بوتين يهنئ السيسي بعيد ميلاده: من أعماق قلبي أتمنى لك الصحة والنجاح في خدمة الشعب    الشركات اللبنانية تستثمر 854 مليون دولار في مصر بنهاية فبراير 2025    ارتفاعات وشيكة في أسعار الذهب.. اشتري قبل فوات الأوان    أمين مجلس الجامعات الأجنبية: استكمال القرارات الجمهورية ل 11 فرعا و10 طلبات قيد الدراسة    الإخوان على القوائم السوداء في أمريكا رسميًا: ولاية تكساس تصنف الجماعة منظمة إرهابية    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الأنجولي سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية    جوائز الكاف 2025، تعرف على طريقة اختيار الأفضل في أفريقيا    بعثة زيسكو الزامبي تصل القاهرة الخميس لمواجهة الزمالك    عمرو عثمان: أكثر من 13717 نشاطا توعويا لمكافحة الإدمان بمحافظات الجمهورية    الطقس غدا.. ارتفاع درجات الحرارة وظاهرة خطيرة صباحاً والعظمى بالقاهرة 29    الفنان محمد صبحي يغادر المستشفى بعد تعافيه ويعود إلى منزله    عمرو مصطفى يطمئن على تامر حسني: ربنا يشفيك ويعدي الوجع بسرعة    معرض رمسيس وذهب الفراعنة في طوكيو.. الأعلى للثقافة: دليل على تقدير اليابان لحضارتنا    فيلم بنات الباشا المقتبس عن رواية دار الشروق يُضيء شاشة مهرجان القاهرة السينمائي    وزير الصحة: دول منظمة D-8 تعتمد إعلان القاهرة لتعزيز التعاون الصحي المشترك    حقيقة عودة كهربا إلى الأهلي في يناير    اسعار كرتونه البيض للمستهلك اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    روسيا: أوكرانيا تستخدم صواريخ أتاكمز الأمريكية طويلة المدى مجددا    شقيق إبستين: كان لدى جيفري معلومات قذرة عن ترامب    أول رد فعل من مصطفى محمد على تصريحات حسام حسن    إزالة تعديات وإسترداد أراضي أملاك دولة بمساحة 5 قيراط و12 سهما فى الأقصر    ضمن مشروع تطوير شامل، أنظمة إطفاء صديقة للبيئة في مطار القاهرة    انطلاق فعاليات المؤتمر السنوي العاشر لأدب الطفل تحت عنوان "روايات النشء واليافعين" بدار الكتب    الأهلي يحصل على موافقة أمنية لحضور 30 ألف مشجع في مواجهة شبيبة القبائل    وصفات طبيعية لعلاج آلام البطن للأطفال، حلول آمنة وفعّالة من البيت    رئيس الأركان يعود إلى أرض الوطن عقب مشاركته بمعرض دبى الدولى للطيران 2025    أسطورة ليفربول يكشف مفاجأة عن عقد محمد صلاح مع الريدز    ارتفاع عدد مصابي انقلاب سيارة ميكروباص فى قنا إلى 18 شخصا بينهم أطفال    قصور ومكتبات الأقصر تحتفل بافتتاح المتحف المصرى الكبير.. صور    جامعة قناة السويس تحتفي بأبطالها المتوجين ببطولة كأس التميز للجمهورية    الإسماعيلي يكشف حقيقة طلبه فتح القيد الاستثنائي من فيفا    المصرية للاتصالات تعلن اكتمال مشروع الكابل البحري 2Africa    بث مباشر.. بدء مراسم وضع هيكل الاحتواء لمفاعل الضبعة النووية    وزير الري يلتقي عددا من المسؤولين الفرنسيين وممثلي الشركات على هامش مؤتمر "طموح إفريقيا"    ما هو فيروس ماربورج وكيف يمكن الوقاية منه؟    مقتل 6 عناصر شديدى الخطورة وضبط مخدرات ب105 ملايين جنيه فى ضربة أمنية    مصرع 3 شباب في تصادم مروع بالشرقية    الصحة تغلق 11 مركزًا غير مرخص لعلاج الإدمان بحدائق الأهرام    تعرف على أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    حزب الجبهة: متابعة الرئيس للانتخابات تعكس حرص الدولة على الشفافية    السياحة العالمية تستعد لانتعاشة تاريخية: 2.1 تريليون دولار إيرادات متوقعة في 2025    هشام يكن: أطالب حسام حسن بضم عبد الله السعيد.. وغير مقتنع بمحمد هاني ظهير أيمن    إقبال واسع على قافلة جامعة قنا الطبية بالوحدة الصحية بسفاجا    بريطانيا تطلق استراتيجية جديدة لصحة الرجال ومواجهة الانتحار والإدمان    حريق هائل يلتهم أكثر من 170 مبنى جنوب غرب اليابان وإجلاء 180 شخصا    صيانة عاجلة لقضبان السكة الحديد بشبرا الخيمة بعد تداول فيديوهات تُظهر تلفًا    مهرجان مراكش السينمائى يكشف عن أعضاء لجنة تحكيم الدورة ال 22    جيمس يشارك لأول مرة هذا الموسم ويقود ليكرز للفوز أمام جاز    ندوات تدريبية لتصحيح المفاهيم وحل المشكلات السلوكية للطلاب بمدارس سيناء    أبناء القبائل: دعم كامل لقواتنا المسلحة    «اليعسوب» يعرض لأول مرة في الشرق الأوسط ضمن مهرجان القاهرة السينمائي.. اليوم    إطلاق أول برنامج دولي معتمد لتأهيل مسؤولي التسويق العقاري في مصر    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أسرار القران (‏377‏ )
إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار
نشر في الأهرام اليومي يوم 15 - 01 - 2011

هذا النص القرآني الكريم جاء في أواخر الثلث الأول من سورة‏'‏ التوبة‏',‏ وهي سورة مدنية‏,‏ ومن طوال سور القرآن الكريم إذ يبلغ عدد آياتها مائة وتسعا وعشرين‏(129),‏ وهذا ما يجعلها سادس أطول سور الكتاب العزيز‏.‏ وسورة‏'‏ التوبة‏'‏ من أواخر السور التي أنزلت علي رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ إذ أنزلت في السنة التاسعة من الهجرة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم‏(‏ التوبة‏)‏ لورود هذه الكلمة ومشتقاتها في اثنتي عشرة آية من آياتها‏.‏ كذلك سميت هذه السورة باسم‏(‏ براءة‏)‏ وهي الكلمة التي استهلت بها‏,‏ وسميت بأسماء أخري منها‏:(‏ لفاضحة‏)‏ و‏(‏ المخزية‏)‏ و‏(‏ المتبرة‏)‏ أي المهلكة‏,‏ و‏(‏المنكلة‏),‏ و‏(‏سورة العذاب‏);‏ وذلك لفضحها للمنافقين‏,‏ ولكونها المهلكة لهم‏,‏ والمنكلة بهم‏,‏ والواصفة لعذابهم‏,‏ كذلك سميت باسم‏(‏ المحفزة‏)‏ أو‏(‏ الحافزة‏)‏ لتحفيزها المؤمنين علي الجهاد في سبيل الله من أجل إعلاء دينه‏.‏
ولم تستفتح سورة‏'‏ التوبة‏'‏ بالبسملة‏,‏ لأن‏(‏ البسملة‏)‏ رحمة من الله‏-‏ تعالي‏-‏ والسورة تبدأ بإعلان من الله‏-‏ سبحانه وتعالي‏-‏ ومن خاتم أنبيائه ورسله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ بالبراءة من المشركين‏,‏ ورحمة الله لا تلتقي أبدا مع البراءة من ذمة الله وذمة خاتم أنبيائه ورسله‏.‏
ويدور المحور الرئيسي لسورة‏'‏ التوبة‏'‏ حول عدد من التشريعات الإسلامية المتعلقة بالجهاد في سبيل الله‏,‏ وبمصارف الزكاة‏,‏ والحاكمة للعلاقة بين المسلمين وبين كل من المشركين والمنافقين في كل من المجتمعات المسلمة وغير المسلمة‏.‏ كذلك أشارت السورة الكريمة إلي هجرة رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ ذلك الحدث الذي غير وجه التاريخ بالكامل‏,‏ لأنه كان العامل الرئيسي غنشاء دولة المسلمين بالمدينة والتي منها انطلق الفتح الإسلامي ليشمل نصف الكرة الأرضية في أقل من قرن من الزمان‏,‏ ويقيم أعظم حضارة في تاريخ الإنسانية لأنها كانت أكمل الحضارات لجمعها بين الدنيا والآخرة في معادلة واحدة‏,‏ كما كانت أطول الحضارات الإنسانية فيما نعلم‏.‏
هذا وقد سبق لنا استعراض سورة‏'‏ التوبة‏'‏ وما جاء فيها من التشريعات والعقائد الإسلامية‏,‏ والإشارات الكونية والإنبائية‏,‏ ونركز هنا علي أوجه الإعجاز التربوي في هجرة رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ وصاحبه أبي بكر الصديق‏-(‏ رضي الله عنه وأرضاه‏)‏ وفي الآية الكريمة التي اخترناها عنوانا لهذا المقال‏.‏
من اسباب نزول هذه الآية الكريمة‏:‏
لما رجع رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ من غزوة حنين بالطائف‏,‏ أمر المسلمين بالنفير العام لغزوة تبوك‏,‏ ردا علي تجمع جيوش الروم في أقصي الجنوب من بلاد الشام علي أطراف الجزيرة العربية‏,‏ وردا علي ما كان هرقل ملك الروم قد قرره من دفع رواتب جنده لمدة سنة مقدما تشجيعا لهم علي مقاتلة المسلمين‏,‏ وبعد أن انضم لهم عدد من قبائل العرب في شمال الجزيرة إلي قوات الروم‏,‏ كان منهم قبائل كل من لخم‏,‏ وجذام‏,‏ وعاملة‏,‏ وغسان‏,‏ وتقدمت القوات الرومانية وحلفاؤها إلي أرض البلقاء من بلاد الأردن الحالية‏.‏
ومن أجل مواجهة هذه القوات الغازية وحلفائها استنفر رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ الناس إلي قتال الروم‏.‏ وكان هذا الرسول القائد‏-‏ صلوات ربي وسلامه عليه‏-‏ قلما يخرج إلي غزوة دون التورية بغيرها‏,‏ إلا ما كان من غزوة تبوك‏,‏ فقد صرح بها لبعد الشقة وشدة الحر‏,‏ وكان قد اندس في صفوف المسلمين نفر من المنافقين يحاولون تخذيلهم عن القتال‏,‏ ويخوفونهم من أعداد وعدة الروم وحلفائهم‏,‏ ومن طول الطريق إليهم في قيظ مهلك‏,‏ وندرة للماء والغذاء‏.‏ وأخذ هؤلاء المنافقون يرغبون المسلمين في حياة الأمن والدعة والمال والظلال‏,‏ فنزلت هذه الآية الكريمة مذكرة بخروج رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ من مكة ليلة الهجرة‏,‏ وقد تآمرت قريش لقتله فأطلعه الله سبحانه وتعالي‏-‏ علي ما تآمروا به عليه‏,‏ وأمره بالخروج‏,‏ فخرج وحيدا إلا من صاحبه الصديق‏.‏ فنصره الله عليهم‏,‏ وأخرجه سالما من بين أظهرهم‏,‏ وقوتهم المادية التي تفوق إمكاناته المادية بكثير‏,‏ فكانت الهزيمة والذل والصغار من نصيبهم‏,‏ وكان العز والانتصار لرسول الله وصاحبه‏,‏ علي الرغم من خلو أيديهم من السلاح‏,‏ وذلك كي لا يهيب أصحاب الحق أهل الباطل أبدا مهما بلغت أعدادهم وإمكاناتهم المادية لأنه لا سلطان في هذا الوجود لغير الله‏-‏ سبحانه وتعالي‏-‏ ولذلك فمن توكل عليه حق التوكل وجب له نصر الله‏,‏ فأولياء الله لا يذلون أبدا لأن الله العزيز قد تعهد لهم بنصره‏,‏ والله الحكيم يقدر النصر لمن يستحقه‏.‏
من هنا كان علي المسلمين مدارسة الهجرة النبوية الشريفة في كل عام‏,‏ واستخلاص الدروس والعبر من أحداثها‏,‏ ومن أبرزها اليقين في نصر الله لعباده المؤمنين به الموحدين لذاته العلية‏,‏ والمنزهين له عن جميع صفات خلقه وعن كل وصف لا يليق بجلاله‏:‏
من الإعجاز التربوي في هجرة رسول الله‏-‏صلي الله عليه وسلم‏-‏
كانت هجرة رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ انتقالا بالمسلمين من مرحلة الاستضعاف والاضطهاد إلي مرحلة القوة والعزة والمنعة‏,‏ وإذا كان مسلمو اليوم قد عادوا إلي مرحلة الاستضعاف والاضطهاد والإيذاء في دورة من دورات الزمن‏,‏ فما أحوجهم إلي إعادة مدارسة حدث الهجرة النبوية‏,‏ وما فيه من الدروس والعبر‏,‏حتي يعاودوا نهضتهم من جديد‏,‏ ويقوموا بدورهم الرائد في قيادة البشرية كما قادها أسلافهم من قبل‏.‏
ففي فجر الجمعة الموافق‏27‏ من شهر صفر سنة‏14‏ من البعثة النبوية الشريفة‏(‏ الموافق‏13‏ من شهر سبتمبر سنة‏622‏ م‏)‏ هاجر رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ وصاحبه أبو بكر الصديق‏_‏ رضي الله عنه‏_‏ من مكة المكرمة إلي المدينة المنورة‏,‏ انصياعا لأمر الله‏_‏ تعالي‏_‏ بعد ثلاث وخمسين سنة قضاها رسول الله في مكة‏,‏ ولم يكن سهلا علي نفسه الشريفة مغادرة مهبط رأسه‏,‏ وأحب البلاد إلي قلبه لولا نزول أمر الله إليه بذلك‏.‏
وكان في هذا الحدث العظيم كم هائل من الدروس التربوية التي يجب علي كل مسلم ومسلمة استرجاعها في كل احتفال بهذه الذكري المباركة حتي تتحقق الفوائد المرجوة من هذا الاحتفال‏.‏ ومن هذه الدروس ما يلي‏:‏
أولا‏:‏ من أبرز الدروس التربوية المستفادة من هجرة رسول الله ضرورة أن يكون المسلم صادق الإيمان بربه‏,‏ متوكلا عليه حق التوكل‏,‏ باذلا من جهده وماله وفكره في سبيل نصرة دين الله أقصي ما يملك‏,‏ ومتحركا من أجل تحقيق ذلك حركة خالصة لوجه الله‏_‏ تعالي‏_‏ مضحيا بالنفس والنفيس‏,‏ واثقا من نصر الله‏,‏ ومبشرا بقرب تحققه إن شاء الله‏.‏
ثانيا‏:‏ مع الإيمان بحقيقة الأخوة الإنسانية لا بد من التسليم بحتمية الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل‏:‏
إن الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل سنة من سنن الحياة الدنيا‏,‏ وهذا الصراع لا يبدأه أهل الحق‏,‏ بل هو مفروض عليهم‏,‏ وللتدليل علي ذلك نستعرض واقع مكة المكرمة قبل الهجرة مباشرة‏:‏
فقد رأي كفار ومشركو قريش أن انتشار الإسلام في يثرب‏,‏ وخروج مسلمي مكة إليها‏,‏ واستقرارهم بها بعد أن أقبل أهلها علي الإسلام زرافات ووحدانا‏,‏ حتي لم يبق بيت من بيوت الأنصار إلا وفيه عدد من المسلمين‏.‏ ورأي كفار ومشركو قريش في ذلك المد الإسلامي بيثرب تمهيدا لخروج رسول الله إليها‏,‏ وتحركه بالدعوة إلي دين الله بحرية كاملة بعد أن كانوا قد جاروا عليه وعلي الذين آمنوا بدعوته جورا فاجرا‏,‏ وقد أدركوا أن قوة حجته‏,‏ وروعة بيانه‏,‏ وصدق دعوته وتفاني أصحابه في حبه‏,‏ كل ذلك كان كفيلا بجمع قبائل العرب حوله‏,‏ وأن ذلك يشكل خطرا كبيرا عليهم‏.‏ لذلك دعوا إلي اجتماع في دار الندوة حضره عدد من صناديدهم‏,‏ وبعد تداول الأمر تكلم في هذا الاجتماع‏'‏ أبو البحتري بن هشام‏'‏ فاقترح حبس رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ حتي الموت فرفض اقتراحه خشية أن تعيرهم العرب بذلك‏,‏ واقترح‏'‏ الأسود بن عمرو‏'‏ نفيه إلي خارج مكة‏,‏ فردوا عليه قائلين‏:‏ ليس هذا برأي‏,‏ ألم تروا حسن حديثه‏,‏ وقوة منطقه‏,‏ فإذا حل عند قوم لا يلبث أن يستولي علي نفوسهم‏,‏ ويحل في سويداء قلوبهم؟ بعد ذلك تحدث‏'‏ أبو جهل‏'(‏ عمرو بن هشام زعيم بني مخزوم من قريش‏)‏ قائلا‏:‏ أري أن نأخذ من كل قبيلة فتي‏,‏ شابا‏,‏ جليدا‏,‏ نسيبا‏,‏ وسيطا فينا‏,‏ ثم نعطي كل واحد منهم سيفا صارما‏,‏ ويذهبون حيث محمد‏,‏ فيضربونه بها ضربة رجل واحد‏,‏ فيتفرق دمه في القبائل كلها‏,‏ فلا يستطيع‏'‏ بنو عبد مناف‏'‏ قتال الجميع‏,‏ فرضوا منا بالعقل‏(‏ أي‏:‏ الدية‏)‏ فعقلناه لهم‏,‏ فاستحسن الحضور الرأي‏,‏ وقرروا إخراجه إلي حيز التنفيذ‏.‏ وعلي الفور أوحي الله‏_‏ تعالي‏_‏ إلي خاتم أنبيائه ورسله‏_‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ بتفاصيل المؤامرة التي أنزل بشأنها قرآنا يتلي إلي يوم الدين يقول فيه ربنا‏_‏ تبارك وتعالي‏-:‏
وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين‏,‏ الأنفال‏:30].‏
وهذا الموقف يمثل صورة من صور الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل‏,‏ وهو صراع بدأ بقتل قابيل لأخيه هابيل‏,‏ واستمر إلي وقتنا الراهن‏,‏ وسوف يبقي حتي قيام الساعة‏.‏ من هنا كان واجبا علي أهل الحق ألا يغفلوا أبدا عن تآمر أهل الباطل عليهم في كل زمان وفي كل مكان وأن يأخذوا حذرهم من ذلك التآمر باستمرار حتي لا يؤخذون علي غرة من أهل الباطل أبدا‏.‏
ثالثا‏:‏ ضرورة إحكام التخطيط لكل أمر‏:‏
بعد انتشار الإسلام في يثرب إثر بيعتي العقبة الأولي والثانية‏,‏ أمر رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ مسلمي مكة بالهجرة إليها قائلا لهم‏:'‏ إن الله‏_‏ عز وجل‏_‏ جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون بها‏,‏ فخرجوا إليها‏,‏ وبقي رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ بمكة ينتظر الإذن من الله‏-‏ تعالي‏_‏ بالهجرة إلي المدينة وبقي معه كل من أبي بكر وعلي بن أبي طالب وعدد من ضعفاء المسلمين‏.‏
وعندما جاء أمر الله‏_‏ سبحانه وتعالي‏_‏ إلي خاتم أنبيائه ورسله بالهجرة بدأ‏_‏ عليه الصلاة والسلام‏_‏ بالإعداد لذلك‏,‏ آخذا بكل ما لديه من الأسباب‏,‏ فكتم موعدها حتي عن صاحبه الذي أخبره الله‏_‏ تعالي‏_‏ أنه سوف يرافقه في هجرته‏,‏ إلا أن الرسول‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ أمر أبا بكر بإعداد الدليل الماهر بالطريق‏,‏ وترتيب أمور تموين الرحلة‏,‏ فابتاع أبو بكر راحلتين‏,‏ وأخذ يهيئهما للرحلة الطويلة‏.‏ كذلك كان رسول الله‏-‏صلي الله عليه وسلم‏-‏ قد عهد إلي ابن عمه علي بن أبي طالب أن يبيت في فراشه‏,‏ حتي يرد ما كان عند رسول الله من أمانات لكفار ومشركي قريش‏,‏ وهو درس في أداء الأمانة لمن ائتمنك حتي ولو كان كافرا أو مشركا‏,‏ يجب أن يتعلمه كل مسلم ومسلمة‏.‏
وفي ساعة القيلولة من اليوم السابق علي الهجرة خرج رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ لإخبار أبي بكر بالإذن الإلهي بالهجرة‏,‏ وتروي أم المؤمنين السيدة عائشة‏_‏ رضي الله عنها‏_‏ في حديثها عن تلك الزيارة المفاجئة قائلة‏:'‏ كان رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ لا يخطئ أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار‏,‏ إما بكرة وإما عشية‏,‏ حتي إذا كان ذلك اليوم الذي أذن الله فيه لرسوله‏-‏ صلوات ربي وسلامه عليه‏-‏ بالهجرة والخروج من مكة من بين ظهراني قومه‏,‏ أتانا رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ بالهاجرة في ساعة كان لا يأتي فيها‏,‏ فلما رآه أبو بكر قال‏:‏ ما جاء رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ هذه الساعة إلا لأمر حدث‏.‏ فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره‏,‏ فجلس رسول الله‏_‏ صلوات ربي وسلامه عليه‏_‏ وليس عند أبي بكر إلا أنا وأختي أسماء‏,‏ فقال رسول الله‏-‏صلي الله عليه وسلم‏-:(‏ أخرج عني من عندك‏)‏ فقال أبو بكر‏:‏ يا رسول الله‏!‏ إنما هما ابنتاي‏,‏ وما ذاك فداك أبي وأمي؟ فقال رسول الله‏:(‏ إن الله قد أذن لي بالخروج والهجرة‏)‏ فقال أبو بكر‏'‏ الصحبة يا رسول الله‏,‏ قال‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-:(‏ الصحبة‏).‏ وتضيف أم المؤمنين قولها‏:‏ فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من شدة الفرح حتي رأيت أبا بكر يبكي يومئذ‏..'.‏
وعلي الفور اتصل أبو بكر بالدليل الذي كان قد اتفق معه ليصحبهما في الرحلة إلي المدينة‏,‏ وأمر ابنه عبد الله أن يعد نفسه لجمع أخبار أهل مكة ونقلها إليهما‏,‏ وأمر خادمه عامر بن فهيرة أن يستعد لرعي الغنم ليعفو علي آثارهما إذا تحركا‏,‏ وكان قد درب ابنته أسماء‏_‏ رضي الله عنها‏_‏ علي حمل الطعام والشراب وعلي تسلق الجبال لإيصاله إليهما حيثما يكونا‏.‏ وكان هذا الإعداد درسا في حسن التخطيط يجب أن يحتذي به المسلمون في كل أمر من أمورهم‏.‏
هذا وسوف نواصل استعراض بقية الدروس التربوية المستقاة من الهجرة النبوة الشريفة في المقالات القادمة إن شاءالله‏.‏

المزيد من مقالات د. زغلول النجار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.