فوز طلاب فنون جميلة حلوان بالمركز الأول في مسابقة دولية مع جامعة ممفيس الأمريكية    أمين "حماة الوطن" يكشف عن استعدادات الحزب لانتخابات "الشيوخ"    رئيس النواب يفتتح الجلسة العامة لمناقشة مشروع الموازنة العامة للدولة    وصل ل 4900 جنيه.. سعر الذهب اليوم في مصر يرتفع بمنتصف تعاملات الأحد    أسعار البيض اليوم الأحد بالأسواق (موقع رسمي)    رئيس "اقتصادية النواب" يستعرض مشروع قانون ملكية الدولة    مجلس النواب يوافق على مشروع قانون تنظيم ملكية الدولة في الشركات    عاجل- السيسي يناقش مع مؤسسة التمويل الدولية دعم القطاع الخاص في ظل الأزمات الإقليمية    دمار هائل جنوب تل أبيب.. آثار القصف الإيراني على إسرائيل |فيديو وصور    طهران تؤكد استمرار الهجمات على إسرائيل وتصفها ب"الرد المشروع"    قتل نائبة وأصاب ثانيا.. مسلح يستهدف نواب أمريكا وقائمة اغتيالات تثير المخاوف    تدخل عاجل ل إمام عاشور بعد إصابته وخروجه من المونديال    محمد صلاح يحتفل بعيد ميلاده ال33 ب "تورتة صغيرة"    "برغوث بلا أنياب".. ميسي يفشل في فك عقدة الأهلي.. ما القصة؟    خطوط مميزة وهمية.. سقوط تشكيل عصابي للنصب على المواطنين في القاهرة    الداخلية تضبط 6 ملايين جنيه من تجار العملة    ماذا قالت إيمي سمير غانم عن أغنية "الحب وبس" ل فضل شاكر    يسري جبر يوضح تفسير الرؤيا في تعذيب العصاة    المؤتمر السنوي لمعهد البحوث الطبية يناقش الحد من تزايد الولادة القيصرية    لأول مرة عالميًا.. استخدام تقنية جديدة للكشف عن فقر الدم المنجلي بطب القاهرة    ضبط 59804 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة في حملات مكثفة على الطرق والمحاور    إيران تتهم أمريكا بالتورط في هجوم إسرائيل.. وتتوعد بالرد    إقبال كثيف على فعاليات مكتبة مصر العامة بالدقي خلال الأيام الماضية    حميد الشاعري يعود.. طرح برومو أغنيته المنتظرة «ده بجد ولا بيتهيألي»    «الزناتي» يفتتح أول دورة تدريبية في الأمن السيبراني للمعلمين    جامعة القاهرة تنظم أول ورشة عمل لمنسقي الذكاء الاصطناعى بكليات الجامعة ومعاهدها    ضبط أكثر من 5 أطنان دقيق في حملات ضد التلاعب بأسعار الخبز    محافظ أسيوط يشهد فعاليات اليوم العلمي الأول للتوعية بمرض الديمنشيا    تحرير 146 مخالفة للمحلات لعدم الالتزام بقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    ارتفاع سعر الدولار اليوم الأحد 15-6-2025 إلى 50.81 جنيه أمام الجنيه المصرى    استمرار القصف المتبادل.. ارتفاع عدد قتلى إسرائيل في اليوم الثالث للتصعيد مع إيران    البابا تواضروس يترأس قداس الأحد في العلمين    الأنبا إيلاريون أسقفا لإيبارشية البحيرة وتوابعها    السجن المشدد 7 سنوات لمتهم بتعاطى المخدرات في قنا    ضبط تشكيل عصابي تخصص في النصب على المواطنين بزعم توفير خطوط محمول مميزة بالقاهرة    اتحاد نقابات المهن الطبية: اليوم صرف معاشات يونيو 2025.. وندرس زيادتها    فيلم سيكو سيكو يحقق أكثر من ربع مليون جنيه إيرادات ليلة أمس    معهد وايزمان جنوب تل أبيب: تضرر عدد من منشآتنا جراء قصف إيرانى ليلة أمس    «أمي منعتني من الشارع وجابتلي أول جيتار».. هاني عادل يستعيد ذكريات الطفولة    بعد جهود استمرت 5 سنوات متحف سيد درويش بالإسكندرية ميلاد جديد لفنان الشعب    «فين بن شرقي؟».. شوبير يثير الجدل بشأن غياب نجم الأهلي أمام إنتر ميامي    اعتماد النظام الأساسى لاتحاد شركات التأمين المصرية    قرارات إزالة لمخالفات بناء وتعديات بالقاهرة وبورسعيد الجديدتين والساحل الشمالي    الأردن يعلن إعادة فتح مجاله الجوي بعد إجراء تقييم للمخاطر    أشرف داري: الحظ حرمنا من الفوز على إنتر ميامي    محافظ أسيوط يفتتح وحدتي فصل مشتقات الدم والأشعة المقطعية بمستشفى الإيمان العام    توافد طلاب الدقهلية لدخول اللجان وانطلاق ماراثون الثانوية العامة.. فيديو    حظك اليوم الأحد 15 يونيو وتوقعات الأبراج    وكيل الأزهر يشكِّل لجنة عاجلة لفحص شكاوى طلاب العلمي من امتحان الفيزياء    متى تبدأ السنة الهجرية؟ هذا موعد أول أيام شهر محرم 1447 هجريًا    الغارات الإسرائيلية على طهران تستهدف مستودعا للنفط    مجدي الجلاد: الدولة المصرية واجهت كل الاختبارات والتحديات الكبيرة بحكمة شديدة    اليوم.. الأزهر الشريف يفتح باب التقديم "لمسابقة السنة النبوية"    أصل التقويم الهجري.. لماذا بدأ من الهجرة النبوية؟    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    موعد مباراة الأهلي وإنتر ميامي والقنوات الناقلة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 15-6-2025 في محافظة قنا    كأس العالم للأندية 2025.. العجيزي يحذر لاعبي الأهلي قبل مواجهة إنتر ميامي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أسرار القرآن
‏342‏لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال‏...‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 01 - 05 - 2010

هذا النص القرآني الكريم جاء في مطلع الربع الثاني من سورة سبأ وهي سورة مكية‏,‏ وآياتها أربع وخمسون‏(54)‏ بعد البسملة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي قوم سبأ‏. وهم قبيلة من العرب سكنت بلاد اليمن في الجزء الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية في الألوف الخمسة الأولي قبل الميلاد‏,‏ وقد سميت هذه القبيلة باسم جدها‏(‏ سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان‏)‏ وهو من نسل النبي الصالح هود عليه السلام ,‏ وقد لقب بهذا الاسم لكثرة ما كان يسبي‏,‏ وكان أول من أخذ السبي من العرب‏.‏
ويدور المحور الرئيسي للسورة حول قضية العقيدة الإسلامية شأنها في ذلك شأن كل السور المكية‏.‏
هذا‏,‏ وقد سبق لنا استعراض سورة سبأ وما ورد فيها من ركائز العقيدة‏,‏ والإشارات العلمية والتاريخية‏,‏ ونركز هنا علي وجه الإعجاز التاريخي في ذكر القرآن الكريم لتلك الأمة الموغلة في التاريخ‏(‏ قبيلة سبأ‏)‏ و ما كانت ترفل فيه من نعيم مقيم‏,‏ وما كان منها من بناء سد مأرب وغيره من السدود مما وفر لها الزروع والثمار وازدهار الحياة الحيوانية والإنسية‏,‏ ثم أبطرتها النعمة‏,‏ ووسوست لها شياطين الإنس والجن فكفرت بأنعم الله‏,‏ وأشركا في عبادته الشمس والقمر والكواكب‏,‏ فعاقبها الله تعالي بتسخير‏:‏ سيل العرم عليه الذي هدم السد‏,‏ ودمر الزرع‏,‏ وأهلك الأحياء‏,‏ وشتت جمع القبيلة التي هاجر معظم أفخاذها إلي مناطق أخري من بلاد العرب حتي أصبحوا أحاديث في أفواه غيرهم من الأمم‏,‏ وقد تم إثبات ذلك أخيرا من دراسة آثارهم التي تثبت أن العرب هم أصل الساميين جميعا‏.‏
من أوجه الإعجاز التاريخي في ذكر القرآن الكريم لقبيلة سبأ‏:‏
جاء ذكر قبيلة سبأ في موضعين من كتاب الله علي النحو التالي‏:‏
‏(1)‏ وتفقد الطير فقال ما لي لا أري الهدهد أم كان من الغائبين‏,‏ لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين‏,‏ فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبإ يقين‏(‏ النمل‏:20‏ 22).‏
‏(2)‏ لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور‏,‏ فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل‏,‏ ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور‏,‏ وجعلنا بينهم وبين القري التي باركنا فيها قري ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين‏,‏ فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور‏,‏ ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين‏,‏ وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك علي كل شيء حفيظ‏(‏ سبأ‏:15‏ 22).‏
وقد سئل رسول الله صلي الله عليه وسلم عن سبأ ما هو؟ أرجل أم امرأة أم أرض؟ قال‏(‏ بل هو رجل‏,‏ ولد له عشرة‏,‏ فسكن اليمن منهم ستة‏,‏ وسكن الشام منهم أربعة‏,‏ فأما اليمانيون فمذحج وكندة‏,‏ والأزد‏,‏ والأشعريون‏,‏ وأنمار‏,‏ وحمير‏,‏ وأما الشامية ف لخم‏,‏ وجذام‏,‏ وعاملة‏,‏ وغسان‏).‏
وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن عروة بن مسيك قال‏:‏ قلت يا رسول الله‏:‏ أرأيت سبأ واد هو أم جبل أما هو؟ قال‏:‏ بل هو رجل من العرب‏...‏الحديث‏,‏ وهذا الحديث رواه كذلك كل من ابن أبي حاتم وابن جرير‏,‏ كما رواه الترمذي في جامعه الصحيح‏.‏
هذا‏,‏ وقد ورد اسم سبو‏(‏ سبأ‏)‏ في نقش سومري لملك لكش‏(‏ في حدود‏2500‏ ق‏.‏م‏)‏ وهذا الملك عاصر آخر ملوك أور‏,‏ وجاء في حوليات الملك الأشوري سرجون الثاني‏(‏ في حدود‏715‏ ق‏.‏م‏)‏ ذكر لملكة من ملكات سبأ تدعي سمسمي‏.‏
كذلك جاء ذكر سبأ في كتب الأولين ثلاث نقاط علي حرف السين‏(‏ شبأ‏=Seba),‏ كما جاء في كل من الكتابات اليونانية والرومانية القديمة‏,‏ فقد أشاد‏(‏ بليني الكبير‏)‏ بالنظم الزراعية وأنظمة الري التي اتبعها السبكيون‏,‏ وواصل استخدامها الحميريون من بعدهم‏,‏ وكان من أهم المشروعات التي أقاموها‏,‏ والآثار التي تركوها من ورائهم‏(‏ سد مأرب‏)‏ الذي كان سدا مائيا عظيما علي وادي ذنه بين جبلين‏,‏ في مأرب مما أدي إلي ازدهار الزراعة كما وكيفا في مملكة سبأ‏,‏ حتي قيل إن المرأة كانت تمشي تحت أشجار منطقة مأرب وما حولها وعلي رأسها مكتل‏(‏ زنبيل‏)‏ فتتساقط الثمار فيه من غير حاجة إلي قطاف أو كلفة لكثرة تلك الثمار ونضجها وهي علي أصولها‏.‏
كذلك قيل إنه من فضل الله تعالي عليهم لم يكن بمأرب شيء من الذباب أو البعوض أو البراغيث‏,‏ ولا شيء من الهوام‏,‏ وذلك لاعتدال المناخ وصحته‏,‏ ولذلك قال تعالي :‏ لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال‏...‏ أي علي جانبي الجبلين المحيطين بالسد‏,‏ وتستمر الآية بقول ربنا تبارك وتعالي :‏ كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور‏(‏ سبأ‏:15).‏
ثم جاء الشيطان وأغوي أهل سبأ بالانحراف عن توحيد الله تعالي ,‏ وعن عبادته بما أمر إلي الشرك بالله وعبادة الشمس والكواكب والقمر لتقربهم إلي الله زلفي‏,‏ فأرسل الله سبحانه وتعالي بقدرته عليهم‏(‏ سيل العرم‏)‏ بماء غزير شديد السرعة‏(‏ وهو من معاني كلمة العرم‏)‏ فدمرت السد‏,‏ وخربت الزراعة في الجنتين من حوله‏,‏ حتي تم استبدال أشجارها الغنية بثمارها‏,‏ أشجار الأراك والأثل‏(‏ الطرفاء‏)‏ وقليلا من أشجار النبق أو الدوم‏(‏ السدر‏),‏ وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالي :‏ فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل‏,‏ ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور‏(‏ سبأ‏:17,16).‏
وكان من نعم الله المنعم علي أهل سبأ في إسلامهم‏,‏ وهم من العرب العاربة‏,‏ أن عمر الأرض من حولهم فكانت قراهم متصلة آمنة‏,‏ وكذلك كانت مزارعهم مع كثرة أشجارها‏,‏ ووفرة ثمارها حتي أن مسافريهم ما كانوا يحتاجون إلي حمل زاد معهم من الطعام والشراب‏,‏ لأنهم كانوا يجدون الزاد حيث نزلوا من قرية إلي أخري‏,‏ علي طول الطريق من مأرب إلي بلاد الشام‏,‏ ولكنهم جحدوا ربهم بالشرك‏,‏ وبطروا نعمه العديدة عليهم حتي قالوا‏:(‏ ربنا باعد بين أسفارنا‏)‏ فباعد الله تعالي بين أسفارهم‏,‏ حتي أصبحوا يحتاجون الزاد والراحلة والسير في الحر والبرد وسط المخاوف الشديدة‏,‏ وذلك بعد انهدام السد‏,‏ وإصابة أرضهم بالجفاف والتصحر والقحط‏,‏ وزوال العمران من حولهم‏,‏ وفي ذلك تقول الآيات‏:‏ وجعلنا بينهم وبين القري التي باركنا فيها قري ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين‏,‏ فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور‏(‏ سبأ‏:19,18).‏
وعقابا علي شرك قوم سبأ وبطرهم مزقهم الله كل ممزق‏,(‏ حتي صارت الأمثال تضرب بما أصابهم من شتات‏,‏ يقال‏:(‏ تفرقوا أيدي سبأ‏),‏ فمنهم من رحل إلي أرض عمان‏,‏ ومنهم من ارتحل إلي بلاد الشام‏(‏ غسان‏),‏ ومنهم من هاجر إلي تهامة‏(‏ جذام‏),‏ ومنهم من هاجر إلي العراق‏(‏ آل خزعة‏),‏ ومنهم من ذهب إلي أرض يثرب‏(‏ أنمار التي نتج عنها كل من الأوس والخزرج‏),‏ ومنهم من حاول سكني وادي مكة‏(‏ مثل قبيلة خزاعة‏)‏ التي أجلتها قريش عن واديهم‏.‏
والقحط الذي أصاب أرض قبيلة سبأ‏,‏ والشتات الذي مزق غالبية أهلها‏,‏ كان عقابا من الله تعالي لتحول تلك الغالبية تحت إغراء الشيطان من التوحيد إلي الشرك‏,‏ ومن عبادة الله تعالي بما أمر إلي عبادة الشمس والقمر والكواكب‏,‏ ومن الشكر لله علي سابغ نعمه إلي التمرد والاستعلاء والبطر‏,‏ وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالي‏:‏ ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين‏,‏ وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك علي كل شيء حفيظ‏(‏ سبأ‏:21,20).‏
وتقع مدينة مأرب علي مسافة‏(192‏ كم‏)‏ شمال شرقي صنعاء العاصمة الحالية لليمن‏,‏ وكانت مأرب قد بنيت قبل ثلاثة آلاف سنة‏,‏ لتكون نقطة ارتكاز تجارية لقوافل البخور‏(‏ اللبان المر‏)‏ القادمة من ظفار المهرة إلي فلسطين وباقي مدن الشام عبر كل من شبوة‏(‏ عاصمة حضر موت‏)‏ وتمنح‏(‏ عاصمة الدولة المعينية‏),‏ كما كانت تحمل معها التجارة القادمة من كل من الهند والصين‏.‏ وكانت مأرب هي العاصمة الثانية لمملكة سبأ بينما كانت عاصمتهم الأولي هي صرواح‏(142‏ كم شرقي صنعاء‏,50‏ كم إلي الشمال الغربي من مأرب‏).‏
وتنتشر في مدينة مأرب إلي اليوم آثار حضارة مملكة سبأ‏,‏ ومنها السور القديم للمدينة‏,‏ وعدد من الخرائب المبعثرة فيها ومن حولها‏,‏ وبهذه الخرائب العديد من الأحجار المنقوش عليها كتابات بالخط المسند وقد نقل بعضها إلي متحف مأرب‏,‏ وإن كان أغلبها قد نهب ونقل إلي عدد من المتاحف الغربية‏,‏ وفي وسط مدينة مأرب توجد بقايا أعمدة قصر ضخم‏,‏ وعلي مسافة كيلو مترين إلي الجنوب من المدينة يقع ما يسمي باسم عرش بلقيس‏,‏ والمعبد الذي كانت تعبد فيه الشمس كما يصف ذلك الأثري اليمني الأستاذ أحمد حسين شرف الدين في كتابه المعنون اليمن عبر التاريخ‏.‏
وصف سد مأرب‏:‏
يقوم هذا السد علي وادي ذنه وتقع مدينة مأرب علي الضفة الشمالية منه‏,‏ ويشق وادي ذنه مجراه الضيق العميق في جبل بلق ليقسمه إلي قسمين هما بلق الأيمن‏,‏ وبلق الأيسر‏,‏ ومن أجل الاستفادة بمياه ذلك الممر الصخري الضيق‏,‏ المعروف باسم‏(‏ الضيقة‏),‏ فإن ملوك سبأ‏(‏ في القرن التاسع قبل الميلاد في عهد المكربيين‏)‏ أقاموا عليه جدارا سميكا بارتفاع الجبلين المحيطين بطول‏1800‏ قدم‏(‏ نحو‏550‏ م‏),‏ وغطوا هذا الجدار في جانبه المواجه للسيل بالصخور الكبيرة فيما عدا فتحتين للتصريف المائي في طرفي الجدار تسمين باسم الصدفين‏(‏ الصدف الأيمن والصدف الأيسر‏),‏ وبذلك تمكنوا من حجز مياه سيول ذلك الوادي لمسافة تصل إلي ثلاثة كيلو مترات‏,‏ وبعرض‏800‏ إلي‏1000‏ م‏,‏ وبذلك رفعوا مستوي الماء أمام السد إلي مستوي الأراضي الزراعية الواقع علي جانبي الوادي فأقاموا علي كل جانب منه جنة من مختلف أشجار الثمار وصفهما القرآن الكريم بقول ربنا تبارك وتعالي :‏ جنتان عن يمين وشمال‏...‏ ولا يزال كل من الصدفين الأيمن والأيسر قائمين إلي اليوم‏.‏
واستمر سد مأرب في خزن مياه السيول في وادي ذنه لقرابة‏(1400‏ سنة‏)‏ منذ أول القرن الثامن قبل الميلاد إلي أواخر القرن السادس الميلادي حين حدث انهياره التام بواسطة سيل العرم‏,‏ وذلك في زمن‏(‏ سيف بن ذي يزن أو قبله‏),‏ وكان السد قد أصيب من قبل بعدد من التصدعات التي تم ترميمها‏,‏ وذلك في سنة‏(145‏ ق‏.‏م‏),‏ وفي أوائل القرن الميلادي الخامس‏,‏ وفي منتصف القرن الميلادي السادس‏(‏ في زمن أبرهة الأشرم في حدود سنة‏541‏ م‏),‏ حتي دمره سيل العرم في أواخر القرن السادس الميلادي تدميرا كاملا‏,‏ ولم تقم له قائمة حتي قام سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله بالمساعدة المالية لحكومة اليمن من أجل إعادة بناء سد مأرب‏,‏ وقد أعيد بناؤه فعلا بالكامل‏.‏
د‏.‏ محمد علي البار‏1427:‏ ه‏/2007‏ م‏):‏ إضاءات قرآنية ونبوية في تاريخ اليمن‏.‏
من هنا كان في استعراض القرآن الكريم لأمة سبأ‏,‏ وجه من أوجه الإعجاز التاريخي في كتاب الله‏,‏ وذلك لأن سبأ هي واحدة من أقدم الأمم المعروفة لنا‏,‏ فهي أمة موغلة في التاريخ إلي حدود الألفية الثالثة قبل الميلاد‏(2500‏ ق‏.‏م‏),‏ واستعراض القرآن الكريم لما كانت فيه تلك الأمة من نعيم مقيم‏,‏ وكيف انحرفت غالبية أفرادها عن منهج الله‏,‏ وأشركت في عبادته الشمس والقمر والكواكب فأرسل الله تعالي عليها سيل العرم فدمر سدودهم‏,‏ وأغرق مزارعهم‏,‏ وخرب ديارهم‏,‏ وشتت شملهم‏,‏ وجعلهم أحاديث في أفواه الناس‏,‏ كل ذلك لم يدونه إلا القرآن الكريم‏,‏ لأن ما جاء عن قوم سبأ في كتب الأولين لا يتعدي ذكر الاسم فقط‏,‏ وما جاء عنهم في كتابات الحضارتين اليونانية والرومانية القديمتين لا يتعدي وصف التجارة بين مملكة سبأ وأصحاب هاتين الحضارتين‏..‏ من هنا كان في ذكر القرآن الكريم لأمة سبأ شهادة تاريخية لهذا الكتاب العزيز بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية‏,‏ بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله‏,‏ وحفظه بعهده الذي قطعه علي ذاته العلية‏,‏ في نفس لغة وحيه‏(‏ اللغة العربية‏),‏ وحفظه كذلك لفترة زادت علي الأربعة عشر قرنا‏,‏ وتعهد بهذا الحفظ تعهدا مطلقا حتي يبقي القرآن الكريم شاهدا علي الخلق أجمعين إلي ما شاء الله‏,‏ وشاهدا للنبي الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة‏..‏ فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين‏..‏ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏

المزيد من مقالات د. زغلول النجار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.