إنذار فوق بعض رؤوس الجبال يتولي تشغيلها الأمريكيون بمشاركة فلسطينية فعالة وإسرائيلية رمزية. لكن وعشية المفاوضات غير المباشرة طلبت إسرائيل وضع قضية الأمن كموضوع بحث أول علي جدول الأبحاث، أما الفلسطينيون فقرروا أن يطرحوا وثيقة جونز علي الطاولة لسماع الرد الإسرائيلي عليها، مؤكدين أن هذه الوثيقة هي الاتفاق الأمني الذي تعتمده، رغم أن الفلسطينيين قد أكدوا في وقت سابق أن البحث في الامن يحتاج أولا إلي اتفاق حول الحدود التي يطلب الطرفان حمايتها لذا لابد من البدء في المفاوضات من نقطة الحدود. ومع تصاعد وتيرة الخلافات مع بداية انطلاق المفاوضات غير المباشرة كشفت صحيفة يديعوت احرنوت الاسرائيلية ان اللجنة اللوائية للتنظيم والبناء في القدس ستستأنف بناء مشروعات مكثفة وضخمة في محيط المسجد الاقصي وفي عدة مواقع أخري في البلدة القديمة في القدس، ضاربة عرض الحائط أي تحذيرات أمريكية أو وساطة مباشرة تقوم بها. واذا كان هذا هو حال الاسرائيليين، فإن علي الجانب الآخر من الصورة تظهر حماس لتتصدر المشهد بقوة في وقت قامت بارسال رسالتين إلي الرئيس الأمريكي باراك أوباما تحذر فيهما من أن أي تسوية حقيقية تستثني حركة حماس سيكتب لها الفشل، لأن الحركة تمثل غالبية الشعب الفلسطيني ومن هذا المنطلق فإن أي مشروع تسوية لن يكتب له النجاح اذا ما تجاوز حماس. ووسط هذه الاجواء الشاجة تلح المقولة الشعبية بقوة: "كل يغني علي ليلاده" فأي مفاوضات وأي حدود وأي أمن وأي مصالحة وأي غالبية شعبية تدعيها حماس بقوة الترهيب وأي دولة تريدها اسرائيل للفلسطينيين في ظل حصار استيطاني مسعور، وأي ضغوطات أمريكية مرتجاة ضد اسرائيل وهي لاتبالي بأبسط المطالب التي توجهها الإدارة الأمريكية للقادة في اسرائيل دون أن تلقي آذانا صاغية؟