تقوم صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية باعداد تقارير تحت عنوان "مستقبل الاستثمار" وذلك في مختلف المجالات الاقتصادية منذ شهر تقريبا بسبب مرور عام علي تداعيات الأزمة المالية العالمية، وفي الأسبوع الماضي أعدت الصحيفة أحدث تقرير حول مستقبل الأسواق الناشئة بعد أن اكتسبت ثقة المستثمرين خلال الفترة الماضية نتيجة المرونة التي شهدتها أثناء تلك الفترة من الأزمة، حيث وصفها التقرير بأنها تألقت في العصور المظلمة وأوضحت الصحيفة أن مستقبل الاستثمار يتلخص في كلمتين هما الأسواق الناشئة. وأشار التقرير إلي أن أسهم الاسواق الناشئة تمثل الآن 11% من حجم مؤشر "فاينانشيال تايمز" علي مستوي العالم، مقارنة بنسبة 3% في عام 2000 أي بارتفاع نسبته 9%،كما شهدت أسهمها تحسنا في ظل الانخفاضات التي شهدتها أسهم ذلك المؤشر حيث تراجعت بنسبة 8% من 97% إلي 89% بالنسبة للأسواق المتقدمة الأمر الذي يعكس التزام الاسواق الناشئة بسياسات اقتصادية متوازنة وجيدة وبإدارة مالية حريصة. كما لفت التقرير الأنظار إلي المقال الذي كتبه "ماركو ديميترجيفك" مدير أحد صناديق التحوط ومؤسس شركة "كابيتال ايفرست" البريطانية الحائزة علي جائزة أفضل شركة لإدارة الأصول في العالم والذي طالب بضرورة تغيير مصطلح "الاسواق الناشئة" قائلا: إنه مفهوم "عفا عليه الزمن"، وبرر ذلك بأن الاسواق الناشئة تمثل نصف اقتصاد وأسواق المال في العالم، كما أن إدارة الشركات وسياسات الحكومات فيها مشابهة جدالأسواق الدول المتقدمة، وأن الفروق بين الاثنين إنما هي فروق تقليدية واضحة. وأوضح "ديميترجيفك" أن السيولة وأحجام التداول في هذه الاسواق ارتفعت أيضا بنسب كبيرة في السنوات الأخيرة وحتي الآن في عام ،2009 موضحا أن أحجام التداول في بورصة شانغهاي أكبر سوق ناشئة في العالم مثلا كانت أعلي من بورصة نيويورك أكبر بورصة في العالم من حيث القيمة السوقية. وأضاف "ريندل" أن الاسواق الناشئة أصبحت تمثل هدفا رئيسيا لمستثمري الدول المتقدمة خاصة الاسواق الكبري منها موضحا أن البورصات في الصين والهند ستستمران في النهوض بقوة إلا أن بورصة روسيا قد تواجه بعض العقبات خاصة بعد رتفاع معدلات التضخم هناك فضلا عن هشاشةالنظام المصرفي في الأونة الأخيرة كما أن الاقتصاد الروسي مازال غير ناضج نسبيا بالمقارنة مع الدول الناشئة الكبري. وفي نفس السياق قال "كريس شيتهام" الرئيس التنفيذي لشركة "هالبيز" العالمية لإدارة الأصول التابعة لبنك "اتش اس بي سي" إن الاسواق الناشئة عززت موقفها نحو ضمان تدفق الاستثمارات الأجنبية خلال الأعوام القادمة، حيث إنه من المؤكد أن تشهد معدلات النمو الاقتصادي لتلك البلدان نسباً أعلي من مثيلتها في الاسواق المتقدمة وأيضا نتيجة تماسك أسواق المال فيها وتحقيقها لمستويات أداء مرتفعة خلال الفترة الماضية فضلا عن أن اقتصادات السوق الناشئة أصبحت تدار بطريقة أفضل مما كانت عليه، وديونها باتت أقل مما كانت عليه من قبل، كما أن الشركات الفردية فيها أصبحت أفضل بكثير في الأونة الأخيرة. وقال خبير أسواق المال إذا كانت البورصات الناشئة باتت في مكانة خالية من المخاطر، فليس معني ذلك أن هناك تحسنات كبيرة في اقتصادها، فمعظم تلك الاقتصادات تعاني من مشكلات رئيسية منها الفقر ومشكلات تنمية تهدد مستقبلها باستثناء الكبري منها، إلا أن الأسواق الناشئة أثبتت أنه بامكانها الاحتفاظ بالنمو العالي واجتذاب رأس المال ولكن النمو متفاوت فيها ويوجد جدول أعمال كبير لم يتم انهاؤه، ومن ثم لابد من أخذه في الحسبان كتحديات تواجه اقتصادياتهم. وأشار مسئول بمؤسسة التمويل الدولية في التقرير إلي أن ما تحتاجه أي دولة لتعزيز أسواق المال فيها هو استقرار تلك الاسواق أولا ثم الاهتمام بالتدفقات عن طريق تقوية المؤسسات المالية المحلية وتعميق أسواق العملات المحلية خاصة بالنسبة للأسواق الناشئة، فضلا عن الحاجة الضرورية لتحسين الإدارة الرشيدة للمؤسسات، حتي يتاح للمزيد من الشركات الناجحة التي تخلق وظائف تصل لرأس المال في الاقتصاد الدولي.