منذ اسابيع تناولت قضية الانفلات في الشارع المصري وقلت إن الحكومة لن تهدأ بالاً إلا بعد أن دخلت خيولها نادي القضاة.. وكنت ومازالت أري أن الحكومة تتعامل في احيان كثيرة مع الاصوات المعارضة في أي موقع بأسلوب واحد هو الحلول الأمنية رغم اننا جميعا في حاجة للحوار لانه الطريق الوحيد لصراع الافكار واختلاف المواقف وقد وصلتني هذه الرسالة من المستشار عبدالكريم حسن رئيس محكمة استئناف القاهرة معاتباً حول ما كتبت وخلاف الرأي لا يفسد للود قضية.. فانا احمل تقديراً عميقا لقضاء مصر الشامخ. لقد طالعت كعادتي ما ورد في مقال الاستاذ فاروق جويدة تحت عنوان انفلات الشارع مسئولية من؟ والذي جاء به.. هناك مظاهرات واحتجاجات كانت واضحة في رسالتها ومضمونها ومن بينها احتجاجات رجال القضاء طوال عام كامل تجسد في هذا الانقسام بين اجهزة العدالة.. كانت الدولة ممثلة في بعض الاجهزة المسئولة تعكس فكرا وموقفا يختلف تماما عن فكر وموقف نادي القضاة.. واستعصت دائرة الخلاف بين تيارات متباينة ولكنها كانت تؤكد وجود حالة من الرفض الشديد لسياسات الحكومة وصلت بالقضاة إلي هذه الدرجة من التذمر والاحتقان الشديد.. وكما هي العادة لم تسترح الدولة.. إلا بعد أن دخلت خيولها نادي القضاة وأسكتت الاصوات المعارضة. والحق أنه قد هالني ان يصدر مثل هذا الكلام من شاعر جميل، رقيق ومتميز احبه واقتني دواوينه.. اذا كيف يقتنع هذا العقل الراقي بهذا الفهم المغلوط للامور ولعل توضيح الامور وقد غمت حتي علي خاصة الناس يجعلنا نكسب رجلا بوزن فاروق جويدة لصف المدافعين عن قيم القضاء وتقاليده والوقوف بوجه من يسيئون اليه باعتبار أن القضاء علي ما هو مسلم به منا جميعاً الحصن الاخير للضعفاء والمظلومين وصمام الآمن للحكام والمحكومين بغيره تسود شريعة الغاب وتتلاشي الفروق بين الجهلة وذوي الالباب لذلك كله ومن اجله اقول لعزيزي الاستاذ فاروق جويدة ياسيدي.. ان الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه اشترط فيمن يتولي القضاء اللين في غير ضعف والشدة في غير عنف والامساك بغير بخل والسماح في غير سرف ومن دخل نادي القضاة ليسوا خيولا للحكومة وانما هم من هذا الصنف من الرجال فرسان للعدالة اخرجوا من رفضتهم جموع القضاة بعد أن بلغ السيل الزبي وادركت القلوب الحناجر واصبح لزاما علي الجميع ليحافظوا علي حيدة ناديهم بعيدا عن الاحزاب والمتحزبين أن يقفوا وقفة رجل واحد وان يلفظوا محبي الظهور واختلاق البطولات، وأن يعمدوا إلي تحقيق مصالحهم بأساليب محترمة ورثوها عن اسلافهم سماتها الحكمة والهدوء والوقار، وليسقطوا من حسابات ناديهم فترة تسييس اضرت به وبهم وكادت تسلب منهم كل صفة للحياد والموضوعية فنادي القضاة لم يكن بحاجة لخيول الحكومة بقدر ما كان بحاجة إلي رجال يعرفون قدر انفسهم وقدر زملائهم وينكرون ذواتهم أما المزايدة علي نادي القضاة والقول بتدخل الدولة في شئونه فهو امر مرفوض وبعيد كل البعد عن الحقيقة المستقرة لان القضاة هم الذين يقررون ما يريدونه بما يحافظ علي كرامتهم في عيون انفسهم وعيون الناس، فقد وقفوا في وجه القلة الذين دأبوا علي التحريض علي الامتناع عن الاشراف علي الانتخابات بالمخالفة لاحكام الدستور والقانون والواجب الاخلاقي لهذه المهمة النبيلة، بل وسارعت جموعهم إلي رفض هذا التحريض والالتزام بثقة الدولة والشعب فيهم، ولم يتعرض احد لهذه القلة بسوء رغم ما في هذا التحريض من مخالفة صارخة لقيم القضاء وتقاليده وخروج صارخ علي احكام القانون والدستور واخلال لاشك فيه بواجبات وظيفتهم القضائية بل ترك الامر لرأي جموع القضاة فكانوا عند حسن الظن بهم.. ومن المؤسف أن الغي الاشراف القضائي الكامل علي الانتخابات بسبب تصرفات هذه القلة فخسر القضاء وخسر الشعب كله خسارة كبيرة لا تخفي علي فطنة الجميع. ياسيدي.. ازعجني بشدة ان يقر في وجدانكم هذا التشبيه المستتر في مقالكم بين دخول خيول الفرنسيين الازهر الشريف وبين دخول هذه الكوكبة المحترمة من رجال القضاء لمجلس إدارة ناديهم فلا الحكومة لها دخل في نجاحهم ولا هم ولن يكونوا خيولها بل قادة للركب القضائي المحترم.. تحياتي لك شاعرا جميلا للحب والجمال.. وفقط.. دمت لمصر ودامت مصر لنا جميعا.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. المستشار/ عبدالكريم حسن رئيس الاستئناف بمحكمة استئناف القاهرة المعار لدولة الكويت الرئيس السابق لنادي القضاة بالشرقية