مرة أخري يضعنا الرئيس الأمريكي باراك أوباما أمام أمل جديد بشأن عملية التسوية السلمية للصراع العربي الإسرائيلي. أمل هذا العام أو أمل سبتمبر الامريكي هو إعادة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لطاولة المفاوضات المباشرة, بعد أن ذهب أمل سبتمبر2009 دون تحقيق ماكان ينشده الجميع. ففي سبتمبر من العام الماضي, ورغم تراجع الرئيس الامريكي أمام التصلب الاسرائيلي في قضية تجميد المستوطنات والذي انعكس في إحجام الرئيس الأمريكي عن طرح مابشر به من مبادرة أمريكية للتعامل مع عملية السلام, تمكن أوباما من عقد لقاء ثلاثي بينه وبين كل من الرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء الاسرائيلي, وهو ما اعتبر آنذاك نافذة قد ينجح أوباما في توسيعها لاتاحة الفرصة للعودة الي المفاوضات. إلا أنه وعبر عام كامل فشل الرئيس أوباما في إطلاق المفاوضات وابتكر فكرة مفاوضات تقريبية أو غير مباشرة بين الطرفين يتولي الإشراف عليها مبعوثه لعملية السلام السيناتور جورج ميتشيل, وهي الفكرة التي مرت كسحابة صيف دون أن تنجز أي شيء أو تحقق أي تقدم في مواقف الطرفين. ومع اقتراب شهر سبتمبر من عام2010 دفعت الولاياتالمتحدة مرة أخري باتجاه المفاوضات المباشرة معتبرة أن الطرفين قد أصبحا جاهزين لها, وأنهما هما من حدد توقيت الانتقال الي المفاوضات المباشرة, وخرجت وزيرة الخارجية لتعلن عن انطلاق المفاوضات المباشرة في سبتمبر2010, طارحة بذلك أملا جديدا وبصرف النظر عن الأسباب التي دفعت الولاياتالمتحدة إلي الاعلان عن ذلك, فإن الأهم هو كيف يمكن للولايات المتحدة ومعها الفلسطينيون الحفاظ علي قوة الدفع التي ستتولد عن انطلاق تلك المفاوضات حتي لايحل سبتمبر المقبل دون جديد. ومما لاشك فيه فإن قرار العودة الي المفاوضات المباشرة والقفز علي مرحلة المفاوضات غير المباشرة هو عودة الي الطريق الصحيح واعتراف أمريكي بشكل ما بأن فكرة المفاوضات غير المباشرة لم تكن موفقة ولم يكن من الممكن أن تنجح بين طرفين خاضا سنوات من المفاوضات المباشرة وأصبحت معظم نقاط الاختلاف والاتفاق بينهما واضحة تماما. ومع ذلك فإن التخوف الحقيقي بشأن العودة الي خيار المفاوضات المباشرة هو مجرد تنويع الخيارات أو اللعب بها كسياسة اللعب بالمسارات التي كثيرا ما اتبعتها الحكومات الاسرائيلية, أو ممارسة لتجريب كل الخيارات المتاحة لإثبات الوجود وإقناع الجميع أن ثمة تحركا ما, أو علي حد تعبير الكاتب الإسرائيلي شموئيل روزنر في صحيفة معاريف قبل أيام أن يكون مايحدث مجرد محاولة لتسلق شجرة أخري من الأشجار الموجودة في غابة العملية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين, بعد فشل تسلق شجرة المبادرة الشاملة وشجرة المفاوضات غير المباشرة. ويظل السؤال الأهم المطروح أمام أوباما هو كيف سيتمكن من التعامل مع الموقف الإسرائيلي الذي رفض الشروط المسبقة للفلسطينيين ولكنه وضع شروطا مسبقة تمثل ألغاما يكفي كل منها لتفجير طريق المفاوضات المباشرة, إذ اشترط أن يقوم أي اتفاق سلام محتمل علي ترتيبات أمنية واضحة ميدانيا ومرضية لإسرائيل, وأن يعترف الفلسطينيون بإسرائيل دولة للشعب اليهودي وعلي وضع حد نهائي للنزاع بدولة فلسطينية منزوعة السلاح. وبالقطع فإن اللغم الأهم والحال هو لغم المستوطنات الاسرائيلية. فكل ما استطاع الرئيس أوباما الحصول عليه من نيتنياهو قبل تسعة أشهر هو تجميد البناء في المستوطنات لمدة عشرة أشهر, ولم يتبق علي انتهاء صلاحية هذا القرار سوي شهر واحد سيكون بعده نيتنياهو وأوباما في موقف ربما يكون أصعب من موقفيهما قبل تسعة أشهر. فالرئيس الفلسطيني لن يستطيع بسهولة مواصلة المفاوضات في ظل التراجع عن قرار تجميد الاستيطان ونيتنياهو لن يستطيع بسهولة أيضا وقف الاستيطان أو علي الأقل تجديد قرار تجميد البناء في المستوطنات حفاظا علي ائتلافه الحكومي, فحزب إسرائيل بيتنا الذي يمتلك15 مقعدا في الكينست يهدد بالانسحاب من الحكومة في حال تم تمديد القرار دقيقة واحدة بعد انتهائه. أي أن المفاوضات المباشرة ستبدأ دون أن يتم التعامل مع أهم عقباتها أو علي الأقل دون أن تتضح أي مؤشرات حقيقية لإمكانية النجاح في التعامل مع تلك العقبة التي ستحل بعد شهر من انطلاق المفاوضات, فالمفاوضات التي تجري بشكل سري بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل للتوصل لكيفية الخروج بصيغة توفيقية للتعامل مع عقبة الاستيطان مازالت لم تحدث تقدما, بينما ما سبق من تراجعات أمريكية في هذا الملف يوحي بأن الولاياتالمتحدة لن تستطيع بلورة تلك الصيغة. وهو الأمر الذي يشير بشكل أو بآخر الي دعم وجهة نظر معارض انطلاق المفاوضات وهو أن تلك المفاوضات تبدأ فقط ليقال إنها بدأت ثم تستهلك عملية التعامل مع العقبات الوقت فيما بعد, وليكن مايكون, فالمهم الآن أن تبدأ المفاوضات ويستمر الحديث عنها والتعامل معها علي الأقل لما بعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي في نوفمبر المقبل. وترتيبا علي ما سبق, يصبح من المنطقي الافتراضي أن الولاياتالمتحدة ستسعي لتغيير صورتها كدولة فاشلة في قضايا المنطقة وخاصة في عملية السلام, وبث قدر يعتد به من الثقة فيما تحاول القيام به, إذ إنه من المؤكد أن مرور عامين من ولاية الرئيس أوباما دون إنجاز يذكر في ملف التسوية قد ذهب بالكثير من مساحة التفاؤل والثقة في قدرة الرئيس أوباما علي تحريك الأمور في هذا الملف. ومن ثم فلايمكن أن يكون تعامل الولاياتالمتحدة مع المفاوضات المباشرة بأقل من مستوي إصرارها وجديتها في التعامل مع المفاوضات غير المباشرة عبر التواجد الكثيف من جانب ميتشيل في تفاصيل تلك المفاوضات. ويعتبر آخر. فإن مفاوضات مباشرة ثنائية بين الفلسطينيين والاسرائيليين علي غرار ما كان من مفاوضات سيكون مصيرها الفشل, وسيكون قرار أوباما بإطلاق مفاوضات ليس طرفا فاعلا فيها هو من قبيل اللعب بالنار والمقامرة بالدور الذي يرغب أن يلعبه في تسوية هذا الصراع. وهكذا فإنه يصبح من الضروري أن تكون المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية مفاوضات ثلاثية أو علي الأقل بمشاركة جدية من الولاياتالمتحدة, حتي لاتبدأ أي مفاوضات مقبلة من نفس النقطة التي بدأت منها مفاوضات سبتمبر2010.