لعل عبدالرحمن الأبنودي هو السبب في هجرتي من القاهرة الي الساحل الشمالي، فهو قد امتلك شجاعة ترك القاهرة من وراء ظهره كي يعيش علي كام قراط ارض بريف الاسماعيلية، ولان كلا منا يعاني ضيقا شديدا بالشعب الهوائية، ونشترك معا في دعامات القلب، لذلك صار الهواء النقي هو الباقي لصدر اي منا، لان القاهرة والجيزة بما اهداهما د. عاطف عبيد من عقود إذعان لشركات جمع القمامة، صار الهواء فيهما ملوثا بشكل رهيب، وصارت الحياة فيها علي المرضي المزمنين مسألة صعبة، ولان هذا هو زمن الحلول الفردية لا الحلول الجماعية، لذلك اصبح علي كل من يملك فرصة للهرب من القاهرة ان ينتهزها ، مثلما فعل الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي. ومنذ سنين وانا افكر في الاقامة ليل نهار في الشقة ذات الحجرتين والصالة التي دفعت فيها اكثر مما اخذت من مكافأة نهاية الخدمة بعد احالتي للتقاعد، ولانها في مارينا فقد صار علي شخصي الضعيف ان يستوعب حقائق الحياة، حيث ان نفس الهواء في مارينا عليه ضرائب توجزها جملة "كل سنة وانت طيب ياباشا" ، تسمعها من الجميع، وهي تعني في بعض الاحيان انك لن تجد من يفتح لك حنفية المياه إلا بعد كل سنة وانت طيب، ولكن تجد من يقوم بأدني عمل الا بعد ان يقول لك كل سنة وانت طيب، وهي العبارة التي رأي فيها الراحل الجميل فيليب جلاب اسلوبا مصريا لاعادة توزيع الدخل! واعترف ان وصول الجرائد ومعها المجلات هو امر مستحيل، ولكن من السهل علي الكومبيوتر ان يجمع خلاصة الكون امام عينيك لتقرأ وتعلم احوال الدنيا. ولولا الكومبيوتر لكان لابد لي من تعلم هواية صيد الاسماك، وقد اخترتها دونا عن كل الهوايات لاني قليل الصبر، ويقال انها تعلم الصبر. وفي اول محاولة لي للصيد، اكتشفت ان ضغط دمي يرتفع وانا ارقب عبث الاسماك بما القيه لها من طعم، واكتشفت اني لا اصلح لتلك الهواية، ولم يعد امامي سوي التواصل مع الكون عبر الكومبيوتر. ولابد لي من اشكر الراقية دائما المهندسة عزة ترك رئيسة مجلس ادارة ايه تي داتا، لانها اعلنت لي قرب ادخال اشتراك صيفي لشبكة الانترنت بالساحل الشمالي. وهذا يمكن ان اهرب من استخدام تلك الوصلات الصغيرة التي تقدمها شركات المحمول والتي تفسد بمنتهي السرعة بعضا من مداخل الكومبيوتر. وانا ادعو الله ان يديم علي صداقة اهل الصيانة بشركة توشيبا، لانهم لايتأخرون عن تقديم العون رغم ان ما يفصلني عنهم حاليا قرابة المائتين وخمسة وسبعين كيلومترا، ولكن الوصول اليهم تليفونيا اسهل بكثير من زيارتهم بالقاهرة، لان المسافة بين المهندسين ومصر الجديدة تستغرق ساعتين ونصف ساعة علي الاقل. اري الدنيا من خلال الكومبيوتر، وادعو لنفسي بجودة التنفس للهواء، والا يرتفع ضغط دمي عندما اسمع جملة "كل سنة وانت طيب" فهي عبارة مقصود منها اعادة توزيع الدخل، وقد قررت ان اخرج جيوب البنطلون دليل الافلاس، لأرد علي كل من يقول لي "كل سنة وانت طيب" فاقول له "وانت واللي خلفوك واللي جابوك طيبيين.. بس ابعد عني دلوقت". منير عامر