الدفاع الروسية: اعتراض 13 مسيرة أوكرانية فوق مقاطعتي روستوف وبيلجورود    424 مرشحًا يتنافسون على 200 مقعد.. صراع «الشيوخ» يدخل مرحلة الحسم    اتحاد الدواجن يكشف سبب انخفاض الأسعار خلال الساعات الأخيرة    بسبب خلافات الجيرة في سوهاج.. مصرع شخصين بين أبناء العمومة    الحقيقة متعددة الروايات    بعد الزلزال.. الحيتان تجنح ل شواطئ اليابان قبل وصول التسونامي (فيديو)    "بعد يومين من انضمامه".. لاعب الزمالك الجديد يتعرض للإصابة خلال مران الفريق    بالأسماء| ننشر حركة تنقلات وترقيات قيادات وضباط أمن القاهرة    بمحيط مديرية التربية والتعليم.. مدير أمن سوهاج يقود حملة مرورية    نقيب السينمائيين: لطفي لبيب أحد رموز العمل الفني والوطني.. ورحيله خسارة كبيرة    رامي رضوان ودنيا سمير غانم وابنتهما كايلا يتألقون بالعرض الخاص ل «روكي الغلابة»    الطعام فقط ومكافأة حماس.. هل يعترف ترامب بدولة فلسطين؟    ترامب: أبرمنا اتفاقا تجاريا مع باكستان وسنعمل معًا على تطوير احتياطياتنا النفطية    سعر التفاح والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 31 يوليو 2025    «الصفقات مبتعملش كشف طبي».. طبيب الزمالك السابق يكشف أسرارًا نارية بعد رحيله    إيرادات أزور تتجاوز 75 مليار دولار ومايكروسوفت تحقق أرباحا قياسية رغم تسريح الآلاف    الحد الأدني للقبول في الصف الأول الثانوي 2025 المرحلة الثانية في 7 محافظات .. رابط التقديم    اصطدام قطار برصيف محطة "السنطة" في الغربية.. وخروج عربة من على القضبان    أول تصريحات ل اللواء محمد حامد هشام مدير أمن قنا الجديد    من بيتك في دقائق.. طريقة استخراج جواز سفر مستعجل (الرسوم والأوراق المطلوبة)    مذكرات رجل الأعمال محمد منصور تظهر بعد عامين من صدور النسخة الإنجليزية    المهرجان القومي للمسرح المصري يعلن إلغاء ندوة الفنان محيي إسماعيل لعدم التزامه بالموعد المحدد    هذه المرة عليك الاستسلام.. حظ برج الدلو اليوم 31 يوليو    يعشقون الراحة والسرير ملاذهم المقدس.. 4 أبراج «بيحبوا النوم زيادة عن اللزوم»    لحماية الكلى من الإرهاق.. أهم المشروبات المنعشة للمرضى في الصيف    د.حماد عبدالله يكتب: إحترام "العدو" العاقل واجب!!    في حفل زفاف بقنا.. طلق ناري يصيب طالبة    مصرع شاب وإصابة 4 في تصادم سيارة وتروسيكل بالمنيا    التوأم يشترط وديات من العيار الثقيل لمنتخب مصر قبل مواجهتي إثيوبيا وبوركينا فاسو    ختام منافسات اليوم الأول بالبطولة الأفريقية للبوتشيا المؤهلة لكأس العالم 2026    المصري يواجه هلال مساكن فى ختام مبارياته الودية بمعسكر تونس    إغلاق جزئى لمزرعة سمكية مخالفة بقرية أم مشاق بالقصاصين فى الإسماعيلية    الوضع في الأراضي الفلسطينية وسوريا ولبنان محور مباحثات مسؤول روسي وأمين الأمم المتحدة    نشرة التوك شو| انخفاض سعر الصرف.. والغرف التجارية تكشف موعد مبادرة خفض الأسعار..    التنسيقية تعقد صالونًا نقاشيًا حول أغلبية التأثير بالفصل التشريعي الأول بالشيوخ    بعد 20 سنة غيبوبة.. والد الأمير النائم يكشف تفاصيل لأول مرة (فيديو)    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الخميس 31 يوليو 2025    حدث ليلًا| مصر تسقط أطنانا من المساعدات على غزة وتوضيح حكومي بشأن الآثار المنهوبة    القبض على 3 شباب بتهمة الاعتداء على آخر وهتك عرضه بالفيوم    «أمطار في عز الحر» : بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم: «توخوا الحذر»    مدير تعليم القاهرة تتفقد أعمال الإنشاء والصيانة بمدارس المقطم وتؤكد الالتزام بالجدول الزمني    هل يعاني الجفالي من إصابة مزمنة؟.. طبيب الزمالك السابق يجيب    "تلقى عرضين".. أحمد شوبير يكشف الموقف النهائي للاعب مع الفريق    وزير الرياضة يتفقد نادي السيارات والرحلات المصري بالعلمين    هل تتأثر مصر بزلزال روسيا العنيف، البحوث الفلكية تحسمها وتوجه رسالة إلى المواطنين    مونيكا حنا: علم المصريات نشأ فى سياق استعمارى    فوضى في العرض الخاص لفيلم "روكي الغلابة".. والمنظم يتجاهل الصحفيين ويختار المواقع حسب أهوائه    شادى سرور ل"ستوديو إكسترا": بدأت الإخراج بالصدفة فى "حقوق عين شمس"    ترامب: وزارة الخزانة ستُضيف 200 مليار دولار الشهر المقبل من عائدات الرسوم الجمركية    تنسيق المرحلة الأولى 2025.. لماذا يجب على الطلاب تسجيل 75 رغبة؟    عيار 21 يعود لسابق عهده.. أسعار الذهب تنخفض 720 للجنيه اليوم الخميس بالصاغة    حياة كريمة.. الكشف على 817 مواطنا بقافلة طبية بالتل الكبير بالإسماعيلية    أسباب عين السمكة وأعراضها وطرق التخلص منها    ما المقصود ببيع المال بالمال؟.. أمين الفتوى يُجيب    ما حكم الخمر إذا تحولت إلى خل؟.. أمين الفتوى يوضح    الورداني: الشائعة اختراع شيطاني وتعد من أمهات الكبائر التي تهدد استقرار الأوطان    أمين الفتوى يوضح آيات التحصين من السحر: المهم التحصن لا معرفة من قام به    الشيخ خالد الجندي: الرسول الكريم ضرب أعظم الأمثلة في تبسيط الدين على الناس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أسرار القران (‏377‏ )
إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار
نشر في الأهرام اليومي يوم 15 - 01 - 2011

هذا النص القرآني الكريم جاء في أواخر الثلث الأول من سورة‏'‏ التوبة‏',‏ وهي سورة مدنية‏,‏ ومن طوال سور القرآن الكريم إذ يبلغ عدد آياتها مائة وتسعا وعشرين‏(129),‏ وهذا ما يجعلها سادس أطول سور الكتاب العزيز‏.‏ وسورة‏'‏ التوبة‏'‏ من أواخر السور التي أنزلت علي رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ إذ أنزلت في السنة التاسعة من الهجرة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم‏(‏ التوبة‏)‏ لورود هذه الكلمة ومشتقاتها في اثنتي عشرة آية من آياتها‏.‏ كذلك سميت هذه السورة باسم‏(‏ براءة‏)‏ وهي الكلمة التي استهلت بها‏,‏ وسميت بأسماء أخري منها‏:(‏ لفاضحة‏)‏ و‏(‏ المخزية‏)‏ و‏(‏ المتبرة‏)‏ أي المهلكة‏,‏ و‏(‏المنكلة‏),‏ و‏(‏سورة العذاب‏);‏ وذلك لفضحها للمنافقين‏,‏ ولكونها المهلكة لهم‏,‏ والمنكلة بهم‏,‏ والواصفة لعذابهم‏,‏ كذلك سميت باسم‏(‏ المحفزة‏)‏ أو‏(‏ الحافزة‏)‏ لتحفيزها المؤمنين علي الجهاد في سبيل الله من أجل إعلاء دينه‏.‏
ولم تستفتح سورة‏'‏ التوبة‏'‏ بالبسملة‏,‏ لأن‏(‏ البسملة‏)‏ رحمة من الله‏-‏ تعالي‏-‏ والسورة تبدأ بإعلان من الله‏-‏ سبحانه وتعالي‏-‏ ومن خاتم أنبيائه ورسله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ بالبراءة من المشركين‏,‏ ورحمة الله لا تلتقي أبدا مع البراءة من ذمة الله وذمة خاتم أنبيائه ورسله‏.‏
ويدور المحور الرئيسي لسورة‏'‏ التوبة‏'‏ حول عدد من التشريعات الإسلامية المتعلقة بالجهاد في سبيل الله‏,‏ وبمصارف الزكاة‏,‏ والحاكمة للعلاقة بين المسلمين وبين كل من المشركين والمنافقين في كل من المجتمعات المسلمة وغير المسلمة‏.‏ كذلك أشارت السورة الكريمة إلي هجرة رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ ذلك الحدث الذي غير وجه التاريخ بالكامل‏,‏ لأنه كان العامل الرئيسي غنشاء دولة المسلمين بالمدينة والتي منها انطلق الفتح الإسلامي ليشمل نصف الكرة الأرضية في أقل من قرن من الزمان‏,‏ ويقيم أعظم حضارة في تاريخ الإنسانية لأنها كانت أكمل الحضارات لجمعها بين الدنيا والآخرة في معادلة واحدة‏,‏ كما كانت أطول الحضارات الإنسانية فيما نعلم‏.‏
هذا وقد سبق لنا استعراض سورة‏'‏ التوبة‏'‏ وما جاء فيها من التشريعات والعقائد الإسلامية‏,‏ والإشارات الكونية والإنبائية‏,‏ ونركز هنا علي أوجه الإعجاز التربوي في هجرة رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ وصاحبه أبي بكر الصديق‏-(‏ رضي الله عنه وأرضاه‏)‏ وفي الآية الكريمة التي اخترناها عنوانا لهذا المقال‏.‏
من اسباب نزول هذه الآية الكريمة‏:‏
لما رجع رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ من غزوة حنين بالطائف‏,‏ أمر المسلمين بالنفير العام لغزوة تبوك‏,‏ ردا علي تجمع جيوش الروم في أقصي الجنوب من بلاد الشام علي أطراف الجزيرة العربية‏,‏ وردا علي ما كان هرقل ملك الروم قد قرره من دفع رواتب جنده لمدة سنة مقدما تشجيعا لهم علي مقاتلة المسلمين‏,‏ وبعد أن انضم لهم عدد من قبائل العرب في شمال الجزيرة إلي قوات الروم‏,‏ كان منهم قبائل كل من لخم‏,‏ وجذام‏,‏ وعاملة‏,‏ وغسان‏,‏ وتقدمت القوات الرومانية وحلفاؤها إلي أرض البلقاء من بلاد الأردن الحالية‏.‏
ومن أجل مواجهة هذه القوات الغازية وحلفائها استنفر رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ الناس إلي قتال الروم‏.‏ وكان هذا الرسول القائد‏-‏ صلوات ربي وسلامه عليه‏-‏ قلما يخرج إلي غزوة دون التورية بغيرها‏,‏ إلا ما كان من غزوة تبوك‏,‏ فقد صرح بها لبعد الشقة وشدة الحر‏,‏ وكان قد اندس في صفوف المسلمين نفر من المنافقين يحاولون تخذيلهم عن القتال‏,‏ ويخوفونهم من أعداد وعدة الروم وحلفائهم‏,‏ ومن طول الطريق إليهم في قيظ مهلك‏,‏ وندرة للماء والغذاء‏.‏ وأخذ هؤلاء المنافقون يرغبون المسلمين في حياة الأمن والدعة والمال والظلال‏,‏ فنزلت هذه الآية الكريمة مذكرة بخروج رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ من مكة ليلة الهجرة‏,‏ وقد تآمرت قريش لقتله فأطلعه الله سبحانه وتعالي‏-‏ علي ما تآمروا به عليه‏,‏ وأمره بالخروج‏,‏ فخرج وحيدا إلا من صاحبه الصديق‏.‏ فنصره الله عليهم‏,‏ وأخرجه سالما من بين أظهرهم‏,‏ وقوتهم المادية التي تفوق إمكاناته المادية بكثير‏,‏ فكانت الهزيمة والذل والصغار من نصيبهم‏,‏ وكان العز والانتصار لرسول الله وصاحبه‏,‏ علي الرغم من خلو أيديهم من السلاح‏,‏ وذلك كي لا يهيب أصحاب الحق أهل الباطل أبدا مهما بلغت أعدادهم وإمكاناتهم المادية لأنه لا سلطان في هذا الوجود لغير الله‏-‏ سبحانه وتعالي‏-‏ ولذلك فمن توكل عليه حق التوكل وجب له نصر الله‏,‏ فأولياء الله لا يذلون أبدا لأن الله العزيز قد تعهد لهم بنصره‏,‏ والله الحكيم يقدر النصر لمن يستحقه‏.‏
من هنا كان علي المسلمين مدارسة الهجرة النبوية الشريفة في كل عام‏,‏ واستخلاص الدروس والعبر من أحداثها‏,‏ ومن أبرزها اليقين في نصر الله لعباده المؤمنين به الموحدين لذاته العلية‏,‏ والمنزهين له عن جميع صفات خلقه وعن كل وصف لا يليق بجلاله‏:‏
من الإعجاز التربوي في هجرة رسول الله‏-‏صلي الله عليه وسلم‏-‏
كانت هجرة رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ انتقالا بالمسلمين من مرحلة الاستضعاف والاضطهاد إلي مرحلة القوة والعزة والمنعة‏,‏ وإذا كان مسلمو اليوم قد عادوا إلي مرحلة الاستضعاف والاضطهاد والإيذاء في دورة من دورات الزمن‏,‏ فما أحوجهم إلي إعادة مدارسة حدث الهجرة النبوية‏,‏ وما فيه من الدروس والعبر‏,‏حتي يعاودوا نهضتهم من جديد‏,‏ ويقوموا بدورهم الرائد في قيادة البشرية كما قادها أسلافهم من قبل‏.‏
ففي فجر الجمعة الموافق‏27‏ من شهر صفر سنة‏14‏ من البعثة النبوية الشريفة‏(‏ الموافق‏13‏ من شهر سبتمبر سنة‏622‏ م‏)‏ هاجر رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ وصاحبه أبو بكر الصديق‏_‏ رضي الله عنه‏_‏ من مكة المكرمة إلي المدينة المنورة‏,‏ انصياعا لأمر الله‏_‏ تعالي‏_‏ بعد ثلاث وخمسين سنة قضاها رسول الله في مكة‏,‏ ولم يكن سهلا علي نفسه الشريفة مغادرة مهبط رأسه‏,‏ وأحب البلاد إلي قلبه لولا نزول أمر الله إليه بذلك‏.‏
وكان في هذا الحدث العظيم كم هائل من الدروس التربوية التي يجب علي كل مسلم ومسلمة استرجاعها في كل احتفال بهذه الذكري المباركة حتي تتحقق الفوائد المرجوة من هذا الاحتفال‏.‏ ومن هذه الدروس ما يلي‏:‏
أولا‏:‏ من أبرز الدروس التربوية المستفادة من هجرة رسول الله ضرورة أن يكون المسلم صادق الإيمان بربه‏,‏ متوكلا عليه حق التوكل‏,‏ باذلا من جهده وماله وفكره في سبيل نصرة دين الله أقصي ما يملك‏,‏ ومتحركا من أجل تحقيق ذلك حركة خالصة لوجه الله‏_‏ تعالي‏_‏ مضحيا بالنفس والنفيس‏,‏ واثقا من نصر الله‏,‏ ومبشرا بقرب تحققه إن شاء الله‏.‏
ثانيا‏:‏ مع الإيمان بحقيقة الأخوة الإنسانية لا بد من التسليم بحتمية الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل‏:‏
إن الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل سنة من سنن الحياة الدنيا‏,‏ وهذا الصراع لا يبدأه أهل الحق‏,‏ بل هو مفروض عليهم‏,‏ وللتدليل علي ذلك نستعرض واقع مكة المكرمة قبل الهجرة مباشرة‏:‏
فقد رأي كفار ومشركو قريش أن انتشار الإسلام في يثرب‏,‏ وخروج مسلمي مكة إليها‏,‏ واستقرارهم بها بعد أن أقبل أهلها علي الإسلام زرافات ووحدانا‏,‏ حتي لم يبق بيت من بيوت الأنصار إلا وفيه عدد من المسلمين‏.‏ ورأي كفار ومشركو قريش في ذلك المد الإسلامي بيثرب تمهيدا لخروج رسول الله إليها‏,‏ وتحركه بالدعوة إلي دين الله بحرية كاملة بعد أن كانوا قد جاروا عليه وعلي الذين آمنوا بدعوته جورا فاجرا‏,‏ وقد أدركوا أن قوة حجته‏,‏ وروعة بيانه‏,‏ وصدق دعوته وتفاني أصحابه في حبه‏,‏ كل ذلك كان كفيلا بجمع قبائل العرب حوله‏,‏ وأن ذلك يشكل خطرا كبيرا عليهم‏.‏ لذلك دعوا إلي اجتماع في دار الندوة حضره عدد من صناديدهم‏,‏ وبعد تداول الأمر تكلم في هذا الاجتماع‏'‏ أبو البحتري بن هشام‏'‏ فاقترح حبس رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ حتي الموت فرفض اقتراحه خشية أن تعيرهم العرب بذلك‏,‏ واقترح‏'‏ الأسود بن عمرو‏'‏ نفيه إلي خارج مكة‏,‏ فردوا عليه قائلين‏:‏ ليس هذا برأي‏,‏ ألم تروا حسن حديثه‏,‏ وقوة منطقه‏,‏ فإذا حل عند قوم لا يلبث أن يستولي علي نفوسهم‏,‏ ويحل في سويداء قلوبهم؟ بعد ذلك تحدث‏'‏ أبو جهل‏'(‏ عمرو بن هشام زعيم بني مخزوم من قريش‏)‏ قائلا‏:‏ أري أن نأخذ من كل قبيلة فتي‏,‏ شابا‏,‏ جليدا‏,‏ نسيبا‏,‏ وسيطا فينا‏,‏ ثم نعطي كل واحد منهم سيفا صارما‏,‏ ويذهبون حيث محمد‏,‏ فيضربونه بها ضربة رجل واحد‏,‏ فيتفرق دمه في القبائل كلها‏,‏ فلا يستطيع‏'‏ بنو عبد مناف‏'‏ قتال الجميع‏,‏ فرضوا منا بالعقل‏(‏ أي‏:‏ الدية‏)‏ فعقلناه لهم‏,‏ فاستحسن الحضور الرأي‏,‏ وقرروا إخراجه إلي حيز التنفيذ‏.‏ وعلي الفور أوحي الله‏_‏ تعالي‏_‏ إلي خاتم أنبيائه ورسله‏_‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ بتفاصيل المؤامرة التي أنزل بشأنها قرآنا يتلي إلي يوم الدين يقول فيه ربنا‏_‏ تبارك وتعالي‏-:‏
وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين‏,‏ الأنفال‏:30].‏
وهذا الموقف يمثل صورة من صور الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل‏,‏ وهو صراع بدأ بقتل قابيل لأخيه هابيل‏,‏ واستمر إلي وقتنا الراهن‏,‏ وسوف يبقي حتي قيام الساعة‏.‏ من هنا كان واجبا علي أهل الحق ألا يغفلوا أبدا عن تآمر أهل الباطل عليهم في كل زمان وفي كل مكان وأن يأخذوا حذرهم من ذلك التآمر باستمرار حتي لا يؤخذون علي غرة من أهل الباطل أبدا‏.‏
ثالثا‏:‏ ضرورة إحكام التخطيط لكل أمر‏:‏
بعد انتشار الإسلام في يثرب إثر بيعتي العقبة الأولي والثانية‏,‏ أمر رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ مسلمي مكة بالهجرة إليها قائلا لهم‏:'‏ إن الله‏_‏ عز وجل‏_‏ جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون بها‏,‏ فخرجوا إليها‏,‏ وبقي رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ بمكة ينتظر الإذن من الله‏-‏ تعالي‏_‏ بالهجرة إلي المدينة وبقي معه كل من أبي بكر وعلي بن أبي طالب وعدد من ضعفاء المسلمين‏.‏
وعندما جاء أمر الله‏_‏ سبحانه وتعالي‏_‏ إلي خاتم أنبيائه ورسله بالهجرة بدأ‏_‏ عليه الصلاة والسلام‏_‏ بالإعداد لذلك‏,‏ آخذا بكل ما لديه من الأسباب‏,‏ فكتم موعدها حتي عن صاحبه الذي أخبره الله‏_‏ تعالي‏_‏ أنه سوف يرافقه في هجرته‏,‏ إلا أن الرسول‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ أمر أبا بكر بإعداد الدليل الماهر بالطريق‏,‏ وترتيب أمور تموين الرحلة‏,‏ فابتاع أبو بكر راحلتين‏,‏ وأخذ يهيئهما للرحلة الطويلة‏.‏ كذلك كان رسول الله‏-‏صلي الله عليه وسلم‏-‏ قد عهد إلي ابن عمه علي بن أبي طالب أن يبيت في فراشه‏,‏ حتي يرد ما كان عند رسول الله من أمانات لكفار ومشركي قريش‏,‏ وهو درس في أداء الأمانة لمن ائتمنك حتي ولو كان كافرا أو مشركا‏,‏ يجب أن يتعلمه كل مسلم ومسلمة‏.‏
وفي ساعة القيلولة من اليوم السابق علي الهجرة خرج رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ لإخبار أبي بكر بالإذن الإلهي بالهجرة‏,‏ وتروي أم المؤمنين السيدة عائشة‏_‏ رضي الله عنها‏_‏ في حديثها عن تلك الزيارة المفاجئة قائلة‏:'‏ كان رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ لا يخطئ أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار‏,‏ إما بكرة وإما عشية‏,‏ حتي إذا كان ذلك اليوم الذي أذن الله فيه لرسوله‏-‏ صلوات ربي وسلامه عليه‏-‏ بالهجرة والخروج من مكة من بين ظهراني قومه‏,‏ أتانا رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ بالهاجرة في ساعة كان لا يأتي فيها‏,‏ فلما رآه أبو بكر قال‏:‏ ما جاء رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ هذه الساعة إلا لأمر حدث‏.‏ فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره‏,‏ فجلس رسول الله‏_‏ صلوات ربي وسلامه عليه‏_‏ وليس عند أبي بكر إلا أنا وأختي أسماء‏,‏ فقال رسول الله‏-‏صلي الله عليه وسلم‏-:(‏ أخرج عني من عندك‏)‏ فقال أبو بكر‏:‏ يا رسول الله‏!‏ إنما هما ابنتاي‏,‏ وما ذاك فداك أبي وأمي؟ فقال رسول الله‏:(‏ إن الله قد أذن لي بالخروج والهجرة‏)‏ فقال أبو بكر‏'‏ الصحبة يا رسول الله‏,‏ قال‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-:(‏ الصحبة‏).‏ وتضيف أم المؤمنين قولها‏:‏ فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من شدة الفرح حتي رأيت أبا بكر يبكي يومئذ‏..'.‏
وعلي الفور اتصل أبو بكر بالدليل الذي كان قد اتفق معه ليصحبهما في الرحلة إلي المدينة‏,‏ وأمر ابنه عبد الله أن يعد نفسه لجمع أخبار أهل مكة ونقلها إليهما‏,‏ وأمر خادمه عامر بن فهيرة أن يستعد لرعي الغنم ليعفو علي آثارهما إذا تحركا‏,‏ وكان قد درب ابنته أسماء‏_‏ رضي الله عنها‏_‏ علي حمل الطعام والشراب وعلي تسلق الجبال لإيصاله إليهما حيثما يكونا‏.‏ وكان هذا الإعداد درسا في حسن التخطيط يجب أن يحتذي به المسلمون في كل أمر من أمورهم‏.‏
هذا وسوف نواصل استعراض بقية الدروس التربوية المستقاة من الهجرة النبوة الشريفة في المقالات القادمة إن شاءالله‏.‏

المزيد من مقالات د. زغلول النجار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.