أسعار الفراخ اليوم الإثنين 18-8-2025 في بورصة الدواجن.. سعر كيلو الدجاج والكتكوت الأبيض    مطاردة الواحات المميتة.. الداخلية والإعلام يضعان الجناة في قبضة العدالة    وصول القطار الخامس للأشقاء السودانيين إلى محطة السد العالى بأسوان..صور وفيديو    ليلة فى حب ياسين التهامى.. الجمهور يتفاعل مع الشعر الصوفى وقصائد المديح النبوى والابتهالات في الدورة 33 لمهرجان القلعة للموسيقى والغناء.. والموسيقار عمرو سليم يعزف أجمل موسيقى أغنيات نجوم الزمن الجميل.. صور    أسفار الحج 13.. من أضاء المسجد النبوى "مصرى"    قد يكون مؤشر على مشكلة صحية.. أبرز أسباب تورم القدمين    متحدث الصحة عن خطف الأطفال وسرقة أعضائهم: "مجرد أساطير بلا أساس علمي"    الرئيس اللبناني: واشنطن طرحت تعاونًا اقتصاديًا بين لبنان وسوريا    ستارمر يخطط للتشاور مع حلفاء أوكرانيا بعد تقارير عن سعي ترامب لاتفاق حول الأراضي    أمير هشام: غضب في الزمالك بعد التعادل أمام المقاولون    رئيس "حماية المستهلك": وفرة السلع في الأسواق الضامن لتنظيم الأسعار تلقائيًا    موعد فتح باب التقديم لوظائف وزارة الإسكان 2025    بدء اختبارات كشف الهيئة لطلاب مدارس التمريض بالإسكندرية    بين السَّماء والأرض.. زائر ليلي يُروّع أهل تبسة الجزائرية على التوالي بين 2024 و2025    الأمم المتحدة: نصف مليون فلسطيني في غزة مهددون بالمجاعة    أبرز تصريحات رئيس الوزراء خلال لقائه نظيره الفلسطيني الدكتور محمد مصطفى    احتجاجات غاضبة أمام مقر نتنياهو تتحول إلى مواجهات عنيفة    الأونروا: ما يحدث في قطاع غزة أكبر أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025 في القاهرة والمحافظات    أمير هشام: الأهلي سيقوم بتحويل قيمة جلب حكام اجانب إلى الجبلاية    "لا يصلح"... رضا عبدالعال يوجه انتقادات قوية ليانيك فيريرا    أتلتيكو مدريد يسقط أمام إسبانيول بثنائية في الدوري الإسباني    أوسيم تضيء بذكراه، الكنيسة تحيي ذكرى نياحة القديس مويسيس الأسقف الزاهد    بحضور وزير قطاع الأعمال.. تخرج دفعة جديدة ب «الدراسات العليا في الإدارة»    وزارة التربية والتعليم تصدر 24 توجيهًا قبل بدء العام الدراسي الجديد.. تشديدات بشأن الحضور والضرب في المدراس    مصرع طفل أسفل عجلات القطار في أسيوط    مصرع سيدة في حادث سير على الطريق الدولي بالشيخ زويد    التحقيق في مقتل لاعبة جودو برصاص زوجها داخل شقتهما بالإسكندرية    البنك المصري الخليجي يتصدر المتعاملين الرئيسيين بالبورصة خلال جلسة بداية الأسبوع    سامح حسين يعلن وفاة الطفل حمزة ابن شقيقه عن عمر يناهز ال 4 سنوات    هاجر الشرنوبي تدعو ل أنغام: «ربنا يعفي عنها»    حدث بالفن | عزاء تيمور تيمور وفنان ينجو من الغرق وتطورات خطيرة في حالة أنغام الصحية    "بفستان جريء".. نادين الراسي تخطف الأنظار من أحدث جلسة تصوير    السكك الحديدية تعلن تشغيل 49 رحلة يوميا على هذا الخط    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    إضافة المواليد على بطاقة التموين 2025.. الخطوات والشروط والأوراق المطلوبة (تفاصيل)    انطلاق المؤتمر الدولي السادس ل«تكنولوجيا الأغشية وتطبيقاتها» بالغردقة    حضريها في المنزل بمكونات اقتصادية، الوافل حلوى لذيذة تباع بأسعار عالية    متحدث الصحة يفجر مفاجأة بشأن خطف الأطفال وسرقة الأعضاء البشرية (فيديو)    أشرف صبحي يجتمع باللجنة الأولمبية لبحث الاستعدادات لأولمبياد لوس أنجلوس    وزير الثقافة ومحافظ الإسماعيلية يفتتحان الملتقى القومي الثالث للسمسمية    طارق مجدي حكما للإسماعيلي والاتحاد وبسيوني للمصري وبيراميدز    الخارجية الأمريكية: لن نتعاون مع أى جماعات لها صلات أو تعاطف مع حماس    رضا عبد العال: فيريرا لا يصلح للزمالك.. وعلامة استفهام حول استبعاد شيكو بانزا    بداية متواضعة.. ماذا قدم مصطفى محمد في مباراة نانت ضد باريس سان جيرمان؟    «الصيف يُلملم أوراقه».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم: منخفض جوى قادم    ننشر أقوال السائق في واقعة مطاردة فتيات طريق الواحات    انطلاق دورة تدريبية لمديري المدارس بالإسماعيلية    4 أبراج «مرهقون في التعامل»: صارمون ينتظرون من الآخرين مقابل ويبحثون عن الكمال    حماية المستهلك: نلمس استجابة سريعة من معظم التجار تجاه مبادرة خفض الأسعار    تنسيق الثانوية العامة 2025 المرحلة الثالثة.. كليات التربية ب أنواعها المتاحة علمي علوم ورياضة وأدبي    وائل القباني عن انتقاده ل الزمالك: «ماليش أغراض شخصية»    هل يجوز ارتداء الملابس على الموضة؟.. أمين الفتوى يوضح    4 ملايين خدمة صحية مجانية لأهالى الإسكندرية ضمن حملة 100 يوم صحة    قبل بدء الفصل التشريعى الثانى لمجلس الشيوخ، تعرف علي مميزات حصانة النواب    فيديو.. خالد الجندي: عدم الالتزام بقواعد المرور حرام شرعا    رئيس جامعة الوادي الجديد يتابع سير التقديم بكليات الجامعة الأهلية.. صور    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أسرار القرآن
‏342‏لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال‏...‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 01 - 05 - 2010

هذا النص القرآني الكريم جاء في مطلع الربع الثاني من سورة سبأ وهي سورة مكية‏,‏ وآياتها أربع وخمسون‏(54)‏ بعد البسملة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي قوم سبأ‏. وهم قبيلة من العرب سكنت بلاد اليمن في الجزء الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية في الألوف الخمسة الأولي قبل الميلاد‏,‏ وقد سميت هذه القبيلة باسم جدها‏(‏ سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان‏)‏ وهو من نسل النبي الصالح هود عليه السلام ,‏ وقد لقب بهذا الاسم لكثرة ما كان يسبي‏,‏ وكان أول من أخذ السبي من العرب‏.‏
ويدور المحور الرئيسي للسورة حول قضية العقيدة الإسلامية شأنها في ذلك شأن كل السور المكية‏.‏
هذا‏,‏ وقد سبق لنا استعراض سورة سبأ وما ورد فيها من ركائز العقيدة‏,‏ والإشارات العلمية والتاريخية‏,‏ ونركز هنا علي وجه الإعجاز التاريخي في ذكر القرآن الكريم لتلك الأمة الموغلة في التاريخ‏(‏ قبيلة سبأ‏)‏ و ما كانت ترفل فيه من نعيم مقيم‏,‏ وما كان منها من بناء سد مأرب وغيره من السدود مما وفر لها الزروع والثمار وازدهار الحياة الحيوانية والإنسية‏,‏ ثم أبطرتها النعمة‏,‏ ووسوست لها شياطين الإنس والجن فكفرت بأنعم الله‏,‏ وأشركا في عبادته الشمس والقمر والكواكب‏,‏ فعاقبها الله تعالي بتسخير‏:‏ سيل العرم عليه الذي هدم السد‏,‏ ودمر الزرع‏,‏ وأهلك الأحياء‏,‏ وشتت جمع القبيلة التي هاجر معظم أفخاذها إلي مناطق أخري من بلاد العرب حتي أصبحوا أحاديث في أفواه غيرهم من الأمم‏,‏ وقد تم إثبات ذلك أخيرا من دراسة آثارهم التي تثبت أن العرب هم أصل الساميين جميعا‏.‏
من أوجه الإعجاز التاريخي في ذكر القرآن الكريم لقبيلة سبأ‏:‏
جاء ذكر قبيلة سبأ في موضعين من كتاب الله علي النحو التالي‏:‏
‏(1)‏ وتفقد الطير فقال ما لي لا أري الهدهد أم كان من الغائبين‏,‏ لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين‏,‏ فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبإ يقين‏(‏ النمل‏:20‏ 22).‏
‏(2)‏ لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور‏,‏ فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل‏,‏ ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور‏,‏ وجعلنا بينهم وبين القري التي باركنا فيها قري ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين‏,‏ فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور‏,‏ ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين‏,‏ وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك علي كل شيء حفيظ‏(‏ سبأ‏:15‏ 22).‏
وقد سئل رسول الله صلي الله عليه وسلم عن سبأ ما هو؟ أرجل أم امرأة أم أرض؟ قال‏(‏ بل هو رجل‏,‏ ولد له عشرة‏,‏ فسكن اليمن منهم ستة‏,‏ وسكن الشام منهم أربعة‏,‏ فأما اليمانيون فمذحج وكندة‏,‏ والأزد‏,‏ والأشعريون‏,‏ وأنمار‏,‏ وحمير‏,‏ وأما الشامية ف لخم‏,‏ وجذام‏,‏ وعاملة‏,‏ وغسان‏).‏
وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن عروة بن مسيك قال‏:‏ قلت يا رسول الله‏:‏ أرأيت سبأ واد هو أم جبل أما هو؟ قال‏:‏ بل هو رجل من العرب‏...‏الحديث‏,‏ وهذا الحديث رواه كذلك كل من ابن أبي حاتم وابن جرير‏,‏ كما رواه الترمذي في جامعه الصحيح‏.‏
هذا‏,‏ وقد ورد اسم سبو‏(‏ سبأ‏)‏ في نقش سومري لملك لكش‏(‏ في حدود‏2500‏ ق‏.‏م‏)‏ وهذا الملك عاصر آخر ملوك أور‏,‏ وجاء في حوليات الملك الأشوري سرجون الثاني‏(‏ في حدود‏715‏ ق‏.‏م‏)‏ ذكر لملكة من ملكات سبأ تدعي سمسمي‏.‏
كذلك جاء ذكر سبأ في كتب الأولين ثلاث نقاط علي حرف السين‏(‏ شبأ‏=Seba),‏ كما جاء في كل من الكتابات اليونانية والرومانية القديمة‏,‏ فقد أشاد‏(‏ بليني الكبير‏)‏ بالنظم الزراعية وأنظمة الري التي اتبعها السبكيون‏,‏ وواصل استخدامها الحميريون من بعدهم‏,‏ وكان من أهم المشروعات التي أقاموها‏,‏ والآثار التي تركوها من ورائهم‏(‏ سد مأرب‏)‏ الذي كان سدا مائيا عظيما علي وادي ذنه بين جبلين‏,‏ في مأرب مما أدي إلي ازدهار الزراعة كما وكيفا في مملكة سبأ‏,‏ حتي قيل إن المرأة كانت تمشي تحت أشجار منطقة مأرب وما حولها وعلي رأسها مكتل‏(‏ زنبيل‏)‏ فتتساقط الثمار فيه من غير حاجة إلي قطاف أو كلفة لكثرة تلك الثمار ونضجها وهي علي أصولها‏.‏
كذلك قيل إنه من فضل الله تعالي عليهم لم يكن بمأرب شيء من الذباب أو البعوض أو البراغيث‏,‏ ولا شيء من الهوام‏,‏ وذلك لاعتدال المناخ وصحته‏,‏ ولذلك قال تعالي :‏ لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال‏...‏ أي علي جانبي الجبلين المحيطين بالسد‏,‏ وتستمر الآية بقول ربنا تبارك وتعالي :‏ كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور‏(‏ سبأ‏:15).‏
ثم جاء الشيطان وأغوي أهل سبأ بالانحراف عن توحيد الله تعالي ,‏ وعن عبادته بما أمر إلي الشرك بالله وعبادة الشمس والكواكب والقمر لتقربهم إلي الله زلفي‏,‏ فأرسل الله سبحانه وتعالي بقدرته عليهم‏(‏ سيل العرم‏)‏ بماء غزير شديد السرعة‏(‏ وهو من معاني كلمة العرم‏)‏ فدمرت السد‏,‏ وخربت الزراعة في الجنتين من حوله‏,‏ حتي تم استبدال أشجارها الغنية بثمارها‏,‏ أشجار الأراك والأثل‏(‏ الطرفاء‏)‏ وقليلا من أشجار النبق أو الدوم‏(‏ السدر‏),‏ وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالي :‏ فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل‏,‏ ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور‏(‏ سبأ‏:17,16).‏
وكان من نعم الله المنعم علي أهل سبأ في إسلامهم‏,‏ وهم من العرب العاربة‏,‏ أن عمر الأرض من حولهم فكانت قراهم متصلة آمنة‏,‏ وكذلك كانت مزارعهم مع كثرة أشجارها‏,‏ ووفرة ثمارها حتي أن مسافريهم ما كانوا يحتاجون إلي حمل زاد معهم من الطعام والشراب‏,‏ لأنهم كانوا يجدون الزاد حيث نزلوا من قرية إلي أخري‏,‏ علي طول الطريق من مأرب إلي بلاد الشام‏,‏ ولكنهم جحدوا ربهم بالشرك‏,‏ وبطروا نعمه العديدة عليهم حتي قالوا‏:(‏ ربنا باعد بين أسفارنا‏)‏ فباعد الله تعالي بين أسفارهم‏,‏ حتي أصبحوا يحتاجون الزاد والراحلة والسير في الحر والبرد وسط المخاوف الشديدة‏,‏ وذلك بعد انهدام السد‏,‏ وإصابة أرضهم بالجفاف والتصحر والقحط‏,‏ وزوال العمران من حولهم‏,‏ وفي ذلك تقول الآيات‏:‏ وجعلنا بينهم وبين القري التي باركنا فيها قري ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين‏,‏ فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور‏(‏ سبأ‏:19,18).‏
وعقابا علي شرك قوم سبأ وبطرهم مزقهم الله كل ممزق‏,(‏ حتي صارت الأمثال تضرب بما أصابهم من شتات‏,‏ يقال‏:(‏ تفرقوا أيدي سبأ‏),‏ فمنهم من رحل إلي أرض عمان‏,‏ ومنهم من ارتحل إلي بلاد الشام‏(‏ غسان‏),‏ ومنهم من هاجر إلي تهامة‏(‏ جذام‏),‏ ومنهم من هاجر إلي العراق‏(‏ آل خزعة‏),‏ ومنهم من ذهب إلي أرض يثرب‏(‏ أنمار التي نتج عنها كل من الأوس والخزرج‏),‏ ومنهم من حاول سكني وادي مكة‏(‏ مثل قبيلة خزاعة‏)‏ التي أجلتها قريش عن واديهم‏.‏
والقحط الذي أصاب أرض قبيلة سبأ‏,‏ والشتات الذي مزق غالبية أهلها‏,‏ كان عقابا من الله تعالي لتحول تلك الغالبية تحت إغراء الشيطان من التوحيد إلي الشرك‏,‏ ومن عبادة الله تعالي بما أمر إلي عبادة الشمس والقمر والكواكب‏,‏ ومن الشكر لله علي سابغ نعمه إلي التمرد والاستعلاء والبطر‏,‏ وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالي‏:‏ ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين‏,‏ وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك علي كل شيء حفيظ‏(‏ سبأ‏:21,20).‏
وتقع مدينة مأرب علي مسافة‏(192‏ كم‏)‏ شمال شرقي صنعاء العاصمة الحالية لليمن‏,‏ وكانت مأرب قد بنيت قبل ثلاثة آلاف سنة‏,‏ لتكون نقطة ارتكاز تجارية لقوافل البخور‏(‏ اللبان المر‏)‏ القادمة من ظفار المهرة إلي فلسطين وباقي مدن الشام عبر كل من شبوة‏(‏ عاصمة حضر موت‏)‏ وتمنح‏(‏ عاصمة الدولة المعينية‏),‏ كما كانت تحمل معها التجارة القادمة من كل من الهند والصين‏.‏ وكانت مأرب هي العاصمة الثانية لمملكة سبأ بينما كانت عاصمتهم الأولي هي صرواح‏(142‏ كم شرقي صنعاء‏,50‏ كم إلي الشمال الغربي من مأرب‏).‏
وتنتشر في مدينة مأرب إلي اليوم آثار حضارة مملكة سبأ‏,‏ ومنها السور القديم للمدينة‏,‏ وعدد من الخرائب المبعثرة فيها ومن حولها‏,‏ وبهذه الخرائب العديد من الأحجار المنقوش عليها كتابات بالخط المسند وقد نقل بعضها إلي متحف مأرب‏,‏ وإن كان أغلبها قد نهب ونقل إلي عدد من المتاحف الغربية‏,‏ وفي وسط مدينة مأرب توجد بقايا أعمدة قصر ضخم‏,‏ وعلي مسافة كيلو مترين إلي الجنوب من المدينة يقع ما يسمي باسم عرش بلقيس‏,‏ والمعبد الذي كانت تعبد فيه الشمس كما يصف ذلك الأثري اليمني الأستاذ أحمد حسين شرف الدين في كتابه المعنون اليمن عبر التاريخ‏.‏
وصف سد مأرب‏:‏
يقوم هذا السد علي وادي ذنه وتقع مدينة مأرب علي الضفة الشمالية منه‏,‏ ويشق وادي ذنه مجراه الضيق العميق في جبل بلق ليقسمه إلي قسمين هما بلق الأيمن‏,‏ وبلق الأيسر‏,‏ ومن أجل الاستفادة بمياه ذلك الممر الصخري الضيق‏,‏ المعروف باسم‏(‏ الضيقة‏),‏ فإن ملوك سبأ‏(‏ في القرن التاسع قبل الميلاد في عهد المكربيين‏)‏ أقاموا عليه جدارا سميكا بارتفاع الجبلين المحيطين بطول‏1800‏ قدم‏(‏ نحو‏550‏ م‏),‏ وغطوا هذا الجدار في جانبه المواجه للسيل بالصخور الكبيرة فيما عدا فتحتين للتصريف المائي في طرفي الجدار تسمين باسم الصدفين‏(‏ الصدف الأيمن والصدف الأيسر‏),‏ وبذلك تمكنوا من حجز مياه سيول ذلك الوادي لمسافة تصل إلي ثلاثة كيلو مترات‏,‏ وبعرض‏800‏ إلي‏1000‏ م‏,‏ وبذلك رفعوا مستوي الماء أمام السد إلي مستوي الأراضي الزراعية الواقع علي جانبي الوادي فأقاموا علي كل جانب منه جنة من مختلف أشجار الثمار وصفهما القرآن الكريم بقول ربنا تبارك وتعالي :‏ جنتان عن يمين وشمال‏...‏ ولا يزال كل من الصدفين الأيمن والأيسر قائمين إلي اليوم‏.‏
واستمر سد مأرب في خزن مياه السيول في وادي ذنه لقرابة‏(1400‏ سنة‏)‏ منذ أول القرن الثامن قبل الميلاد إلي أواخر القرن السادس الميلادي حين حدث انهياره التام بواسطة سيل العرم‏,‏ وذلك في زمن‏(‏ سيف بن ذي يزن أو قبله‏),‏ وكان السد قد أصيب من قبل بعدد من التصدعات التي تم ترميمها‏,‏ وذلك في سنة‏(145‏ ق‏.‏م‏),‏ وفي أوائل القرن الميلادي الخامس‏,‏ وفي منتصف القرن الميلادي السادس‏(‏ في زمن أبرهة الأشرم في حدود سنة‏541‏ م‏),‏ حتي دمره سيل العرم في أواخر القرن السادس الميلادي تدميرا كاملا‏,‏ ولم تقم له قائمة حتي قام سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله بالمساعدة المالية لحكومة اليمن من أجل إعادة بناء سد مأرب‏,‏ وقد أعيد بناؤه فعلا بالكامل‏.‏
د‏.‏ محمد علي البار‏1427:‏ ه‏/2007‏ م‏):‏ إضاءات قرآنية ونبوية في تاريخ اليمن‏.‏
من هنا كان في استعراض القرآن الكريم لأمة سبأ‏,‏ وجه من أوجه الإعجاز التاريخي في كتاب الله‏,‏ وذلك لأن سبأ هي واحدة من أقدم الأمم المعروفة لنا‏,‏ فهي أمة موغلة في التاريخ إلي حدود الألفية الثالثة قبل الميلاد‏(2500‏ ق‏.‏م‏),‏ واستعراض القرآن الكريم لما كانت فيه تلك الأمة من نعيم مقيم‏,‏ وكيف انحرفت غالبية أفرادها عن منهج الله‏,‏ وأشركت في عبادته الشمس والقمر والكواكب فأرسل الله تعالي عليها سيل العرم فدمر سدودهم‏,‏ وأغرق مزارعهم‏,‏ وخرب ديارهم‏,‏ وشتت شملهم‏,‏ وجعلهم أحاديث في أفواه الناس‏,‏ كل ذلك لم يدونه إلا القرآن الكريم‏,‏ لأن ما جاء عن قوم سبأ في كتب الأولين لا يتعدي ذكر الاسم فقط‏,‏ وما جاء عنهم في كتابات الحضارتين اليونانية والرومانية القديمتين لا يتعدي وصف التجارة بين مملكة سبأ وأصحاب هاتين الحضارتين‏..‏ من هنا كان في ذكر القرآن الكريم لأمة سبأ شهادة تاريخية لهذا الكتاب العزيز بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية‏,‏ بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله‏,‏ وحفظه بعهده الذي قطعه علي ذاته العلية‏,‏ في نفس لغة وحيه‏(‏ اللغة العربية‏),‏ وحفظه كذلك لفترة زادت علي الأربعة عشر قرنا‏,‏ وتعهد بهذا الحفظ تعهدا مطلقا حتي يبقي القرآن الكريم شاهدا علي الخلق أجمعين إلي ما شاء الله‏,‏ وشاهدا للنبي الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة‏..‏ فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين‏..‏ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏

المزيد من مقالات د. زغلول النجار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.