الأحداث المؤسفة التي وقعت في مجري العلاقات بين مصر وبين الجزائر بسبب مباراة لكرة القدم تنبه الي خطورة الانسياق وراء عمليات الشحن الجماهيري غير المبرر فضلا عن أنه غير مدروس ، الأكثر خطورة في رأيي هو التمادي في الخطأ واستمرار الحث علي تصعيد الجفوة الناتجة عن ادارة سيئة لأزمة قد تقع في أي وقت في مجري العلاقات المتعددة الأوجه بين الدول أوالشعوب أو حتي بين مكونات الشعب الواحد . اذا التمس بعضنا العذر للمندفعين بدافع التعصب الكروي وقت المباراة أو خلال الظروف التي أحاطت بها ، فما هو القول في استمرار الدعوة لوقف التعاون مع الجزائر أو مقاطعة الجزائر اقتصاديا أوثقافيا أو أشياء من هذا القبيل ؟ مثل هذه الدعوات تعطي انطباعا غير صحيح عن سياسة مصر تجاه الدول العربية الشقيقة وتضر ضررا بالغا بالمفهوم المستقر للبعد العربي لمصر وأهميته لديها وهو بالقطع أكبر وأهم من نتيجة مباراة في كرة القدم مازلت أصر علي أنه لم يجر التخطيط لها بعناية كما تم التعامل مع الجمهور خلالها باستخفاف وسمحت السلطات المختصة لبعض وسائل الاعلام ببث رسالة اعلامية خاطئة تتجاوز الحدود بكل المقاييس . لتدارك الموقف أعتقد أن القيادة السياسية في مصر استطاعت تدارك الموقف بالتهدئة لكافة الخواطر واللجوء الي القنوات الدبلوماسية وشبه الرسمية لتجاوز الآثار السلبية للأزمة ، وكم كان جميلا أن يعلن قطاع عريض من نخبة العلماء والمثقفين مبادرات لاحتواء الموقف بأسرع وقت ممكن والعودة الي خطوط ما قبل المباراة التعسة التي ركبها البعض لاجراء تجارب علي الرأي العام ومدي قدرة الرسالة الاعلامية علي التأثير فيه . لهذه الأسباب ولأسباب أخري تتعلق بقيمة العلاقات الودية بين الشعوب وبين شعبي مصر والجزائر خاصة ، فاننا ندعم قرار وزير الثقافة فاروق حسني بدعوة الجزائر للمشاركة في معرض القاهرة الدولي للكتاب متجاوزا الأصوات التي ارتفعت لبعض الناشرين تطالب بمنع الجزائر من المشاركة في المعرض . يري المثقفون ان ما حدث في مباراة السودان لايمكن ان يؤثر في العلاقة الوطيدة النضالية التاريخية بين البلدين، مشددين علي أن إسرائيل هي المستفيد الوحيد من الخلافات العربية وزيادة حدتها. من الغريب حقا أن يفكر البعض في قطع العلاقات الثقافية والمطالبة بتغيير أسماء شوارع أو منشئات تحمل اسم الجزائرفي مصر فالجزائر بلد عربي مهم، وثقافته جزء اساسي من الثقافة العربية، ولا يمكن تجاهل التاريخ الذي جمع البلدين في لحظات تغييب العقل الواعي للشعب . علي أن الأمر عندي يتعدي موضوع الجزائر ومباراة كرة قدم ربما تكون السبب في تنبيهنا الي خطورة الوسائل المتاحة لتوجيه الجماهير بين أيدي من لا يدرك حجم المسئولية.