رغم أن الشركات الصينية الكبيرة التي تدعمها الدولة أصبحت مرئية بدرجة أكبر علي المسرح العالمي في السنوات الأخيرة إلا أن الصين يمكنها أن تغزو ما تحققه من نجاح اقتصادي إلي عدد لا حصر له من الشركات المتوسطة والصغيرة، ومع ذلك تقول مجلة "الايكونوميست" إن هذه الشركات الأصغر حجما في الصين هي الأكثر معاناة من آثار الركود الاقتصادي التي تسعي الحكومة الصينية جاهدة إلي مقالبته في هذه الأيام. لقد كانت هذه الشركات الصغيرة لا وجود لها عام 1979 عندما بدأت الصين خطواتها الأولي للانفتاح والخروج علي عقيدة التخطيط المركزي الشامل ولكن عددها سرعان ما أصبح مليون شركة صغيرة عام 1990 ثم ارتفع إلي 8 ملايين شركة عام 2001 أما الآن فإن عددها الإجمالي يناهز 60 مليون شركة متوسطة وصغيرة، وعدد العاملين في أصغر هذه الشركات لا يزيد علي حفنة قليلة أما عدد العاملين في الشركات المتوسطة طبقا لتعريف الحكومة الصينية فإنه لا ينبغي أن يزيد علي ألفي عامل لكل شركة، وتقول الأرقام إن هذه الشركات في مجموعها تنتج 60% من إجمالي الناتج المحلي الصيني وتدفع للدولة نصف إجمالي الحصيلة الضريبية علي المستوي القومي، وأكثر من 95% من هذه الشركات مملوكة ملكية خاصة بل وغير مقيدة في البورصة كما أنها بعيدة عن النفوذ السياسي والثقل البيروقراطي الذي ينتشر كالطعون في الشركات الأكبر حجما ولذلك فإنها تعتبر أكثر وحدات الاقتصاد الصيني فطنة وقدرة علي الإبداع، كما أنها تمتلك 66% من إجمالي الإنتاج الصيني الذي يحاكي الماركات العالمية ونحو 80% مما تقدمه الصين من منتجات جديدة. وهذه الشركات الصغيرة والمتوسطة مسئولة أيضا عن 68% من جملة الصادرات الصينية، وربما كان هذا هو السبب الأساسي لما تعانيه هذه الشركات من عنت مضاعف نتيجة الركود العالمي وانكماش الصادرات الصينية إلي أسواق الولاياتالمتحدة وأوروبا بوجه خاص، ونحن نعرف أن الحكومة الصينية مهتمة بإعادة التوازن إلي اقتصادها التصديري بتوجيه شركاتها المصدرة للخارج إلي إنتاج سلع تفي بحاجة الاستهلاك المحلي وإذا كان تآكل الطلب الخارجي بسبب الركود الحاصل سيدفع بكين إلي مواصلة الالتزام بهذا النهج فسيكون ذلك بمثابة الضوء الذي يظهر في قلب النفق المظلم الذي يلف مسيرة هذه الشركات حاليا. وعلي آية حال فإن أقدار الشركات الصغيرة والمتوسطة باتت سيئة علي المدي القصير وهذا ما تفصح عنه سلسلة من الاحصاءات الرسمية الصينية فهذه الاحصاءات تقول: "استهلاك الشركات الصناعية الأصغر حجما من الطاقة انخفض هذا العام إلي نصف ما كان عليه في العام السابق، وعلينا أن ننتظر حتي يتم تعافي الاقتصاد الصيني لتعرف ما إذا كان هذا الانخفاض ناجم عن انتشار الدمار والإفلاس بين تلك الشركات الصناعية أم انه نتيجة لاتجاه أحترازي لتقليل الإنتاج مؤقتا علي أمل النجاة من الأزمة. ومع ذلك فإن مجلة "الايكونوميست" تنبهنا إلي أن الشركات التصديرية هي شركات كثيفة العمالة وليست كثيفة الاستهلاك للطاقة وانه ليس هناك التباس في تعرض هذه الشركات لصعوبات جمة، لقد بدأت الصادرات الصينية تتآكل في نوفمبر الماضي، كذلك اعترفت الحكومة الصينية بأن تآكل الصادرات هذا العام مسئول عن نقص معدل النمو الصيني بمقدار 2،9% عما كان متوقعا له في النصف الأول من 2009 لو تعافت الصادرات، وتعزو الحكومة أيضا إلي تآكل الصادرات فقدان 20 مليون عامل صيني لوظائفهم معظمهم من العمالة المهاجرة حديثا من الريف إلي المدينة وخاصة المراكز الصناعية. وتقول كوني زهينج خبيرة معهد ملبورن الملكي للتكنولوجيا في استراليا أن معاناة الشركات المتوسطة والصغيرة في الصين ليست أمرا جديدا فهي التي كانت تحترق دائما بنيران الاتجاهات السلبية في الاقتصاد الصيني، ففي السنوات العشر الأخيرة التي شهدت اهتمام الصين بالاعتبارات البيئية كانت الحكومة علي استعداد لأن تتسامح نسبيا مع الشركات الكبري أما الشركات المتوسطة والصغيرة فكانت تفرض عليها شروط بيئية صارمة ومكلفة وتخير بين الالتزام بها أو الإغلاق، وبجانب ذلك فإنها لا تحصل إلا علي أقل القليل من الدعم الحكومة وعلي سبيل المثال فإن أموال الحافز الاقتصادي البالغة 4 تريليونات يوان "568 مليار دولار" التي تقررت منذ نوفمبر الماضي وجه معظمها إلي مشروعات البنية الأساسية التي تستفيد منها أساسا الشركات الكبري المملوكة للدولة. ومن التحديات القدمية التي تواجهها الشركات الصغيرة والمتوسطة أيضا في الصين صعوبة حصولها علي الائتمان من بنوك الدولة وهنا نقول الأرقام أن حجم الائتمان الذي قدمته تلك البنوك في النصف الأول من عام 2009 الراهن بلغ سبعة تريليونات يوان "1025،5 مليار دولار" وقد حصلت الشركات الصغيرة والمتوسطة علي 10% فقط من هذا المبلغ وذلك الباقي كله إلي الشركات الكبيرة، وتقول السيدة زهينج أن أنظمة الائتمان الصينية حتي التجاري منها لاتزال تحابي الشركات الكبيرة وتنظر إلي الشركات المتوسطة والصغيرة باعتبارها زبائن عالية المخاطر ولذلك فإن هذه الشركات تجد نفسها مضطرة إلي الاقتراض من الأسواق غير الرسمية من الأصدقاء أو أفراد العائلة أو من السوق السوداء بأسعار فائدة مبالغ فيها، ولكن الحكومة الصينية أحقاقا للحق تحاول علاج هذه الثغرات وقد ذكرت الصحف الرسمية في بكين أخيرا أن الحكومة قررت انشاء صندوقي استثمار قيمتهما 4 مليارات يوان لاقراض الشركات الصغيرة ولكن هذا بالطبع لا يكفي.