وزير الري يتابع إجراءات تدريب الكوادر الشابة في مجال إدارة المشروعات    بحوث الإسكان والبناء يواصل ريادته العالمية في اختبارات الخط الرابع للمترو    كامل الوزير: إلزام كل مصنع ينتج عنه صرف صناعي مخالف بإنشاء محطة معالجة    وزير الكهرباء: نعمل على نقل التكنولوجيا وتوطين الصناعة وتعظيم الموارد والأصول    أسعار الفاكهة اليوم الجمعة 26-12-2025 في قنا    جيش الاحتلال يشن غارات مكثفة على محيط مدينة الهرمل شرقي لبنان    زيلينسكي: اجتماع مع ترامب قريبا    ذكرى سعيدة ل حسام حسن قبل مواجهة جنوب أفريقيا اليوم (فيديو)    تشكيل منتخب مصر المتوقع أمام جنوب إفريقيا في كأس الأمم    حالة الطقس ودرجات الحرارة اليوم الجمعة 26-12-2025 في محافظة قنا    مصرع سيدتين في انقلاب سيارة على طريق «قنا - سفاجا»    مدير دار سما للنشر يكشف خطوات الدولة لمواجهة قرصنة الكتب وحماية المؤلفين    فضل شهر رجب.. دعاء مستحب واستعداد روحي لشهر رمضان (فيديو)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 26-12-2025 في محافظة قنا    متحدث الوزراء: مشروعات صندوق التنمية الحضرية تعيد إحياء القاهرة التاريخية    كيف تستخدم النقاط من بطاقات بنك القاهرة؟    مباراة مصر وجنوب أفريقيا تتصدر جدول مباريات الجمعة 26 ديسمبر 2025 في كأس أمم أفريقيا    أسعار الفراخ في البورصة اليوم الجمعة 26 ديسمبر    شروط التقدم للوظائف الجديدة بوزارة النقل    وزارة الخارجية ووزارة الاتصالات تطلقان خدمة التصديق علي المستندات والوثائق عبر البريد    مخالفات مرورية تسحب فيها الرخصة من السائق فى قانون المرور الجديد    خطوات مهمة لضمان سلامة المرضى وحقوق الأطباء، تفاصيل اجتماع اللجنة العليا للمسؤولية الطبية    رابط الموقع الإلكتروني المعتمد لشراء تذاكر المتحف المصري الكبير    محمد صبحى ضمنهم.. مجلس جامعة القاهرة يقر ترشيح 25 شخصية عامة لجوائز الدولة    متحدث الوزراء: مشروعات صندوق التنمية الحضرية تعيد إحياء القاهرة التاريخية    زعيم كوريا الشمالية يدعو إلى توسيع الطاقة الإنتاجية للصواريخ والقذائف    مسؤول أمريكي: إسرائيل تماطل في تنفيذ اتفاق غزة.. وترامب يريد أن يتقدم بوتيرة أسرع    مفاجأة للأمهات.. أول زيارة للأطفال لطبيب الأسنان تبدأ في هذا العمر (فيديو)    تفاصيل جلسة حسام حسن مع زيزو قبل مباراة مصر وجنوب إفريقيا    مستشفى العودة في جنوب غزة يعلن توقف خدماته الصحية بسبب نفاد الوقود (فيديو)    وزير العمل يصدر قرارًا وزاريًا بشأن تحديد العطلات والأعياد والمناسبات    أخبار فاتتك وأنت نائم| حريق منشأة ناصر.. وتمرد لاعبي الزمالك.. وأمريكا تضرب داعش    45 دقيقة تأخير على خط «طنطا - دمياط».. الجمعة 26 ديسمبر 2025    شعبة الأدوية: موجة الإنفلونزا أدت لاختفاء أسماء تجارية معينة.. والبدائل متوفرة بأكثر من 30 صنفا    عمرو صابح يكتب: فيلم لم يفهمها!    الزكاة ركن الإسلام.. متى تجب على مال المسلم وكيفية حسابها؟    وداعا ل"تكميم المعدة"، اكتشاف جديد يحدث ثورة في الوقاية من السمنة وارتفاع الكوليسترول    ريهام عبدالغفور تشعل محركات البحث.. جدل واسع حول انتهاك الخصوصية ومطالبات بحماية الفنانين قانونيًا    استمتعوا ده آخر عيد ميلاد لكم، ترامب يهدد الديمقراطيين المرتبطين بقضية إبستين بنشر أسمائهم    وفاة الزوج أثناء الطلاق الرجعي.. هل للزوجة نصيب في الميراث؟    الإفتاء تحسم الجدل: الاحتفال برأس السنة جائزة شرعًا ولا حرمة فيه    اختتام الدورة 155 للأمن السيبراني لمعلمي قنا وتكريم 134 معلماً    الفريق أحمد خالد: الإسكندرية نموذج أصيل للتعايش الوطني عبر التاريخ    سكرتير محافظة القاهرة: تطبيق مبادرة مركبات «كيوت» مطلع الأسبوع المقبل    «الثقافة الصحية بالمنوفية» تكثّف أنشطتها خلال الأيام العالمية    أردوغان للبرهان: تركيا ترغب في تحقيق الاستقرار والحفاظ على وحدة أراضي السودان    كأس مصر - بتواجد تقنية الفيديو.. دسوقي حكم مباراة الجيش ضد كهرباء الإسماعيلية    الأقصر تستضيف مؤتمرًا علميًا يناقش أحدث علاجات السمنة وإرشادات علاج السكر والغدد الصماء    ناقد رياضي: تمرد بين لاعبي الزمالك ورفض خوض مباراة بلدية المحلة    بروتوكولي تعاون لتطوير آليات العمل القضائي وتبادل الخبرات بين مصر وفلسطين    أسامة كمال عن قضية السباح يوسف محمد: كنت أتمنى حبس ال 18 متهما كلهم.. وصاحب شائعة المنشطات يجب محاسبته    كشف لغز جثة صحراوي الجيزة.. جرعة مخدرات زائدة وراء الوفاة ولا شبهة جنائية    فاروق جويدة: هناك عملية تشويه لكل رموز مصر وآخر ضحاياها أم كلثوم    جلا هشام: شخصية ناعومي في مسلسل ميد تيرم من أقرب الأدوار إلى قلبي    "التعليم المدمج" بجامعة الأقصر يعلن موعد امتحانات الماجستير والدكتوراه المهنية.. 24 يناير    40 جنيهاً ثمن أكياس إخفاء جريمة طفل المنشار.. تفاصيل محاكمة والد المتهم    ساليبا: أرسنال قادر على حصد الرباعية هذا الموسم    أمم إفريقيا - طالبي: آمل أن يستغل الركراكي قدراتي.. وعلينا أن نتعامل مع الضغط بإيجابية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أسرار القرآن
‏343‏ ‏(‏ ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا‏)[‏الكهف‏:83]‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 08 - 05 - 2010

هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في أوائل الربع الأخير من سورة الكهف‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ وآياتها مائة وعشر‏(110)‏ بعد البسملة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي أصحاب الكهف‏. وهم فتية مؤمنون بربهم‏,‏ في زمن ساد فيه الشرك بالله‏,‏ والخروج علي أوامره‏,‏ لذلك فروا بدينهم ولجأوا إلي غار في أحد الجبال المحيطة بمدينتهم‏,‏ وبقوا في هذا الغار ثلاثمائة وتسع من السنين القمرية‏,‏ وبعد هذه الغيبة الطويلة عن الحياة من حولهم بعثهم الله تعالي بمعجزة تشهد له سبحانه وتعالي بأنه علي كل شيء قدير‏.‏
ويدور المحور الرئيسي لسورة الكهف حول قضية العقيدة الإسلامية القائمة علي عبادة الله تعالي وحده‏(‏ بغير شريك‏,‏ ولا شبيه‏,‏ ولا منازع ولا صاحبة ولا ولد‏),‏ وتنزيهه سبحانه عن جميع صفات خلقه‏,‏ وعن كل وصف لا يليق بجلاله‏,‏ والإيمان بملائكة الله وكتبه ورسله واليوم الآخر‏,‏ وبالقدر خيره وشره وبرسالة الإنسان في هذه الحياة‏:‏ عبدا لله يعبده بما أمره‏,‏ ومستخلفا في الأرض مطالبا بالقيام علي عمارتها‏,‏ وعلي إقامة شرع الله وعدله في ربوعها‏.‏
وللتأكيد علي هذه القيم العليا أوردت سورة الكهف ثلاث قصص‏,‏ وضربت ثلاثة أمثال من أجل أن يستخلص قاريء القرآن الكريم عددا من الدروس والعبر المستفادة من عرضها‏.‏
وكانت قصة أصحاب الكهف هي الأولي بين هذه القصص الثلاث‏,‏ وتلتها قصة نبي الله موسي والعبد الصالح‏,‏ وكانت ثالثتها قصة ذي القرنين‏,‏ وكان أول الأمثال مثل الغني المغتر بماله والفقير المعتز بإيمانه بربه‏,‏ وجاء المثل الثاني للتأكيد علي مرحليه الحياة الدنيا وعلي حتمية فنائها‏,‏ وشبه المثل ذلك بدوره إنبات النبات بعد نزول المطر‏,‏ وإثماره ونضجه‏,‏ ثم جنيه أو حصاده‏,‏ ثم جفافه وتهشمه حتي تذروه الرياح‏,‏ وضرب المثل الثالث علي عاقبة التكبر والغرور اللذين أصابا إبليس اللعين بالطرد من الجنة ومن رحمة رب العالمين جزاء امتناعه عن السجود لأبينا آدم عليه السلام وقد أمره الله تبارك وتعالي بذلك‏.‏
هذا‏,‏ وقد سبق لنا استعراض سورة الكهف‏,‏ وما جاء فيها من ركائز العقيدة‏,‏ والإشارات الكونية والتاريخية‏,‏ ونركز هنا علي ومضة الإعجاز الإنبائي والتاريخي في ذكر القرآن الكريم لذلك العبد الصالح الملقب باسم ذي القرنين‏.‏
ذو القرنين في القرآن الكريم
جاء ذكر العبد الصالح الملقب ب‏(‏ ذي القرنين‏)‏ في ست عشرة آية من آيات سورة الكهف‏,‏ وجاء لقبه فيها ثلاث مرات وذلك علي النحو التالي‏:‏
‏(‏ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا‏)‏ إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا‏,‏ حتي إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا‏,‏ قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلي ربه فيعذبه عذابا نكرا‏,‏ وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسني وسنقول له من أمرنا يسرا‏*‏ ثم أتبع سببا‏,‏ حتي إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع علي قوم لم نجعل لهم من دونها سترا‏,‏ كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا‏,‏ ثم أتبع سببا‏,‏ حتي إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا‏,‏ قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا علي أن تجعل بيننا وبينهم سدا‏,‏ قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما‏,‏ آتوني زبر الحديد حتي إذا ساوي بين الصدفين قال انفخوا حتي إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا‏,‏ فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا‏,‏ قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا‏)(‏ الكهف‏:83‏ 98).‏
والخطاب في قوله تعالي :(‏ ويسألونك‏)‏ موجه إلي خاتم الأنبياء والمرسلين صلي الله عليه وسلم ,‏ ومن أسباب نزول سورة الكهف أن كفار مكة بعثوا إلي أهل الكتاب الذين كانوا منتشرين علي أطراف الجزيرة العربية يسألونهم عن أسئلة يوجهونها إلي سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم للتأكد من صدق نبوته فقال لهم اليهود‏:‏ سلوه عن رجل طواف في الأرض‏,‏ وعن فتية وما يدري ما صنعوا‏,‏ وعن الروح‏,‏ فأنزلت عليه سورة الكهف وفيها جواب ذلك كله‏.‏
وقد ذكر الأزرقي‏(‏ في كتابه المعنون أخبار مكة أن ذي القرنين آمن برسالة إبراهيم عليه السلام وطاف بالبيت معه بعد رفع قواعده‏,‏ وإذا سلمنا بذلك أدركنا قدم زمن ذي القرنين لأن إبراهيم عليه السلام عاش في الألفية الثانية قبل الميلاد‏(‏ من‏1861‏ 1686‏ ق‏.‏م‏.‏ أو بين‏1825,2000‏ ق‏.‏م‏).‏
ويخبرنا القرآن الكريم عن ذي القرنين أنه كان ملكا مؤمنا صالحا‏,‏ فمكن الله تعالي له في الأرض‏,‏ وقوي ملكه‏,‏ ويسر له فتوحاته‏,‏ وفي ذلك يخاطب ربنا تبارك وتعالي خاتم أنبيائه ورسله صلي الله عليه وسلم قائلا له‏:‏
‏(‏ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا‏,‏ إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا‏,‏ فأتبع سببا‏,)(‏ الكهف‏:83‏ 85)‏
وقد كثر الحديث عن ذي القرنين‏,‏ وامتلأت كتب المؤرخين بأخباره‏,‏ ولكن القرآن الكريم حين يعرض قصة نبي من الأنبياء‏,‏ أو موقف أمة من الأمم‏,‏ أو سيرة أحد الصالحين أو الطالحين من بني آدم‏,‏ فإنه يورد ذلك للدروس والاعتبار‏,‏ وليس للتفصيل التاريخي المعتاد‏,‏ ولذلك قال عن ذي القرنين‏(...‏ قل سأتلو عليكم منه ذكرا‏)‏ و‏(‏ من‏)‏ هنا للتبعيض‏.‏ وعلي الرغم من ذلك فقد حاول عدد من والمؤرخين أن يصلوا إلي شيء من التفصيل عن شخصية ذي القرنين‏,‏ فذكر ابن كثير أنه كان أحد ملوك التبابعة العظام من نسل حمير بن سبأ‏,‏ وذكر ابن هشام أنه كان الإسكندر المقدوني‏,‏ وقال المقريزي‏(‏ في خططه‏)‏ إن ذي القرنين عربي من نسل هود عليه السلام وأنه كان من ملوك حمير وأن ذكره قد كثر في أشعار العرب‏.‏
ويري أبو الكلام أراد أن ذي القرنين هو قورش الكبير‏(‏ الذي عاش في القرن السادس قبل الميلاد‏),‏ وأن أصل تسميته مستمد من الاسم التوراتي‏(‏ نوقر أناثم‏)‏ الذي أطلقه اليهود علي قورش الذي تسامح معهم كثيرا‏,‏ ولكن سؤال اليهود لرسول الله صلي الله عليه وسلم عن ذي القرنين يدل علي أن ذكره قد ورد في التوراة التي أنزلت قبل حكم قورش بتسعة قرون علي أقل تقدير‏.‏
ويذكر محمد علي البار في كتابه المعنون‏:‏ إضاءات قرآنية ونبوية في تاريخ اليمن أن التبابعة ملكوا الدنيا في زمانهم‏,‏ وأن أحدهم ويدعي تبع الأقرن هو نفسه‏(‏ ذو القرنين‏)‏ الذي حكم الدنيا‏,‏ والذي جاء ذكره في القرآن الكريم‏,‏ كما أن منهم من وصل إلي الصين‏,‏ والتبت‏,‏ والتركستان‏,‏ وبني مدينة سمرقند‏,‏ وذهب إلي أفريقيا‏...‏ وحكم كلا من مصر وشمال أفريقيا وغيرها‏,‏ ولكنه يضيف‏:‏ وهذه أمور فيها كثير من المبالغات والأساطير‏,‏ ولا يوجد أي دليل تاريخي عليها‏,‏ إلا أن هناك أدلة قوية علي أن هؤلاء الملوك وحدوا اليمن‏,‏ وامتد ملكهم إلي باقي أجزاء الجزيرة العربية‏,‏ فوصلوا إلي كل من مكة المكرمة‏,‏ ويثرب‏,‏ وغيرها من المدن الرئيسية في شبه الجزيرة‏,‏ أما ما عدا ذلك فهي إضافات وقصص تحتاج إلي دليل‏.‏
وذكر البار أيضا أن أحمد حسين شرف الدين وضع قائمة بملوك التبابعة‏,‏ وذكر ان حكمهم امتد في الفترة من‏(275‏ م 533‏ م‏);‏ وإذا سلمنا برواية الأزرقي أن ذي القرنين عاصر إبراهيم عليه السلام وآمن برسالته‏,‏ وطاف بالبيت معه‏,‏ وأن إبراهيم عاش في الألفية الثانية قبل الميلاد‏,‏ استحال أن يكون ذو القرنين من التبابعة لأن الفارق الزمني بين آخر عهد إبراهيم عليه السلام وأول عهد ملوك التبابعة يزيد علي الألفي سنة‏.‏
وذكر الجهني‏(‏ حمد بن حمزة الصريصري‏)‏ في كتابه المعنون فك أسرار ذي القرنين‏(‏ أخناتون‏)‏ وياجوج ومأجوج في طبعته الثانية الصادرة بمدينة الرياض سنة‏1428‏ ه‏/2007‏م‏)‏ أن ذي القرنين هو الملك المؤمن أخناتون أحد ملوك مصر القديمة من الأسرة الثامنة عشر‏,‏ والذي تولي ملك مصر في القرن الرابع عشر قبل الميلاد‏(‏ من‏1360‏ ق‏.‏م إلي‏1342‏ ق‏.‏م‏,‏ أو من‏1379‏ ق‏.‏م إلي‏1362‏ ق‏.‏م‏)‏
وذكر الكهني أن‏(‏ أخناتون‏)‏ هذا كان معاصرا لعبد الله ونبيه موسي ابن عمران‏,‏ وأنه هو ابن الفرعون أمنحوتب الثالث الذي قال إنه تبع موسي عليه السلام حتي البحر فأغرقه الله تعالي هو وجنده في اليم‏,‏ وقال الجهني إن أخناتون هو مؤمن ال فرعون الذي جاء في سورة غافر والذي كان يدافع عن موسي عليه السلام في بلاد أبيه أمنحوتب الثالث‏.‏ وهذا الكلام يخالف حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي قال فيه سباقوا الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين‏:‏ حزقيل مؤمن ال فرعون‏,‏ وحبيب النجار صاحب يس‏,‏ وعلي بن أبي طالب‏.‏
وقال البغوي في تفسيره‏:‏ الأكثرون علي أنه كان ملكا عادلا وصالحا‏,‏ وعليه فإننا لا نستطيع أن نقول في ذي القرنين أكثر مما ذكره الله تعالي عنه في محكم تنزيله‏:‏ أنه عبد صالح ملكه الله تعالي الأرض وأعطاه العلم والحكمة‏,‏ والسلطان‏,‏ ويسر له أسباب الملك‏,‏ والفتح‏,‏ فدانت له البلاد‏,‏ وخضعت له رقاب العباد‏,‏ وخدمته الأمم من العرب والعجم‏.‏ ولذلك قال عنه ربنا تبارك وتعالي (‏ إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا فأتبع سببا‏)(‏ الكهف‏:85,84)‏ أي مضي في وجه مما يسر له‏,‏ وسلك طريقه متجها إلي الغرب من موطنه الذي يبدو والله أعلم أنه كان جزيرة العرب‏,‏ فغرب حتي وصل إلي نقطة علي شاطئ المحيط الأطلسي وكان يسمي في القدم باسم حر الظلمات‏,‏ وكان يظن أن اليابسة تنتهي عنده فرأي الشمس تغرب فيه أو عند أحد شواطئه حيث تكثر البرك التي تنتشر فيها الأعشاب ويتجمع حولها الطين وتكثر عيون الماء الحارة‏,‏ فقال تعالي (‏ حتي إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا‏)(‏ الكهف‏:86)‏
وهذا الوصف‏(‏ عين حمئة‏)‏ أي حارة أو مليئة بالطين الأسود‏,‏ قد يعين الباحثين في الوصول إلي أقصي نقطة غربية وصلها هذا العبد الصالح ذو القرنين‏,‏ الذي فوضه الله تعالي في أمر القوم الذين وجدهم عند تلك العين الحمئة بالإلهام والتمكين‏,‏ فأعلن دستوره العادل‏,‏ وفي ذلك يقول القرآن الكريم‏:‏
‏(‏قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلي ربه فيعذبه عذابا نكرا وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسني وسنقول له من أمرنا يسرا‏)(‏ الكهف‏:87‏ 88)‏
ثم عاد ذو القرنين من رحلته الغربية ليتجه شرقا إلي أقصي ما مكنه الله تعالي من مسير‏,‏ وفي ذلك تقول الآيات‏:‏
‏(‏ثم أتبع سببا حتي إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع علي قوم لم نجعل لهم من دونها سترا كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا‏)(‏ الكهف‏:89‏ 91)‏
والآيات قد تعني أن تلك الأرض تقع في أقصي الشرق وكانت صحاري مستوية مكشوفة مثل سهول الصين المليئة بالرمل الناعم الذي تسوخ فيه الأقدام والمعروف باسم‏:‏ الوعس أو اللويس‏Loess))‏ والذي يغطي مساحات شاسعة في شرق وشمال بلاد الصين‏,‏ وتطلع الشمس علي تلك الصحاري المكشوفة فلا يكاد ساكنوها أن يجدوا لهم سترا منها‏.‏
وقد قبل في هذا الستر أنه الليل الذي يحجب عنا ضوء الشمس مما دفع ببعض المفسرين لتلك الآيات بالقول بأن ذي القرنين ربما يكون قد وصل إلي القطب الشمالي للأرض في فصل الصيف الذي يطول فيه النهار إلي ستة أشهر لا تغيب فيه الشمس‏,‏ وهذا خيال لا يدعمه الواقع‏.‏
وتنتقل الآيات في سورة لكهف بعد ذلك إلي الرحلة الثالثة لهذا العبد الصالح ذوي القرنين فتقول‏:‏
‏(‏ ثم أتبع سببا حتي إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع علي قوم لم نجعل لهم من دونها سترا كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا ثم أتبع سببا حتي إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الارض فهل نجعل لك خرجا علي أن تجعل بيننا وبينهم سدا قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما آتوني زبر الحديد حتي إذا ساوي بين الصدفين قال انفخوا حتي إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا‏)‏
‏(‏الكهف‏:92‏ 98)‏
ونحن لا نستطيع أن نجزم بشئ عن تلك البقعة الثالثة التي وصل إليها ذو القرنين‏,‏ ولكن يؤخذ من النص القرآني أنها عند حاجزين طبيعيين‏(‏ جبلين‏)‏ أو صناعيين بينهما ثغرة‏,‏ أو فجوة أو ممر ينفذ منه قوم أجوج ومأجوج وهم كانوا قد اشتهروا بالهمجية والعنف مع كثرة عددهم فيقتلون ويسلبون القوم الذين‏(‏ لا يكادون يفقهون قولا‏)‏ لعجمة كلامهم‏,‏ ويفسدون في الأرض إفسادا كبيرا فعرض القوم علي ذي القرنين أن يقيم لهم سدا في وجه يأجوج ومأجوج‏,‏ وذلك في مقابل خراج من المال يدفعون إليه به‏,‏ فرد عليهم عرضهم‏,‏ ورأي ردم الممر بين الحاجزين بمساواة قمتيهما وذلك بسبيكة من الحديد والنحاس المصهورين‏,‏ وهي من أشد أنواع السبائك المعروفة لنا اليوم صلابة وملاسة‏,(‏ ويعتبر هذا الوصف ومضة من ومضات الإعجاز العلمي في كتاب الله‏)‏ وبذلك التحم الجانبان‏,‏ وأغلق الطريق علي يأجوج ومأجوج‏,‏ وصعب تعليهم مهاجمة هؤلاء القوم الضعاف إلي أن يشاء الله فيندك هذا الردم‏,‏ ويخرج يأجوج ومأجوج ليعاودوا إفسادهم في الأرض‏,‏ وخروجهم من العلامات الكبري للساعة‏,‏ ويبقي ذكر القرآن الكريم لذي القرنين وجها من أوجه الإعجاز الإنبائي والتاريخي في كتاب الله‏,‏ يشهد لهذا الكتاب الخالد بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية كما يشهد للنبي الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة‏,‏ وبأنه كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض‏,‏ فصلي الله عليه وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏

المزيد من مقالات د. زغلول النجار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.