غدا "الجمعة" يصل الدكتور محمد البرادعي المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية إلي مصر. والبرادعي يعود محاطا بالتقدير والاحترام بعد أن كان واجهة مصرية مشرفة علي رأس وكالة دولية مهمة وبعد أن أدي دوره المهني والسياسي بكفاءة عالية تضاف إلي رصيد الانجازات المصرية الدولية. لذلك كنا دائما ضد أي محاولة للنيل من الرجل وتشويه تاريخه أو سمعته بسبب آراء سياسية أدلي بها تتعلق بتصوراته لبعض القضايا السياسية، فالاختلاف في الرأي لا يعني أبدا النبش في القضايا والامور الشخصية وتحطيم كيان ووجود من نختلف معه. وكان واضحا أن اصحاب الاتجاه العقلاني في مصر قد تنبهوا بسرعة إلي خطورة تجريح البرادعي والاثار العكسية للهجوم الشرس الموجه ضده حيث تغيرت واختفت لهجة العداء الصارخة، وبدأت مناقشات بشكل اخر حول جدوي وامكانية أن يكون له دور سياسي في مصر مستقبلا. والواقع ان البرادعي يمثل اضافة جديدة إلي الحراك السياسي في مصر الذي نشارك فيه جميعا في محاولة تحقيق مستقبل افضل لبلادنا نحو الديمقراطية وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية بافساح المجال أمام معارضة قوية تكون شريكا في المسئولية واتخاذ القرار. وكنا نأمل في هذا لو أن البرادعي كان قد تمهل في اطلاق تصريحاته السياسية المثيرة للجدل حول واقع مصر ونظام وضمانات الانتخابات إلي ما بعد وصوله إلي مصر، لأن الحساسية ت تنتابنا من أية تصريحات تتناول واقع بلادنا وتنطلق من الخارج، فهي دائما ما تحمل شبهة الاستقواء بالخارج وتضع صاحبها في موضع الشك والتأويلات. والبرادعي الذي سيقابل بنوع من الاحتفاء السياسي من قبل بعض الجماعات السياسية المعارضة في مصر عليه أن يكون حذرا في فهم ابعاد ومغزي هذه الحفاوة، فهم لا يريدون دعمه سياسيا بقدر ما يحتمون ويتخفون وراءه باعتباره شخصية ذات سمعة دولية مرموقة، بعد أن عجزوا عن فرض وجودهم وتأثيرهم في الشارع المصري. فليس خافيا علي البرادعي أن الحراك السياسي الدائر حاليا حول الانتخابات البرلمانية والرئاسية هو حوار النخبة المثقفة التي لا يتجاوز عددها بضعة آلاف، أما الاغلبية الساحقة من المواطنين فهي منشغلة بالهموم الحياتية وبالقضايا اليومية لتدبير نفقات لقمة العيش أو العثور علي اسطوانة غاز أو بمتابعة تطورات قضية "جدو" وهل سيلعب للاتحاد أم للزمالك. وهذا يعني أن البرادعي أو غيره من الذين تتردد أسماؤهم في البحث عن امكانية الدخول إلي السباق الرئاسي هم من غير المؤثرين شعبيا ولا يمتلكون من التواجد والتأثير ما يمكنهم من احداث أي نوع من التغيير سواء كان للافضل أو للاسوأ. ولكن البرادعي يتميز علي هؤلاء جميعا بأنه شخصية ذات ثقل دولي وعلاقات متنوعة، وله من القدرة والشجاعة ما يمكنه أن يكون عنصرا فعالا في طرح الافكار الجديدة التي لا ينبغي تجاهلها أو التقليل من شأنها لانها في النهاية نوع من الاجتهاد الذي يحسب لصاحبه حتي وإن اختلفنا معه. ان البرادعي لا يملك أي فرصة حقيقية في لعبة الترشيحات الرئاسية التي تقودها وتروج لها بعض الصحف الحزبية والمستقلة لوجود الكثير من العوائق الدستورية والقانونية، ولكن هذا لا يعني انه لن يكون له دور سياسي مؤثرا، وهو أمر يجب الاحتفاء به والتعامل معه باحترام، فهذا الوطن ملك لنا جميعا، ومن حقنا أن نعبر عن قناعاتنا وعن افكارنا بكل حرية وبدون وصاية أو تسلط أو رفض مسبق من البعض الذين يعتقدون انهم وحدهم الاوصياء علي هذا الوطن.