عباس شراقي: فيضانات السودان غير المعتادة بسبب تعطل توربينات سد النهضة    البداية الرقمية للنقل الذكي في مصر.. تراخيص إنترنت الأشياء للمركبات تدخل حيز التنفيذ    وزير الإسكان: بدء تصنيف حالات الإيجار القديم وفق شرائح الدخل    لماذا كل هذه العداء السيساوي لغزة.. الأمن يحاصر مقر أسطول الصمود المصري واعتقال 3 نشطاء    مقتل شخص وإصابة 15 في هجوم روسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية    تشكيل منتخب مصر أمام نيوزيلندا في كأس العالم للشباب    سلوت عن جلوس صلاح على مقاعد البدلاء أمام جالاتا سراي: رفاهية الخيارات المتعددة    خطة إطاحة تتبلور.. مانشستر يونايتد يدرس رحيل أموريم وعودة كاريك مؤقتا    مصرع 7 عناصر إجرامية وضبط كميات ضخمة من المخدرات والأسلحة في مداهمة بؤرة خطرة بالبحيرة    الأرصاد: الخريف بدأ بطقس متقلب.. واستعدادات لموسم السيول والأمطار    مفتي الجمهورية يبحث مع وفد منظمة شنغهاي آليات التعاون ضد التطرف والإسلاموفوبيا    مواقيت الصلاة فى أسيوط غدا الأربعاء 1102025    ماجد الكدوانى ومحمد على رزق أول حضور العرض الخاص لفيلم "وفيها ايه يعنى".. صور    أمين الفتوى: احترام كبار السن أصل من أصول العقيدة وواجب شرعي    ولي العهد يتسلم أوراق اعتماد سفراء عدد من الدول الشقيقة والصديقة المعينين لدى المملكة    محافظ القاهرة يناقش ملف تطوير القاهرة التراثية مع مستشار رئيس الجمهورية    من القلب للقلب.. برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    بعد رصد 4 حالات فى مدرسة دولية.. تعرف علي أسباب نقل عدوى HFMD وطرق الوقاية منها    جارناتشو يقود هجوم تشيلسى ضد بنفيكا فى ليلة مئوية البلوز    البورصة المصرية.. أسهم التعليم والخدمات تحقق أعلى المكاسب بينما العقارات تواجه تراجعات ملحوظة    هل يجوز للمرأة اتباع الجنازة حتى المقابر؟ أمين الفتوى يجيب.. فيديو    "أنا حاربت إسرائيل".. الموسم الثالث على شاشة "الوثائقية"    أحمد موسى: حماس أمام قرار وطنى حاسم بشأن خطة ترامب    محافظ قنا يسلم عقود تعيين 733 معلمًا مساعدًا ضمن مسابقة 30 ألف معلم    داعية: تربية البنات طريق إلى الجنة ووقاية من النار(فيديو)    نقيب المحامين يتلقى دعوة للمشاركة بالجلسة العامة لمجلس النواب لمناقشة مشروع قانون "الإجراءات الجنائية"    بلاغ ضد فنانة شهيرة لجمعها تبرعات للراحل إبراهيم شيكا خارج الإطار القانوني    "الرعاية الصحية" تطلق 6 جلسات علمية لمناقشة مستقبل الرعاية القلبية والتحول الرقمي    البنك الزراعي المصري يحتفل بالحصول على شهادة الأيزو ISO-9001    محمود فؤاد صدقي يترك إدارة مسرح نهاد صليحة ويتجه للفن بسبب ظرف صحي    مصر تستضيف معسكر الاتحاد الدولي لكرة السلة للشباب بالتعاون مع الNBA    بدر محمد: تجربة فيلم "ضي" علمتنى أن النجاح يحتاج إلى وقت وجهد    «العمل» تجري اختبارات جديدة للمرشحين لوظائف بالأردن بمصنع طوب    بعد 5 أيام من الواقعة.. انتشال جثمان جديد من أسفل أنقاض مصنع المحلة    المبعوث الصينى بالأمم المتحدة يدعو لتسريع الجهود الرامية لحل القضية الفلسطينية    اليوم.. البابا تواضروس يبدأ زيارته الرعوية لمحافظة أسيوط    حسام هيبة: مصر تفتح ذراعيها للمستثمرين من جميع أنحاء العالم    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 رسميًا.. قرار من مجلس الوزراء    الأمم المتحدة: لم نشارك في وضع خطة ترامب بشأن غزة    انتشال جثمان ضحية جديدة من أسفل أنقاض مصنع البشبيشي بالمحلة    وفاة غامضة لسفير جنوب أفريقيا في فرنسا.. هل انتحر أم اغتاله الموساد؟    برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    لطلاب الإعدادية والثانوية.. «التعليم» تعلن شروط وطريقة التقديم في مبادرة «أشبال مصر الرقمية» المجانية في البرمجة والذكاء الاصطناعي    تعليم مطروح تتفقد عدة مدارس لمتابعة انتظام الدراسة    التقديم مستمر حتى 27 أكتوبر.. وظائف قيادية شاغرة بمكتبة مصر العامة    كونتي: لن أقبل بشكوى ثانية من دي بروين    «مش عايش ومعندهوش تدخلات».. مدرب الزمالك السابق يفتح النار على فيريرا    «الداخلية»: تحرير 979 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة ورفع 34 سيارة متروكة بالشوارع    احذر من توقيع العقود.. توقعات برج الثور في شهر أكتوبر 2025    عرض «حصاد» و «صائد الدبابات» بمركز الثقافة السينمائية في ذكرى نصر أكتوبر    بيدري يعلق على مدح سكولز له.. ومركزه بالكرة الذهبية    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر يحدد ضوابط التعامل مع وسائل التواصل ويحذر من انتحال الشخصية ومخاطر "الترند"    قافلة طبية وتنموية شاملة من جامعة قناة السويس إلى حي الجناين تحت مظلة "حياة كريمة"    انكماش نشاط قناة السويس بنحو 52% خلال العام المالي 2024-2025 متأثرا بالتوترات الجيوسياسيّة في المنطقة    ضبط 5 ملايين جنيه في قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    التحقيق مع شخصين حاولا غسل 200 مليون جنيه حصيلة قرصنة القنوات الفضائية    السيسي يجدد التأكيد على ثوابت الموقف المصري تجاه الحرب في غزة    الأهلي يصرف مكافآت الفوز على الزمالك في القمة للاعبين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أسرار القرآن 344‏
‏(‏قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض‏.)‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 15 - 05 - 2010

هذا النص القرآني الكريم جاء في أواخر سورة الكهف‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ وآياتها مائة وعشر‏(110)‏ بعد البسملة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي أصحاب الكهف‏,‏ وهم فتية مؤمنون بربهم‏. في زمن ساد فيه الشرك بالله‏,‏ والخروج علي أوامره‏,‏ لذلك فروا بدينهم ولجأوا إلي غار في أحد الجبال المحيطة بمدينتهم‏,‏ وبقوا في هذا الغار ثلاثمائة وتسعا من السنين القمرية‏,‏ وبعد هذه الغيبة الطويلة عن الحياة من حولهم بعثهم الله تعالي بمعجزة تشهد له سبحانه وتعالي بأنه علي كل شيء قدير‏.‏
ويدور المحور الرئيسي لسورة الكهف حول قضية العقيدة الإسلامية شأنها في ذلك شأن كل السور المكية وللتأكيد علي ذلك أوردت هذه السورة المباركة ثلاث قصص‏,‏ وضربت ثلاثة أمثال من أجل استخلاص الدورس والعبر منها‏,‏ وكانت أولي هذه القصص الثلاث هي قصة أصحاب الكهف‏,‏ وكانت ثانيتها قصة نبي الله موسي والعبد الصالح‏,‏ وكانت ثالثتها قصة ذي القرنين‏.‏ وكذلك كان أول الأمثال مثل الغني المغتر بماله والفقير المعتز بإيمانه بربه‏,‏ وجاء المثل الثاني للتأكيد علي مرحلية الحياة الدنيا وعلي حتمية فنائها‏,‏ وشبه المثل ذلك بدورة إنبات النبات بعد نزول المطر‏,‏ وإثماره ونضجه‏,‏ ثم جنيه أو حصاده‏,‏ ثم جفافه وتهشمه حتي تذروه الرياح‏,‏ وضرب المثل الثالث علي عاقبة التكبر والغرور اللذين أصابا إبليس اللعين بالطرد من الجنة‏,‏ وحرمانه من رحمة الله جزاء عصيان أمر ربه‏,‏ وامتناعه عن السجود لأبينا آدم عليه السلام وقد أمره ربنا تبارك وتعالي بذلك‏.‏
هذا‏,‏ وقد سبق لنا استعراض سورة الكهف‏,‏ وما جاء فيها من ركائز العقيدة والإشارات الكونية والتاريخية‏,‏ ونركز هنا علي ومضة الإعجاز الإنبائي والتاريخي في إشارة القرآن الكريم إلي يأجوج ومأجوج‏,‏ وهما أمتان من البشر‏,‏ من ذرية آدم‏,‏ تتميزان بالكثرة في العدد وبالعدوانية في الطبع والرغبة في الافساد في الأرض‏,‏ والاسمان أعجميان‏,‏ قال فيهما حمدي بن حمزة الجهني‏,‏ أن معناهما في اللغة الصينية‏(‏ سكان قارة آسيا وسكان قارة الخيل‏).‏
أولا‏:‏ يأجوج ومأجوج في القرآن الكريم‏:‏
جاء ذكر يأجوج ومأجوج في موضعين من كتاب الله وذلك علي النحو التالي‏:‏
‏(1)‏ (‏ حتي إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا‏,‏ قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا علي أن تجعل بيننا وبينهم سدا‏)[‏ الكهف‏:94,93)‏
وكان السدان عبارة عن حاجزين صناعيين‏,‏ أو طبيعيين‏(‏ علي هيئة سلاسل من الجبال المتواصلة يمنة ويسرة حتي تصل البحر‏)‏ وكانا موجودين قبل مجيء ذي القرنين لأولئك القوم‏,‏ ولكن كانت بينهما فجوة يمر منها يأجوج ومأجوج إلي ما جاورهم من الناس‏,‏ فيعدون عليهم قتلا‏,‏ وسلبا‏,‏ ونهبا‏,‏ وتخريبا وتدميرا وإفسادا في الأرض‏,‏ فلما وصل اليهم ذو القرنين شكوا إليه ما يلقون من يأجوج ومأجوج وطلبوا منه أن يجعل بينهما سدا‏,‏ وجاء رد ذي القرنين علي النحو التالي‏:(‏ قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما‏,‏ آتوني زبر الحديد حتي إذا ساوي بين الصدفين قال انفخوا حتي إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا‏,‏ فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا‏,‏ قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا‏,(‏ الكهف‏:95‏ 98)‏
‏(2)‏ (‏ حتي إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون‏,),‏ و‏(‏حدب‏)‏ هو المكان المرتفع من الأرض‏(‏ ينسلون‏)‏ أي يسرعون الخطي في المشي أو يركضون‏.(‏ الانبياء‏:96)‏
ثانيا‏:‏ يأجوج ومأجوج في أحاديث رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):‏
جاء ذكر يأجوج ومأجوج في أقوال رسول الله صلي الله عليه وسلم وذلك في الأحاديث التالية‏:‏
‏1‏ أخرج كل من الائمة أحمد والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال‏:(‏ إن يأجوج ومأجوج يحفرون كل يوم‏,‏ حتي إذا كادوا يرون شعاع الشمس‏,‏ قال الذي عليهم‏:‏ ارجعوا فسنحفره غدا‏,‏ فيعيده الله أشد ماكان‏,‏ حتي إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم علي الناس‏,‏ حفروا حتي إذا كادوا يرون شعاع الشمس‏,‏ قال الذي عليهم‏:‏ ارجعوا فستحفرونه غدا‏,‏ إن شاء الله تعالي‏:‏ واستثنوا‏,‏ فيعودون إليه‏,‏ وهو كهيئته حين تركوه‏,‏ فيحفرونه ويخرجون علي الناس فينشفون الماء‏,‏ ويتحصن الناس منهم في حصونهم‏,‏ فيرمون بسهامهم الي السماء‏,‏ فترجع عليها الدم أجفظ‏,‏ فيقولون‏:‏ قهرنا أهل الأرض‏,‏ وعلونا أهل السماء‏,‏ فيبعث الله نغفا في أقفائهم فيقتلهم بها والنغف هو الدود الصغير‏.‏ قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :‏ والذي نفسي بيده إن دواب الأرض لتسمن وتشكر شكرا من لحومهم‏(‏ ابن ماجه‏/‏ حديث رقم‏4080).‏
‏2‏ كذلك أخرج الإمام ابن ماجه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال‏:‏ لما كان ليلة أسري برسول الله صلي الله عليه وسلم ولقي إبراهيم وموسي وعيسي‏,‏ فتذكروا الساعة‏,‏ فبدأوا بإبراهيم فسألوه عنها‏,‏ فلم يكن عنده منها علم‏,‏ ثم سألوا موسي‏,‏ فلم يكن عنده منها علم‏,‏ فرد الحديث الي عيسي ابن مريم فقال‏:‏ قد عهد الي فيما دون وجبتها‏,‏ فأما وجبتها فلا يعلمها إلا الله‏.‏ فذكر خروج الدجال‏,‏ قال‏:‏ فأنزل فأقتله‏,‏ فيرجع الناس الي بلادهم فيستقبلهم يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون‏,‏ فلا يمرون بماء إلا شربوه‏,‏ ولا بشيء إلا أفسدوه‏,‏ فيجأرون إلي الله‏,‏ فأدعو الله أن يميتهم‏,‏ فتنتن الأرض من ريحهم‏,‏ فيجأرون إلي الله‏,‏ فأدعو الله‏,‏ فيرسل السماء بالماء‏,‏ فيحملهم فيلقيهم في البحر‏.‏ ثم تنسف الجبال‏,‏ وتمد الأرض مد الأديم‏,‏ فعهد الي‏:‏ متي كان ذلك‏,‏ كانت الساعة من الناس كالحامل التي لا يدري أهلها متي تفجؤهم بولادها‏.‏
قال العوام‏:‏ ووجد تصديق ذلك في كتاب الله تعالي حيث يقول‏(‏ حتي إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون‏)(‏ الانبياء‏:96)‏
‏3‏ أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن حرملة بن يحيي‏..‏ عن أم المؤمنين السيدة زينب بنت جحش قالت‏:‏ خرج رسول الله صلي الله عليه وسلم يوما فزعا محمرا وجهه يقول لا إله إلا الله‏,‏ ويل للعرب من شر قد اقترب‏,‏ فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه‏,‏ وحلق بإصبعه الإبهام‏,‏ والتي تليها‏,‏ قالت فقلت‏:‏ يارسول الله‏!‏ أنهلك وفينا الصالحون؟ قال‏:‏ نعم إذا كثر الخبث‏(‏ كل من صحيحي البخاري ومسلم‏).‏
وقد كانت رؤيا رسول الله صلي الله عليه وسلم هذه منذ أكثر من أربعة عشر قرنا‏,‏ وقد وقعت غارات التتار بعدها بأكثر من ستة قرون‏,‏ ودمرت دولة الخلافة العباسية علي يد هولاكو في خلافة المعتصم آخر ملوك العباسيين‏(‏ وكان ذلك في سنة‏656‏ ه‏/1258‏ م‏)‏ وقد يكون في ذلك تعبير رؤيا رسول الله صلي الله عليه وسلم حتي أمكن تجاوزه فإذا رأي الناس يأجوج ومأجوج عرفوا أن الردم قد اندك‏.‏
‏4‏ أخرج الإمام أحمد عن حذيفة بن أسيد الغفاري ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال‏:‏ لن تقوم الساعة حتي تروا قبلها عشر آيات‏:‏ وذكر الدخان‏,‏ والدجال‏,‏ والدابة‏,‏ وطلوع الشمس من مغربها‏,‏ ونزول عيسي ابن مريم‏,‏ وفتح يأجوج ومأجوج‏,‏ وثلاثة خسوف‏:‏ خسوف بالمشرق‏,‏ وخسوف بالمغرب‏,‏ وخسف بجزيرة العرب‏,‏ ونار تخرج من قعر عدن‏(‏ صحيح الجامع‏/1635)‏ وفي رواية مسلم‏..‏ وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس الي محشرهم‏(‏ صحيح مسلم‏,2901)‏
ثالثا‏:‏ يأجوج ومأجوج في كتابات المفسرين
‏1‏ في شرحة لصحيح البخاري ذكر الفقيه الشيخ محمد انور الكشميري ت‏1352‏ه‏/1933‏ م ما نصه‏:‏ ان سد ذي القرنين قد اندك اليوم‏,‏ وليس في القرآن الكريم وعد ببقائه الي يوم خروج يأجوج ومأجوج‏,‏ ولا خبر يكونه مانعا لخروجهم‏,‏ ولكنه من تبادر الاوهام فقط‏,‏ فإن الله تعالي قال‏:‏ وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض‏...‏
وقال‏:‏ حتي إذا فتحت يأجوج ومأجوج‏..‏ الخ‏,‏ فلهم خروج مرة بعد مرة‏,‏ وقد خرجوا قبل ذلك ايضا‏,‏ وافسدوا في الارض بما يستعاذ منه‏.‏ نعم يكون لهم الخروج الموعود في آخر الزمان‏,‏ وذلك أشده‏,‏ وليس في القرآن الكريم ان هذا الخروج يكون عقب الاندكاك‏,‏ متصلا‏,‏ بل فيه وعد باندكاكه فقط‏,‏ فقد اندك كما وعد‏,‏ اما ان خروجهم موعود بعد اندكاكه‏,‏ بدون فصل فلا حرف فيه فيض الباري علي صحيح البخاري‏:23/4.‏
وقال الشيخ الكشميري رحمه الله في موضع آخر من كتابه ما نصه ولم يذكر في القرآن الكريم لفظ الخروج من هذا السد قط‏,‏ ولما ذكر في سورة الانبياء قول ربنا تبارك وتعالي :‏ حتي اذا فتحت يأجوج ومأجوج‏...‏ لم يذكر السد‏,‏ والردم‏,‏ فكان الخروج لعمومهم فيض الباري علي صحيح البخاري‏:26/4.‏
‏2‏ ذكر الامير شكيب ارسلان رحمه الله في كتابه المعنون حاضر العالم الاسلامي ان يأجوج ومأجوج هم المجار وهم المغول واعتمد في ذلك الاستنتاج علي غزواتهم المتكررة لبلاد الإفرنج‏,‏ واندفاعهم اليها حتي وصلوا الي فرنسا‏,‏ وملأوا ارضها تدميرا وفسادا وخرابا‏.‏
واعتمد هذا الامير في استنتاجه ايضا علي غارة التتار المغول الذين اعتبرهم من نسل يأجوج ومأجوج علي العالم الاسلامي في القرن السابع الهجري الثالث عشر الميلادي وما احدثوه من خراب ودمار‏,‏ ونهب وقتل وسبي وغير ذلك من صور الافساد في الارض‏.‏ واستعراض ذلك يسهل تصور امكانية حصول ذلك منهم مرة اخري قبل مجيء الساعة‏,‏ ويصف القرآن الكريم هذا الخروج بقول ربنا تبارك وتعالي‏:‏ حتي إذا فتحت يأجوج ومأجوج‏....‏
‏3‏ وفي التعليق علي قول ربنا تبارك وتعالي‏:‏ حتي إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون‏,‏ واقترب الوعد الحق‏...‏ يذكر صاحب الظلال رحمه الله رحمة واسعة ان هذا النص لا يحدد زمانا معينا لخروج يأجوج ومأجوج‏,‏ فاقتراب الوعد الحق بمعني اقتراب الساعة قد وقع منذ زمن الرسول صلي الله عليه وسلم فجاء في القرآن الكريم‏/‏ قول ربنا تبارك وتعالي‏:‏ اقتربت الساعة وانشق القمر‏,‏ والزمان في الحساب الالهي غيره في حساب البشر‏,‏ فقد تمر بين اقتراب الساعة ووقوعها السنين او القرون‏,‏ يراها البشر طويلة مديدة‏,‏ وهي عند الله ومضه قصيرة‏,‏ واذن فمن الجائز ان يكون السد قد فتح في الفترة ما بين اقتربت الساعة ويومنا هذا وتكون غارات المغول والتتار التي اجتاحت الشرق هي صورة من صور انسياح يأجوج ومأجوج‏.‏
‏4‏ تري مجموعة من الكتاب المعاصرين ان تعبير يأجوج ومأجوج هو اسم علي كل كافر بالله او مشرك به‏,‏ من دعاة المادية والدهرية الذين يمثلون غالبية اهل الارض منذ البعثة المحمدية الشريفة الي اليوم‏,‏ وحتي قيام الساعة‏,‏ ويعتمدون في ذلك علي حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي اخرجه الامام البخاري عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم انه قال‏:‏ يقول الله تعالي :‏يا ادم فيقول‏:‏ لبيك وسعديك‏,‏ والخير في يديك‏,‏ فيقول الله تعالي :‏اخرج بعث النار‏,‏ قال ادم‏:‏ وما بعث النار؟ قال‏:‏ من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعين‏,‏ فعنده يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وتري الناس سكاري وما هم بسكاري ولكن عذاب الله شديد الحج‏:2‏ قالوا يا رسول الله‏!‏ وأينا ذاك الواحد؟ قال‏:‏ أبشروا فإن منكم رجل ومن يأجوج ومأجوج الف‏,‏ ثم قال‏:‏ والذي نفسي بيده اني ارجو ان تكونوا ربع اهل الجنة‏,‏ فكبرنا‏,‏ فقال‏:‏ ارجو ان تكونوا ثلث اهل الجنة فكبرنا‏,‏ فقال‏:‏ ارجو ان تكونوا نصف اهل الجنة فكبرنا‏,‏ فقال‏:‏ ما انتم في الناس الا كالشعرة السوداء في جلد ثور ابيض او كشعرة بيضاء في جلد ثور اسود‏:‏ صحيح البخاري‏:3348‏ 6530‏ 7483‏
وواضح من هذا الحديث الشريف ان جمهور بعث النار هم من يأجوج ومأجوج‏,‏ وهذا هو الذي دفع فريقا من الكتاب الي الاستنتاج بأن يأجوج ومأجوج ليسوا عرقا معينا من البشر‏,‏ ولكن هي حالة نفسية‏,‏ من الانانية‏,‏ والعنف‏,‏ والاستعلاء علي الخلق قد تصيب ايا من بني ادم‏,‏ كما اصابت كفار ومشركي اليهود في زماننا ومن قبل زماننا‏.‏
وجاء في الظلال رحم الله كاتبها ان سدا تم الكشف عنه علي مقربة من مدينة ترمذ عرف باسم باب الحديد وقد مر به في أوائل القرن الخامس عشر الميلادي العالم الالماني سيلد برجر وسجله في كتابه‏,‏ وكذلك ذكره المؤرخ الاسباني كلافيتجو في رحلته سنة‏1403‏ م‏,‏ وقال ان سد مدينة باب الحديد علي الطريق بين سمر قند والهند وقد يكون هو السد الذي بناه ذو القرنين‏.‏
وعلي اي حال فإن الجدل حول شخصية ذي القرنين‏,‏ وزمانه ومكانه‏,‏ وموضع الردم الذي بناه سيبقي دائرا حتي يحسمه الكشف الاثري الدقيق‏,‏ وكذلك سيبقي الجدل حول حقيقة يأجوج ومأجوج وتبقي اشارة القرآن الكريم الي قصة ذي القرنين مع القوم الذين بني لهم الردم الفاصل بينهم وبين يأجوج ومأجوج يبقي ذلك وجها من اوجه الاعجاز الانبائي والتاريخي في كتاب الله يشهد لهذا الكتاب العزيز بانه لا يمكن ان يكون صناعة بشرية‏,‏ لان احدا من اهل الجزيرة العربية في زمن الوحي لم يكن يعرف شيئا عن ذي القرنين او عن الردم الذي بناه هذا العبد الصالح‏,‏ او عن يأجوج ومأجوج‏.‏
فالحمد لله علي نعمة الاسلام‏,‏ والحمد لله علي نعمة القرآن‏,‏ والحمد لله علي بعثة خير الانام‏,‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته الي يوم الدين واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين‏.‏

المزيد من مقالات د. زغلول النجار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.