كانت لدي الصينيين القدماء وصفة خيالية للثراء السريع لاتزال آثارها تتردد حتي الآن في المأثورات الشعبية.. فالصينيون كانوا يعتقدون ان إله الشمس عندما يتعب من الطيران يستقر في كهف جبلي مملوء بالذهب ويتخذه بيتا. لذلك فإنهم يقولون اذا أردت الثراء السريع فإبحث عن بيت إله الشمس. ويبدو ان الاسطورة القديمة قد أصبح لها ظل من الواقع في الصين المعاصرة التي أصبحت لأول مرة في تاريخها أكبر منتج للذهب في العالم. وتقول مجلة "تايم" ان منجم داينجيز هوانج الذي يبعد 30 كيلومترا عن جبل "ماونت لو" موطن اسطورة اله الشمس القديمة يعد من أكبر مناجم استخراج الذهب في الصين في الوقت الراهن، فكل طن من خور هذا المنجم ينتج جرامين من الذهب الخالص. وفي العام الماضي أنتج منجم داينجيز هوانج 78 الف أونصة من الذهب قيمتها 78 مليون دولار بالسعر الحالي للذهب الذي يناهز 1000 دولار لكل أونصة. ولايزال المنجم يحتوي علي كميات هائلة من خام الذهب وتتوقع شركة زهاوجين لصناعة المناجم التي تدير هذا المنجم وهي شركة مسجلة في بورصة هونج كونج ان يصل انتاجه الي 80 الف أونصة هذا العام. وتتكرر هذه القصة في آلاف المناجم الصينية الاخري المنتجة للذهب مع تزايد اسعاره العالمية لتعمل دائما في اتجاه زيادة الانتاج الصيني من هذا المعدن النفيس. وهذا أمر يعيد تشكيل اوضاع صناعة استخراج الذهب علي المستوي العالمي. وتذكر الارقام ان انتاج الصين من الذهب زاد بنسبة 50% في السنوات الخمس الاخيرة ليصبح في العام الماضي اكثر من 276 طنا وتتفوق الصين بذلك علي جنوب افريقيا في حجم الانتاج وتزييحها من عرش ظلت تتربع عليه اكثر من قرن من الزمان منذ عام 1905 حتي العام الماضي 2007. وهذه ليست مجرد مصادفة أو حظ سعيد فالصين لديها احتياطيات ضخمة من خام الذهب وفي نفس الوقت يتزايد الطلب الداخلي علي الذهب مما يرشح الصين لأن تبقي المنتج الاكبر له في السنوات القادمة. ويقول بول أثيرلي المدير العام لشركة المناجم الاسترالية ليشون ريسورسيز ان الصين في طريقها لأن تسيطر علي صناعة الذهب العالمية كمنتج ومستهلك ومستكشف. وتقول مجلة "تايم" ان الصين تسترد بذلك مجدها القديم فالصينيون يستخرجون الذهب من الارض منذ الف عام، ولكن الثورة الشيوعية جاءت عام 1949 لتحبط انتاج الصين من الذهب عدة عقود فالملكية الشخصية للذهب كانت ممنوعة والانتاج نادرا ما زاد علي 20 طنا سنويا، ولكن هذه الاوضاع بدأت تتغير مع عملية الاصلاح الاقتصادي في التسعينيات حتي وصلنا الي ما اصبحت عليه الصين الآن. وتجدر الاشارة هنا الي ان جنوب افريقيا واستراليا والولايات المتحدة وكندا تحصل علي معظم انتاجها من الذهب من مناجم كبيرة وقليلة العدد وتتسم بالكفاءة اما في الصين فإن حجم المناجم أصغر وعددها اكبر كثيرا حيث يصل الي 2000 منجم مبعثرة في مختلف ارجاء البلاد. ولاشك ان صغر حجم المناجم يجعلها مشكلة فهي كما يقول زهانج يونجتاو السكرتير العام لرابطة الذهب الصينية لا تستطيع ان تستخدم تقنيات متقدمة وادارتها لا تتسم بالكفاءة وليست مربحة بدرجة كبيرة. وتخلف صناعة تعدين الذهب في الصين يبدو واضحا لكل من يزور مدينة زهاو يوان في مقاطعة شاوندونج فهي مدينة تضم 580 الف نسمة وفيها 60 منجم ذهب منتشرة في التلال المحيطة بالمدينة وتنتج نحو 15% من جملة انتاج الذهب في الصين سنويا، وهذا يجعل الناس تطلق عليها لقب عاصمة الذهب في الصين، ورغم تصاعد اسعار الذهب بشدة في الآونة الاخيرة فإن المدينة لاتزال محدودة الازدهار ويقول السكان ان ارباح صناعة الذهب تذهب الي جيوب المستثمرين الذين يعيشون في مدن الصين الساحلية ولا تستفيد منها كثيرا مدينتهم التي تقع في وسط الصين. ومع ذلك فإن أجر عامل المنجم في مدينة زهاويوان يبلغ 420 دولارا شهريا وهو مبلغ كبير بمقياس متوسط الاجور في الصين. ولكن العمل في هذه المناجم ايضا شاق ومحفوف بالمخاطر وتقول الارقام الحكومية ان عدد قتلي مناجم الذهب والمعادن الاخري يناهز 2188 شخصا سنويا حسب ارقام العام الماضي. وما نود ان نقوله ان مستقبل مدينة زهاويوان رغم هذا لايزال منطويا علي كثير من الازدهار شأنها في ذلك شأن كل صناعة الذهب الصينية. وتقول الارقام ان حجم الانفاق علي الاستثمار التجاري لمناجم الذهب في الصين قد ارتفع من 20 مليون دولار في عام 2003 ليصبح 300 مليون دولار في العام الماضي وذلك حسب ارقام شركة الابحاث الكندية ميتالز ايكونوميكس جروب اما ارقام مكتب المسح الجيولوجي في الصين فتقول ان احدث 5 مناجم جري اكتشافها في العام الماضي تحمل احتياطيات تناهز 600 طن من الذهب ويتوقع الخبراء ان تنشأ في الصين قريبا شركة مناجم عملاقة علي غرار شركة "BHB".