بعد أن وجدت السلطة نفسها واقعة أسيرة هجوم عنيف من الشعب الفلسطيني والعربي والدولي بسبب موقفها من سحب التصويت علي "تقرير جولدستون"، والهجمة الشرسة التي تعرضت لها علي مدار الأسابيع الماضية استدركت تبعات هذا التصرف غير المسئول، وسارعت إلي احياء إعادة التصويت علي التقرير، ولهذا قام مجلس الأمن الدولي في جلسة خاصة بأزمة الشرق الأوسط جري تقديم موعدها نحو أسبوع بناء علي طلب المجموعة العربية المتمثلة بليبيا في المجلس بمناقشة التقرير الذي يدين إسرائيل علي الجرائم التي ارتكبتها خلال حربها العدوانية علي غزة أواخر العام الماضي وفي ذلك حصل مندوب السلطة في المجلس إبراهيم خريشة علي النسبة اللازمة للجلسة الاستثنائية وهي 17 صوتا من أصل 47 عضوا بعد ضغوطات دولية لاسيما أمريكية وإسرائيلية. وربما جاءت جلسة هذه المرة أكثر ايجابية لمناقشة تقرير جولد ستون إذ لن يقتصر النقاش في مجلس حقوق الإنسان عليه فحسب، بل سيشمل أيضا بندين: أحدهما متعلق بالقدسالمحتلة والحصار الذي لايزال مفروضا علي قطاع غزة. وفي خضم الترصد العربي والعالمي بتبني التقرير من جديد، وجدت إسرائيل نفسها في موقف لا تحسد عليه، إذ اجمع خبراء إسرائيليون في القانون الدولي علي أن السبيل الوحيد لتفادي خطر فرض عقوبات علي إسرائيل جراء التقرير هو تشكيل لجنة تحقيق رسمية من قضاة إسرائيليين ذوي مصداقية دولية، وكانت القيادات السياسية الإسرائيلية قد هاجمت قرار مجلس السلام العالمي زاعمة انه قرار سياسي وليس موضوعيا اتخذ بلا مصداقية خصوصا في موضوع حقوق الإنسان، وأدرك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه يواجه "تسونامي سياسي" فرعا وزرائه إلي اجتماع سري طارئ تستعد فيه إسرائيل لمواجهة حملة طويلة الأمد. لقد جعل القرار في مجلس السلام العالمي من عملية "الرصاص المتدفق" التي أطلقت علي الحرب في حينه علي غزة دفاعا غير شرعي عن النفس لذا تري إسرائيل أن عليها جعل هذا الموقف موقفا غير شرعي واعتبر معلمون إسرائيليون بارزون أن الانعكاسات الأخطر من "تقرير جولد ستون" تتعدي احتمالات ملاحقة المسئولين السياسيين أو العسكريين قضائيا، أو تنديد الأممالمتحدة بالدولة العبرية وبممارساتها أو تبني مجلس حقوق الإنسان استنتاجات التقرير، فالعبرة الأولي من لائحة الاتهام الأخطر التي كتبت ضد إسرائيل، وستلاحقها سنوات طويلة، كما أن يد إسرائيل في الحروب المقبلة لن تكون طليقة، ولن تكون إسرائيل قادرة علي شن حرب طويلة علي غرار ما فعلت في حربها علي لبنان صيف 2006 والتي استمرت 24 يوما أو علي قطاع غزة مطلع هذا العام والتي استمرت 23 يوما. وبفعل تقرير جولد ستون من جهة والسياسة المتشددة التي تنتهجها الحكومة اليمينية الإسرائيلية الحالية في كل ما يتعلق باستئناف المفاوضات علي الفلسطينيين، وتوسيع الاستيطان في الأراضي المحتلة، فإن مكانة إسرائيل الدولية تدهورت إلي حضيض غير مسبوق، وفضلا عن وطأة التقرير، فإن التوتر مع تركيا وملاحقة الضباط الإسرائيليين في أنحاء أوروبا، وربما في المحكمة الدولية في لاهاي وحملة مقاطعة البضائع الإسرائيلية في أوروبا تعزز من أن الأوضاع صنعت جبلا جليديا ينذر بفقدان شرعية إسرائيل، لتجد اسرائيل انتصارها الزائف في الحرب علي غزة ما هو إلا انتصار بيروس "انتصار خاسر" علي حد تعبير احد المعلقين الاسرائيليين فاسرائيل لم تستوعب ان قواعد اللعبة في الشرق الاوسط تغيرت مع وصول الرئيس الامريكي باراك أوباما إلي البيت الابيض، وخلافا للحرب الثانية علي لبنان عام 2006 التي انتهت بوقف النار، فإن حرب غزة مازالت مستمرة دبلوماسيا وفي الرأي العام، ويتحتم علي اسرائيل مواجهة انعكاساتها في عهد أوباما الاقل توددا من عهد الرئيس جورج بوش. ومن هنا فإن الافضلية العسكرية الساحقة لاسرائيل في الجولة الاولي باتت تواجه الآن الجولة الثانية التي نقلها الفلسطينيون إلي ملعب مريح لهم مستغلين تفوقهم في مؤسسات الاممالمتحدة وفي الرأي العام، كما أن الدعوات إلي مقاطعة اسرائيل تتعزز وتركيا نفسها تنأي عن تحالفها الاستراتيجي مع اسرائيل وتصف الجنود الاسرائيليين بأنهم "قتلة اطفال صغار". وحتي إن نجحت اسرائيل في وقف تدحرج تقرير جولد ستون فإن يديها كبلتا، والعالم بقيادة أوباما لن يدعها تقوم بعملية الرصاص المصبوب، خصوصا في ظل وجود حكومة يمينية في القدس يجب العالم أن يكرهها، وفي هذا الشأن ستجد اسرائيل نفسها من غير الممكن في المستقبل إلا تخوض حروبا قصيرة جدا لأنه كلما طالت الحرب اشتدت وطأة اليوم التالي للمعركة علي الرأي العام في العالم، ولذلك فإن ابعاد عسكرية بعيدة المدي ستتريب علي هذا الامر. ويكفي في المقابل أن يلقي اقرار مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة للتقرير ترحيبا كبيرا في قطاع غزة أدي إلي تراجع نسبي لوتيرة الحملة المكثفة التي شنتها حركة حماس علي الرئيس محمود عباس علي خلفية موانقة علي ارجاء تبني التقرير. ويأمل الفلسطينيون كثيرا في أن يكون اقرار التقرير مفتاحا لنزع فتيل الازمة بين حماس والسلطة، ويمهد الطريق أمام المصلحة الفلسطينية التي تعثرت خطواتها، وربما جاءت البداية بملاحظة تراجع التصريحات اليومية التي يطلقها قادة الحركة في حماس ضد الرئيس عباس منذ بدء الازمة!!.