قال "أنطوان فان أجتميل" رئيس إدارة الأسواق الناشئة في مؤسسة التمويل الدولية وأول من أطلق مصطلح "الأسواق الناشئة" عام 1981 في مقال له علي صفحات جريدة "فاينانشيال تايمز" البريطانية إن الأزمة المالية العالمية الأخيرة لم تؤثر علي صعود وتطور الاقتصادات الناشئة وأن فرص الاستثمار زادت فيها خلال الفترة الماضية واتضح ذلك من خلال المرونة التي شهدتها أسواق المال والنظم المصرفية فيها وسياسات الاقتصاد الكلي، وباتت أكثر استقراراً من أسواق الدول المتقدمة وبداية الأزمة في 2008 خير برهان علي ذلك. وأشار "اجتميل" إلي أن الأسواق الناشئة والمتقدمة أصبحت متشابهة جداً من حيث والسيولة والتقلب، والآن أصبحت الناشئة علي قدم المساواة مع الأسواق المتقدمة، ولا ينبغي أن يكون هناك تمييز يرتكز علي مفاهيم غير صحيحة ومعايير تقليدية خاطئة، ومن ثم يقول إن أي انتقادات للناشئة لم تعد صحيحة فضلاً عن عدم وجود أي مبررات لذلك. وكشف في الصحيفة البريطانية عن أنه في الوقت الذي تحبو فيه الدول والبورصات المتقدمة نحو التعافي واستعادة حيويتها من جديد فإن الأسواق الناشئة خرجت من الركود العالمي الحالي بعد 6 أشهر فقط من بداية الأزمة العالمية في ،2008 كما أن أسواق الأسهم فيها قفزت أكثر من 100% بعد أدني مستوي حققته في أكتوبر الماضي 2008 عندما أصاب البورصات العالمية آنذاك زلزالاً شديد التدمير عصف بقيم أسهمها وأدي إلي انتحار بعض المستثمرين من جراء خسائرهم الفادحة. وأوضح رئيس إدارة الأسواق الناشئة في مؤسسة التمويل الدولية أن تلك الأزمة لم تكن مثل الأزمة الآسيوية أو المكسيكية في التسعينيات سواء من حيث المصدر أو السبب كما أن حجم تأثيرها لا يمكن مقارنته مع سابقتها لأن الأمر يختلف، فمركز هذه الأزمة هو اقتصاد متقدم فضلا عن أنه الاقتصاد الأول علي المستوي العالمي، وبمعني أدق واحد من أقوي وأكثر البلدن تأثيرا في العالم لذلك خرجت الأسواق الناشئة منها بسرعة ولم يمتد أثرها السلبي علي اقتصادها كما فعل بالأسواق المتقدمة. وقال إنه لا عجب من تدفق المستثمرين ورؤوس الأموال نحو الأسواق الناشئة موضحا أن زيادة نشاط المستثمرين الأفراد أو المؤسسات سيعمل بالتأكيد علي زيادة قيمة أسواق الأسهم في الاقتصادات الناشئة مبينا كذلك أن تدفق رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية المباشرة وشراء الأسهم وصل إلي مستويات غير مسبوقة لم تشهدها منذ فترة كبيرة جداً من الزمان كما أن تقارير الأرباح في الفترة الأخيرة من المحتمل أن يفاجئنا بالارتفاع الكبير في أعداد المستثمرين تجاه تلك الاقتصادات. ويري خبير مؤسسة التمويل الدولية كما أشرنا من قبل أن الاقتصادات الناشئة بالكلية أثبتت أنها علي قدر كبير من إمكانية تحقيق نمو اقتصادي مرتفع بالإضافة إلي النجاح في استقطاب رؤوس الأموال الخارجية إلا أن الخوف يكمن في النمو فهل يظل غير متوازن أم أن هناك جديدا ستظهره تلك الأسواق في القريب العاجل، ولذلك يشدد الخبير العالمي علي ضرورة الحاجة إلي توسيع وتعميق النمو الاقتصادي من أجل الوصول إلي الفقراء خصوصا في الدول التي لا تزال تواجه العديد من العقبات في طريقها نحو تحسن مناخ الاستثمار بشكل يمنع مشاركة أكبر للأعمال الصغيرة والنساء لأن دور مؤسسة التمويل الدولية هو تشجيع استثمارات القطاع الخاص المستدامة في البلدان النامية، الأمر الذي يساعد علي تخفيض أعداد الفقراء وتحسين أحوال الأفراد المعيشية، مضيفاً أننا نحتاج إلي دعم استقرار أسواق المال الحالية في الدول النامية من خلال تقوية وتدعيم المؤسسات المالية المحلية وتعميق أسواق الصرف المحلية أيضا، وكذلك تحسين إدارة المؤسسات. ولفت إلي انه من الممكن أن تقل أعداد المستثمرين في الاتجاه نحو الأسواق الناشئة في حال عودة التعافي بدرجة كبيرة للأسواق المتقدمة الأمر الذي يجعل من درجة عودة التباطؤ للنمو عالية خاصة في الأجل الطويل والخوف من حدوث هبوط كبير في الصادرات القضية التي تدعو المنظمين في الأسواق الناشئة ومسئولي البنوك المركزية إلي تشديد السياسة النقدية التي تعد من أهم أسباب الخروج من أي أزمة. وما يوضح ذلك أن أمريكا لاتزال تمثل أكبر اقتصاد عالمي وانما دخلت في ركود آخر فإن هذا الوضع سيتغير بالضرورة وهناك حقيقة أيضا أنه من المتوقع أن تحقق الأسواق الناشئة متوسط نمو يقدر بنحو 5،4% هذا العام وفقا للبنك الدولي مقارنة بانكماش متوقع نسبته 1% بين الدول الصناعية، وهذه الحقيقة تشير إلي أن العلاقة بين الدول المتقدمة والناشئة بدأت تسير في اتجاهات مضادة فقد أصبح أمرا واقعا حيث تضاءل الاقبال علي الديون السيادية الأمريكية، وارتفع بشكل ملحوظ عائد سندات الخزانة الأمريكية التي كانت تعتبر بمثابة الاستثمار الآمن الوحيد في العالم منذ شهور قلائل لأن المتعاملين كانوا علي استعداد لقبول قدر كبير من المخاطرة في سبيل الحصول علي عوائد أكبر يتم تقديمها في أماكن أخري يقع أغلبها في أسواق ناشئة. وفي تقرير بنك "اتش. اس. بي. سي" توقع حدوث حالة من الاختلاف بين الاقتصادات العالمية ولكنه توقع أداء قويا لأسهم الأسواق الناشئة علي نحو خاص، حتي ان بنك مورجان ستانلي ذهب إلي ما هو أكبر من ذلك حين ردد مقولة: "ميلاد مؤلم لاقتصاد عالمي يتركز في الأسواق الناشئة". وكانت من أفضل الشركات التي حققت طفرات هائلة في الأسواق الناشئة الشركات البرازيلية المنتجة للسلع والشركات الأندونيسية لتصنيع الأخشاب وشركات البناء الصينية وشركات صناعة الصلب الكورية الجنوبية وعلي سبيل المثال تسير التقديرات إلي أنه ليست هناك إلا زيادة طفيفة دورية في تداول الأسهم في البورصات التركية والروسية المنتعشة ولكن الاندفاع نحو الأسواق الناشئة بدأ يشير إلي تحول هيكلي ظل لمدة عقدين من الزمان والمتمثل في تفكك الاقتصاد العالمي الذي تهيمن عليه أمريكا إلي مجموعة من الكتل التجارية الاقليمية تمثلت في الربط بين الصين والشرق الأوسط. وبين "أنطوان فان" أنه خلال ربع القرن الماضي ارتفع إجمالي رأسمال السوق العائد للأسواق الناشئة إلي أكثر من 5 تريليونات دولار، وقبل 25 عاما كان المستثمرون في المحافظ الاستثمارية يستثمرون أقل من بضع مئات من ملايين الدولارات في شركات الأسواق الناشئة، واليوم أصبحت التدفقات الاستثمارية السنوية إلي المحافظ الاستثمارية تزيد علي 60 مليار دولار وأن الشركات المدرجة علي قائمة مجلة فورتشن لأبرز 500 شركة عالمية أصبحت تضم 75 شركة علي الأقل من الأسواق الناشئة بعد أن كانت تضم 19 شركة فقط عام 2000 والكثير منها أكبر ربحية من نظيراتها في الغرب، ومن ثم فإن العرص الذي لا تكون فيه شركات الأسواق الناشئة أكثر من صانعة غير متطورة للمنتجات ذات التكلفة المتدنية، والتي تشمل علي مستوي هابط من التكنولوجيا قد انتهي.