يبدو أن تقرير جولدستون عن جرائم الحرب التي وقعت أثناء الحرب الأخيرة في قطاع غزة كان مجرد ذريعة لتفجير الموعد الذي كان محددا لتوقيع اتفاق المصالحة بين فتح وحماس في القاهرة يوم 25 أكتوبر الجاري. فالتقرير سبق أن رفضته حركة حماس لأنه وزع الادانة علي كل من اسرائيل وحماس واتهمهما معا بارتكاب جرائم حرب وان كان مال الي جانب ادانة اسرائيل بنسبة أكبر ، الادانة المشتركة لطرفي القتال في غزة هي مدخل الولاياتالمتحدة وحلفائها لوقف أي اجراءات أممية قد يتراءي للمجموعة العربية أن تتبناها أو تطالب بها في مجلس الأمن الدولي في حالة وصول التقرير اليه. لذلك فإن الضجة التي أثيرت حول تأجيل -وليس إلغاء- التصويت علي التقرير في مجلس حقوق الانسان هي في الواقع في غير محلها، وقد تأكد أن لها هدفا آخر سرعان ما ظهر علي السطح وهو ابعاد فرصة المصالحة التي كان من المقرر توقيع الاتفاق حولها بعد طول انتظار. تأجيل طرح التقرير له مبررات ساقها رئيس السلطة الوطنية محمود عباس، وهي مبررات قد يقبلها البعض وقد يجدها البعض الآخر غير مقبولة، ولكنها في النهاية مبررات لا تسوغ رد الفعل العنيف بالاعلان عن خيانة رئيس السلطة لقضايا وطنه وعدم صلاحيته لتمثيل بلاده وشعبه. طبعا نحن هنا لسنا في معرض الدفاع عن عباس وجماعته أو الاعتراض علي موقف حماس وجماعتها، ولكننا نطالب الجميع باحترام عقولنا ونسألهم سؤالا محددا: لماذا وافقتم علي عناصر ورقة المصالحة ما دمتم غير مستعدين، بعد، لها؟ ان ماحدث حول تقرير جولدستون كشف الغطاء علي حقيقة مروعة، كشف عن أن التفاوض حول المصالحة لم يصل مطلقا الي الأساس الفكري للخلافات، ولو كان التفاوض وصل اليه وتوصل الي نتائج لصمدت المصالحة أمام الاختبارات الصعبة المتوقعة مثل أسس التفاوض مع اسرائيل أو تشكيل وفد المفاوضات أو حدود مايمكن التفاهم حوله عند بلوغ مرحلة تسوية المسائل العالقة أو أشياء أخري من هذا القبيل. أما أن تنفجر المصالحة أمام موضوع تافه مثل تأجيل طرح تقرير لبضعة أسابيع ، فذلك يعني أن النوايا كانت مبيتة لنسف المصالحة واختلاق المبرر أو الذريعة عند أول منعطف. الواضح لدينا الآن من تداعيات الأمور أن الحديث عن مصالحة بين فتح وبين حماس أخفي لوقت طويل أن كلا من الحركتين يعاني من انقسامات وصراعات داخلية عميقة لتدفع الي السطح بمواقف غير مسئولة بين الحين والآخر دون حتي محاولة المحافظة علي القشرة الخارجية الزائفة، والا فما هو معني الاتهامات العنيفة المتبادلة علي خلفية تأجيل تقرير جولدستون؟ اتهم رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، حركة المقاومة الإسلامية حماس، بأنها استغلت تأجيل عرض تقرير جولدستون في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، للتنصل من المصالحة الوطنية. قال عباس، إن تأجيل التصويت علي التقرير جاء بهدف "تجنب إفراغ التقرير من مضمونه" لأنه قوبل بمعارضة شديدة من جانب بعض الدول الكبري، قبيل طرحه للتصويت في مجلس حقوق الإنسان، وقال في هذا الصدد: - رفضنا ضغوطاً أرادت سحب تقرير جولدستون"، وأن قرار تأجيل التصويت عليه جاء بناء علي توافق مختلف المجموعات (العربية والإسلامية والأفريقية وعدم الانحياز) التي تشكل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والمكون من 47 دولة. - أردنا تجنب الوصول إلي دفن القرار في المحافل الدولية، أو أن يصبح مجرد رقم يضاف إلي العديد من الأرقام الأخري"، في إشارة إلي قرارات دولية سابقة أدانت الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. - السلطة الفلسطينية صاغت مشروع قرار بشأن تقرير جولدستون وسعت لتقديمه للتصويت من طرف مجلس حقوق الإنسان، لكن أطرافا دولية كثيرة بينها الولاياتالمتحدة وبلدان أوروبية وروسيا والصين ضغطت من أجل تعديل ذلك المشروع، فيما أبدت أطرف أخري تحفظها عليها. أما مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس المقيم في دمشق فقد اتهم "فريق السلطة" بالكذب، داعياً إلي محاسبتهم علي أخطائهم بحق أبناء الشعب الفلسطيني، وأشار إلي أن تقرير جولدستون هو أول تقرير دولي يدين الكيان الصهيوني بعد عدوانه علي قطاع غزة، إلا أنه ظهر فريق فلسطيني يوفر الحماية للاحتلال وينقذه من إدانة المجتمع الدولي. وأشار إلي أنه لا يعفي الدول العربية من مسئوليتها عن خطأ سحب تقرير جولدستون. عمومًا ما حدث حول موضوع تقرير جولدستون من تصعيد غير مبرر وضع المصالحة كفكرة علي كف عفريت، لأن فكر المصالحة يتناقض في ذاته مع التخوين والتربص واصطناع الأزمات التي تنسف المصالحة. كان الله في عون الوزير عمر سليمان الذي يحمل عبء ملف المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، ويتحمل بصبر نحسده عليه كافة أشكال المراهقة والمراوغة السياسية من الأطراف التي يتعامل معها في تلك القضية المهمة والحساسة.