حدث تاريخي.. تفاصيل تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بمحطة الضبعة    أسعار اللحوم اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025    أسعار الذهب في مصر اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025    ترامب: مجلس السلام في غزة سيضم عدة رؤساء دول    زيلينسكي: روسيا أطلقت 470 مسيرة و48 صاروخا على أوكرانيا خلال الليلة الماضية    بالصور.. أجواء مُبهجة في استقبال 2700 سائح بميناء بورسعيد    نادي القضاة: انتخابات النواب 2025 لم يشرف عليها القضاة وأعضاء النيابة العامة    طن عز بكام.... اسعار الحديد اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025 فى المنيا    وزير الزراعة: حماية الرقعة الزراعية أولوية قصوى.. ولا تهاون في مواجهة التعديات    بعد انسحاب "قنديل" بالثالثة.. انسحاب "مهدي" من السباق الانتخابي في قوص بقنا    أخبار مصر: حدث عالمي يشهده السيسي وبوتين اليوم، حفل جوائز الكاف، "مجلس دولي" غير مسبوق لغزة، هل يهدد "ماربورج" مصر    الضفة.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 100 فلسطيني شمالي الخليل    المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم 2026 بعد صعود ثلاثي أمريكا الشمالية    أبرزها دولة فازت باللقب 4 مرات، المنتخبات المتأهلة إلى الملحق الأوروبي لكأس العالم 2026    توقعات بسقوط أمطار وانخفاض في درجات الحرارة بمطروح والساحل الشمالي    محكمة الاتحاد الأوروبي تعتزم إصدار حكمها بشأن وضع أمازون كمنصة كبيرة جدا    اليوم.. العرض الأول لفيلم "اليعسوب" بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    خبراء: الأغذية فائقة المعالجة تعزز جائحة الأمراض المزمنة    طريقة عمل كيكة البرتقال الهشة بدون مضرب، وصفة سهلة ونتيجة مضمونة    الاتصالات: الأكاديمية العسكرية توفر سبل الإقامة ل 30095 طالب بمبادرة الرواد الرقمين    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    زيلينسكي يزور تركيا لإحياء مساعي السلام في أوكرانيا    برنامج فعاليات وعروض أفلام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي اليوم    ارتفاع أسعار الذهب في بداية تعاملات البورصة.. الأربعاء 19 نوفمبر    إسعاد يونس ومحمد إمام ومى عز الدين يوجهون رسائل دعم لتامر حسنى: الله يشفيك ويعافيك    بشري سارة للمعلمين والمديرين| 2000 جنيه حافز تدريس من أكتوبر 2026 وفق شروط    البيت الأبيض: اتفاقية المعادن مع السعودية مماثلة لما أبرمناه مع الشركاء التجاريين الآخرين    حقيقة ظهور فيروس ماربورج في مصر وهل الوضع أمن؟ متحدث الصحة يكشف    ترتيب الدوري الإيطالي قبل انطلاق الجولة القادمة    شبانة: الأهلي أغلق باب العودة أمام كهربا نهائيًا    أوكرانيا تطالب روسيا بتعويضات مناخية بقيمة 43 مليار دولار في كوب 30    "النواب" و"الشيوخ" الأمريكي يصوتان لصالح الإفراج عن ملفات إبستين    النيابة العامة تُحوِّل المضبوطات الذهبية إلى احتياطي إستراتيجي للدولة    نشأت الديهي: لا تختاروا مرشحي الانتخابات على أساس المال    انقلاب جرار صيانة في محطة التوفيقية بالبحيرة.. وتوقف حركة القطارات    مصرع شاب وإصابة اثنين آخرين في انقلاب سيارتي تريلا بصحراوي الأقصر    ما هي أكثر الأمراض النفسية انتشارًا بين الأطفال في مصر؟.. التفاصيل الكاملة عن الاضطرابات النفسية داخل مستشفيات الصحة النفسية    مصرع شاب وإصابة اثنين في انقلاب سيارتي تريلا بالأقصر    النائب العام يؤكد قدرة مؤسسات الدولة على تحويل الأصول الراكدة لقيمة اقتصادية فاعلة.. فيديو    أبرزهم أحمد مجدي ومريم الخشت.. نجوم الفن يتألقون في العرض العالمي لفيلم «بنات الباشا»    في ذكرى رحيله.. أبرز أعمال مارسيل بروست التي استكشفت الزمن والذاكرة والهوية وطبيعة الإنسان    أحمد الشناوي: الفار أنقذ الحكام    سويسرا تلحق بركب المتأهلين لكأس العالم 2026    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    أسامة كمال: الجلوس دون تطوير لم يعد مقبولًا في زمن التكنولوجيا المتسارعة    دينا محمد صبري: كنت أريد لعب كرة القدم منذ صغري.. وكان حلم والدي أن أكون مهندسة    أحمد فؤاد ل مصطفى محمد: عُد للدورى المصرى قبل أن يتجاوزك الزمن    جامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر تطلق مؤتمرها الرابع لشباب التكنولوجيين منتصف ديسمبر    تحريات لكشف ملابسات العثور على جثة شخص في الطالبية    زيورخ السويسري يرد على المفاوضات مع لاعب الزمالك    مشروبات طبيعية تساعد على النوم العميق للأطفال    فيلم وهم ل سميرة غزال وفرح طارق ضمن قائمة أفلام الطلبة فى مهرجان الفيوم    طيران الإمارات يطلب 65 طائرة إضافية من بوينغ 777X بقيمة 38 مليار دولار خلال معرض دبي للطيران 2025    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    هل يجوز أداء العشاء قبل الفجر لمن ينام مبكرًا؟.. أمين الفتوى يجيب    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أسرار القرآن
‏342‏لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال‏...‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 01 - 05 - 2010

هذا النص القرآني الكريم جاء في مطلع الربع الثاني من سورة سبأ وهي سورة مكية‏,‏ وآياتها أربع وخمسون‏(54)‏ بعد البسملة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي قوم سبأ‏. وهم قبيلة من العرب سكنت بلاد اليمن في الجزء الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية في الألوف الخمسة الأولي قبل الميلاد‏,‏ وقد سميت هذه القبيلة باسم جدها‏(‏ سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان‏)‏ وهو من نسل النبي الصالح هود عليه السلام ,‏ وقد لقب بهذا الاسم لكثرة ما كان يسبي‏,‏ وكان أول من أخذ السبي من العرب‏.‏
ويدور المحور الرئيسي للسورة حول قضية العقيدة الإسلامية شأنها في ذلك شأن كل السور المكية‏.‏
هذا‏,‏ وقد سبق لنا استعراض سورة سبأ وما ورد فيها من ركائز العقيدة‏,‏ والإشارات العلمية والتاريخية‏,‏ ونركز هنا علي وجه الإعجاز التاريخي في ذكر القرآن الكريم لتلك الأمة الموغلة في التاريخ‏(‏ قبيلة سبأ‏)‏ و ما كانت ترفل فيه من نعيم مقيم‏,‏ وما كان منها من بناء سد مأرب وغيره من السدود مما وفر لها الزروع والثمار وازدهار الحياة الحيوانية والإنسية‏,‏ ثم أبطرتها النعمة‏,‏ ووسوست لها شياطين الإنس والجن فكفرت بأنعم الله‏,‏ وأشركا في عبادته الشمس والقمر والكواكب‏,‏ فعاقبها الله تعالي بتسخير‏:‏ سيل العرم عليه الذي هدم السد‏,‏ ودمر الزرع‏,‏ وأهلك الأحياء‏,‏ وشتت جمع القبيلة التي هاجر معظم أفخاذها إلي مناطق أخري من بلاد العرب حتي أصبحوا أحاديث في أفواه غيرهم من الأمم‏,‏ وقد تم إثبات ذلك أخيرا من دراسة آثارهم التي تثبت أن العرب هم أصل الساميين جميعا‏.‏
من أوجه الإعجاز التاريخي في ذكر القرآن الكريم لقبيلة سبأ‏:‏
جاء ذكر قبيلة سبأ في موضعين من كتاب الله علي النحو التالي‏:‏
‏(1)‏ وتفقد الطير فقال ما لي لا أري الهدهد أم كان من الغائبين‏,‏ لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين‏,‏ فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبإ يقين‏(‏ النمل‏:20‏ 22).‏
‏(2)‏ لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور‏,‏ فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل‏,‏ ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور‏,‏ وجعلنا بينهم وبين القري التي باركنا فيها قري ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين‏,‏ فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور‏,‏ ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين‏,‏ وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك علي كل شيء حفيظ‏(‏ سبأ‏:15‏ 22).‏
وقد سئل رسول الله صلي الله عليه وسلم عن سبأ ما هو؟ أرجل أم امرأة أم أرض؟ قال‏(‏ بل هو رجل‏,‏ ولد له عشرة‏,‏ فسكن اليمن منهم ستة‏,‏ وسكن الشام منهم أربعة‏,‏ فأما اليمانيون فمذحج وكندة‏,‏ والأزد‏,‏ والأشعريون‏,‏ وأنمار‏,‏ وحمير‏,‏ وأما الشامية ف لخم‏,‏ وجذام‏,‏ وعاملة‏,‏ وغسان‏).‏
وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن عروة بن مسيك قال‏:‏ قلت يا رسول الله‏:‏ أرأيت سبأ واد هو أم جبل أما هو؟ قال‏:‏ بل هو رجل من العرب‏...‏الحديث‏,‏ وهذا الحديث رواه كذلك كل من ابن أبي حاتم وابن جرير‏,‏ كما رواه الترمذي في جامعه الصحيح‏.‏
هذا‏,‏ وقد ورد اسم سبو‏(‏ سبأ‏)‏ في نقش سومري لملك لكش‏(‏ في حدود‏2500‏ ق‏.‏م‏)‏ وهذا الملك عاصر آخر ملوك أور‏,‏ وجاء في حوليات الملك الأشوري سرجون الثاني‏(‏ في حدود‏715‏ ق‏.‏م‏)‏ ذكر لملكة من ملكات سبأ تدعي سمسمي‏.‏
كذلك جاء ذكر سبأ في كتب الأولين ثلاث نقاط علي حرف السين‏(‏ شبأ‏=Seba),‏ كما جاء في كل من الكتابات اليونانية والرومانية القديمة‏,‏ فقد أشاد‏(‏ بليني الكبير‏)‏ بالنظم الزراعية وأنظمة الري التي اتبعها السبكيون‏,‏ وواصل استخدامها الحميريون من بعدهم‏,‏ وكان من أهم المشروعات التي أقاموها‏,‏ والآثار التي تركوها من ورائهم‏(‏ سد مأرب‏)‏ الذي كان سدا مائيا عظيما علي وادي ذنه بين جبلين‏,‏ في مأرب مما أدي إلي ازدهار الزراعة كما وكيفا في مملكة سبأ‏,‏ حتي قيل إن المرأة كانت تمشي تحت أشجار منطقة مأرب وما حولها وعلي رأسها مكتل‏(‏ زنبيل‏)‏ فتتساقط الثمار فيه من غير حاجة إلي قطاف أو كلفة لكثرة تلك الثمار ونضجها وهي علي أصولها‏.‏
كذلك قيل إنه من فضل الله تعالي عليهم لم يكن بمأرب شيء من الذباب أو البعوض أو البراغيث‏,‏ ولا شيء من الهوام‏,‏ وذلك لاعتدال المناخ وصحته‏,‏ ولذلك قال تعالي :‏ لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال‏...‏ أي علي جانبي الجبلين المحيطين بالسد‏,‏ وتستمر الآية بقول ربنا تبارك وتعالي :‏ كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور‏(‏ سبأ‏:15).‏
ثم جاء الشيطان وأغوي أهل سبأ بالانحراف عن توحيد الله تعالي ,‏ وعن عبادته بما أمر إلي الشرك بالله وعبادة الشمس والكواكب والقمر لتقربهم إلي الله زلفي‏,‏ فأرسل الله سبحانه وتعالي بقدرته عليهم‏(‏ سيل العرم‏)‏ بماء غزير شديد السرعة‏(‏ وهو من معاني كلمة العرم‏)‏ فدمرت السد‏,‏ وخربت الزراعة في الجنتين من حوله‏,‏ حتي تم استبدال أشجارها الغنية بثمارها‏,‏ أشجار الأراك والأثل‏(‏ الطرفاء‏)‏ وقليلا من أشجار النبق أو الدوم‏(‏ السدر‏),‏ وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالي :‏ فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل‏,‏ ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور‏(‏ سبأ‏:17,16).‏
وكان من نعم الله المنعم علي أهل سبأ في إسلامهم‏,‏ وهم من العرب العاربة‏,‏ أن عمر الأرض من حولهم فكانت قراهم متصلة آمنة‏,‏ وكذلك كانت مزارعهم مع كثرة أشجارها‏,‏ ووفرة ثمارها حتي أن مسافريهم ما كانوا يحتاجون إلي حمل زاد معهم من الطعام والشراب‏,‏ لأنهم كانوا يجدون الزاد حيث نزلوا من قرية إلي أخري‏,‏ علي طول الطريق من مأرب إلي بلاد الشام‏,‏ ولكنهم جحدوا ربهم بالشرك‏,‏ وبطروا نعمه العديدة عليهم حتي قالوا‏:(‏ ربنا باعد بين أسفارنا‏)‏ فباعد الله تعالي بين أسفارهم‏,‏ حتي أصبحوا يحتاجون الزاد والراحلة والسير في الحر والبرد وسط المخاوف الشديدة‏,‏ وذلك بعد انهدام السد‏,‏ وإصابة أرضهم بالجفاف والتصحر والقحط‏,‏ وزوال العمران من حولهم‏,‏ وفي ذلك تقول الآيات‏:‏ وجعلنا بينهم وبين القري التي باركنا فيها قري ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين‏,‏ فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور‏(‏ سبأ‏:19,18).‏
وعقابا علي شرك قوم سبأ وبطرهم مزقهم الله كل ممزق‏,(‏ حتي صارت الأمثال تضرب بما أصابهم من شتات‏,‏ يقال‏:(‏ تفرقوا أيدي سبأ‏),‏ فمنهم من رحل إلي أرض عمان‏,‏ ومنهم من ارتحل إلي بلاد الشام‏(‏ غسان‏),‏ ومنهم من هاجر إلي تهامة‏(‏ جذام‏),‏ ومنهم من هاجر إلي العراق‏(‏ آل خزعة‏),‏ ومنهم من ذهب إلي أرض يثرب‏(‏ أنمار التي نتج عنها كل من الأوس والخزرج‏),‏ ومنهم من حاول سكني وادي مكة‏(‏ مثل قبيلة خزاعة‏)‏ التي أجلتها قريش عن واديهم‏.‏
والقحط الذي أصاب أرض قبيلة سبأ‏,‏ والشتات الذي مزق غالبية أهلها‏,‏ كان عقابا من الله تعالي لتحول تلك الغالبية تحت إغراء الشيطان من التوحيد إلي الشرك‏,‏ ومن عبادة الله تعالي بما أمر إلي عبادة الشمس والقمر والكواكب‏,‏ ومن الشكر لله علي سابغ نعمه إلي التمرد والاستعلاء والبطر‏,‏ وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالي‏:‏ ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين‏,‏ وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك علي كل شيء حفيظ‏(‏ سبأ‏:21,20).‏
وتقع مدينة مأرب علي مسافة‏(192‏ كم‏)‏ شمال شرقي صنعاء العاصمة الحالية لليمن‏,‏ وكانت مأرب قد بنيت قبل ثلاثة آلاف سنة‏,‏ لتكون نقطة ارتكاز تجارية لقوافل البخور‏(‏ اللبان المر‏)‏ القادمة من ظفار المهرة إلي فلسطين وباقي مدن الشام عبر كل من شبوة‏(‏ عاصمة حضر موت‏)‏ وتمنح‏(‏ عاصمة الدولة المعينية‏),‏ كما كانت تحمل معها التجارة القادمة من كل من الهند والصين‏.‏ وكانت مأرب هي العاصمة الثانية لمملكة سبأ بينما كانت عاصمتهم الأولي هي صرواح‏(142‏ كم شرقي صنعاء‏,50‏ كم إلي الشمال الغربي من مأرب‏).‏
وتنتشر في مدينة مأرب إلي اليوم آثار حضارة مملكة سبأ‏,‏ ومنها السور القديم للمدينة‏,‏ وعدد من الخرائب المبعثرة فيها ومن حولها‏,‏ وبهذه الخرائب العديد من الأحجار المنقوش عليها كتابات بالخط المسند وقد نقل بعضها إلي متحف مأرب‏,‏ وإن كان أغلبها قد نهب ونقل إلي عدد من المتاحف الغربية‏,‏ وفي وسط مدينة مأرب توجد بقايا أعمدة قصر ضخم‏,‏ وعلي مسافة كيلو مترين إلي الجنوب من المدينة يقع ما يسمي باسم عرش بلقيس‏,‏ والمعبد الذي كانت تعبد فيه الشمس كما يصف ذلك الأثري اليمني الأستاذ أحمد حسين شرف الدين في كتابه المعنون اليمن عبر التاريخ‏.‏
وصف سد مأرب‏:‏
يقوم هذا السد علي وادي ذنه وتقع مدينة مأرب علي الضفة الشمالية منه‏,‏ ويشق وادي ذنه مجراه الضيق العميق في جبل بلق ليقسمه إلي قسمين هما بلق الأيمن‏,‏ وبلق الأيسر‏,‏ ومن أجل الاستفادة بمياه ذلك الممر الصخري الضيق‏,‏ المعروف باسم‏(‏ الضيقة‏),‏ فإن ملوك سبأ‏(‏ في القرن التاسع قبل الميلاد في عهد المكربيين‏)‏ أقاموا عليه جدارا سميكا بارتفاع الجبلين المحيطين بطول‏1800‏ قدم‏(‏ نحو‏550‏ م‏),‏ وغطوا هذا الجدار في جانبه المواجه للسيل بالصخور الكبيرة فيما عدا فتحتين للتصريف المائي في طرفي الجدار تسمين باسم الصدفين‏(‏ الصدف الأيمن والصدف الأيسر‏),‏ وبذلك تمكنوا من حجز مياه سيول ذلك الوادي لمسافة تصل إلي ثلاثة كيلو مترات‏,‏ وبعرض‏800‏ إلي‏1000‏ م‏,‏ وبذلك رفعوا مستوي الماء أمام السد إلي مستوي الأراضي الزراعية الواقع علي جانبي الوادي فأقاموا علي كل جانب منه جنة من مختلف أشجار الثمار وصفهما القرآن الكريم بقول ربنا تبارك وتعالي :‏ جنتان عن يمين وشمال‏...‏ ولا يزال كل من الصدفين الأيمن والأيسر قائمين إلي اليوم‏.‏
واستمر سد مأرب في خزن مياه السيول في وادي ذنه لقرابة‏(1400‏ سنة‏)‏ منذ أول القرن الثامن قبل الميلاد إلي أواخر القرن السادس الميلادي حين حدث انهياره التام بواسطة سيل العرم‏,‏ وذلك في زمن‏(‏ سيف بن ذي يزن أو قبله‏),‏ وكان السد قد أصيب من قبل بعدد من التصدعات التي تم ترميمها‏,‏ وذلك في سنة‏(145‏ ق‏.‏م‏),‏ وفي أوائل القرن الميلادي الخامس‏,‏ وفي منتصف القرن الميلادي السادس‏(‏ في زمن أبرهة الأشرم في حدود سنة‏541‏ م‏),‏ حتي دمره سيل العرم في أواخر القرن السادس الميلادي تدميرا كاملا‏,‏ ولم تقم له قائمة حتي قام سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله بالمساعدة المالية لحكومة اليمن من أجل إعادة بناء سد مأرب‏,‏ وقد أعيد بناؤه فعلا بالكامل‏.‏
د‏.‏ محمد علي البار‏1427:‏ ه‏/2007‏ م‏):‏ إضاءات قرآنية ونبوية في تاريخ اليمن‏.‏
من هنا كان في استعراض القرآن الكريم لأمة سبأ‏,‏ وجه من أوجه الإعجاز التاريخي في كتاب الله‏,‏ وذلك لأن سبأ هي واحدة من أقدم الأمم المعروفة لنا‏,‏ فهي أمة موغلة في التاريخ إلي حدود الألفية الثالثة قبل الميلاد‏(2500‏ ق‏.‏م‏),‏ واستعراض القرآن الكريم لما كانت فيه تلك الأمة من نعيم مقيم‏,‏ وكيف انحرفت غالبية أفرادها عن منهج الله‏,‏ وأشركت في عبادته الشمس والقمر والكواكب فأرسل الله تعالي عليها سيل العرم فدمر سدودهم‏,‏ وأغرق مزارعهم‏,‏ وخرب ديارهم‏,‏ وشتت شملهم‏,‏ وجعلهم أحاديث في أفواه الناس‏,‏ كل ذلك لم يدونه إلا القرآن الكريم‏,‏ لأن ما جاء عن قوم سبأ في كتب الأولين لا يتعدي ذكر الاسم فقط‏,‏ وما جاء عنهم في كتابات الحضارتين اليونانية والرومانية القديمتين لا يتعدي وصف التجارة بين مملكة سبأ وأصحاب هاتين الحضارتين‏..‏ من هنا كان في ذكر القرآن الكريم لأمة سبأ شهادة تاريخية لهذا الكتاب العزيز بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية‏,‏ بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله‏,‏ وحفظه بعهده الذي قطعه علي ذاته العلية‏,‏ في نفس لغة وحيه‏(‏ اللغة العربية‏),‏ وحفظه كذلك لفترة زادت علي الأربعة عشر قرنا‏,‏ وتعهد بهذا الحفظ تعهدا مطلقا حتي يبقي القرآن الكريم شاهدا علي الخلق أجمعين إلي ما شاء الله‏,‏ وشاهدا للنبي الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة‏..‏ فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين‏..‏ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏

المزيد من مقالات د. زغلول النجار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.