ما يخشاه المرء ألا تسفر القمة العربية الدورية التي تعقد في الدوحة في نهاية الشهر الحالي عن مصالحة حقيقية. بل وأن تشهد ساحتها سجالات جديدة بين الأطراف العربية التي مازالت تتمسك بمنطق التقسيم الذي فرضته إدارة بوش علي الدول العربية من خلال محورين.. الاعتدال، والممانعة وهذا رغم رحيل هذه الادارة. ** قمة مصارحة أم مصالحة..؟ التحركات التي شهدتها المنطقة كثيرة.. زيارات .. واتصالات ومباحثات كلها جرت بدعوي التصالح بين الأطراف العربية ناهيك عن الأطراف الفلسطينية بيد أن المحصلة حتي الآن لاتشي بالتفاؤل.وبمعني آخر قد يكون هناك بصيص من الضوء ولكنه لا يزال معتما ويأتي انعقاد قمة الدوحة بعد قمة الرياض الرباعية المصغرة التي عقدت في 11 من الشهر الحالي وشاركته فيها مصر والسعودية وسوريا والكويت والتي نظر إليها علي أنها أشبه ما تكون بالمصارحة منها بالمصالحة. لقد أكدت كل الاتصالات واللقاءات التي تمت حتي الآن بين السعودية وسوريا وبين الاردن وسوريا وبين إيران والسعودية والسعودية وقطر علي أنها جميعا أقرب ما تكون إلي اللقاءات الشكلية والتي تهدف إلي إعطاء الانطباع بعودة لغة التواصل والحوار العربي العربي بعد انقطاع دام عدة سنوات. وعليه تظل الملفات الرئيسية موطن الخلاف قائمة كما هي لم تحل وهي تلك المتعلقة بلبنان وفلسطين والعراق وإسرائيل والعلاقات مع ايران ومع أمريكا. * العلاقة مع إيران.. في قمة الرياض طرحت القضايا الرئيسية حول المقاومة ومدي مشروعيتها، وإيران والعلاقات معها والوضع في لبنان وفلسطين وكيف يمكن التوصل إلي وئام بين الأطراف من أجل تذليل أيه مصاعب تعترض أي ملف . طرحت الملفات ونوقشت بيد أنها لم تحسم بصورة نهائية ولهذا تم ترحيلها إلي قمة الدوحة لعل وعسي. وتظل العلاقة مع إيران هي أكثر الملفات تعقيدا. طرحت في قمة الرياض ونوقشت أبعادها. بل ومورست الضغوط فيها علي سوريا من أجل فصم علاقتها مع طهران.. إلا أن المحاولات باءت بالفشل أمام إصرار سوريا علي التمسك بعلاقاتها الاستراتيجية معها. * رسالة أوباما غير المسبوقة... ولا شك أن التطورات الراهنة- وتتصدرها رسالة أوباما لايران في عيد النيروز- تفرض علي دول الاعتدال وتحديدا السعودية ومصر والأردن أن تتفهم مصلحة سوريا في حرصها علي الابقاء علي علاقتها سارية مع ايران، فكل من الدولتين تتطلعان إلي الوصول إلي رغبة مشتركة، ولا يمكن لسوريا أن تبتعد عن ايران اللهم إلا إذا توافرلها عامل تعويضي يفي بما قد تحققه إيران لها.ولا أظن أن الدول العربية- خاصة المحسوبة علي محور الاعتدال- في جعبتها ما تمنحه لسوريا كعامل تعويضي وكبديل مقابل لعلاقتها مع إيران. ولو أنصفت القيادات العربية لتركت لكل دولة حرية الحركة في دائرتها الاستراتيجية علي ألا يحول هذا من التواصل فيما بينهم. وفي هذا الاطار ينبغي علي الدول العربية إدارة أي خلاف بشكل يصب في النهاية في صالح الأمة العربية. *إسرائيل هي العدو.. يتعين علي الحكام العرب فيما لو أرادوا التشبث بعمل عربي مشترك ألا يتوقفوا كثيرا عند علاقات إحدي دولهم بأي طرف إقليمي، فإيران علي سبيل المثال لن تكون عدوا للعرب كإسرائيل. أما عن امتداد نفوذها في المنطقة فهذا أمر طبيعي ساهمت فيه الدول العربية نفسها عندما انسحبت من الميدان وتركت العراق بمفرده لادارة بوش وبالتالي سارعت إيران لملء الفراغ. وعليه فإن هذا أمر يمكن علاجه من خلال أداء العرب أنفسهم وليس بمعاداة إيران التي يمكن لنا الاستفادة منها في دعم قضايانا. من الظلم أن يتعامل الحكام العرب مع إيران كفزاعة ويحرضون ضد ملفها النووي رغم أنه حتي الأن لم يتعد النظام السلمي. في حين تترك الساحة لإسرائيل ترتع فيها وتعربد ناسين أنها الأكثر خطرا علي المنطقة بترسانتها النووية التي تملكها. *علامة استفهام..! علامة استفهام مازالت ترتسم أمام مصر وموقفها من سوريا،رغم اجتماع المصالحة في قمة الرياض يظل الخلاف بين مصر سوريا هو الأكثر حدة وهو مبني علي أوهام وتهويمات، فمصر تعتقد بأن سوريا كان لها دور في تحجيم مكانة مصر وتجاهلها لدورها. ولقد استاءت مصر عندما انتقدت سوريا موقفها وطالبتها بفتح معبر رفح وحملتها مسؤلية إغلاقه وكأنها بذلك قد شاركت في الابقاء علي الحصار مفروضا علي غزة. كما أن مصر تنتابها الظنون بأن سوريا تحرض حماس وقياداتها الموجودة في دمشق للحيلولة دون إتمام المصالحة الفلسطينية في القاهرة بهدف سحب البساط من تحت أقدام مصر وتفويت الفرصة عليها في الحصول علي ما تتطلع إليه من تحقيق مكاسب سياسية. * المخاوف من تداعيات... بؤرة خلاف أخري نشأت مؤخرا بين الأردن وقطر يخشي أن يكون لها انعكاساتها علي قمة الدوحة ولقد جاءت علي خلفية أحاديث حسنين هيكل عبر قناة الجزيرة تعرض خلالها للأسرة الهاشمية وللملك الراحل حسين بادعاء أنه كانت تربطه علاقة سرية بالدولة العبرية والمخابرات الأمريكية. ويخشي أن تؤدي هذه الروايات إلي تداعيات تقود إلي عدم مشاركة عاهل الأردن في القمة. كما يخشي من أن يقاطع عاهل السعودية والرئيس المصري القمة فيما إذا تأكد لهما أن قطر قد وجهت الدعوة لأحمدي نجاد لحضور القمة كمراقب. يظل من الضروري إيجاد موقف عربي مشترك في قمة الدوحة إزاء حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة التي لا تهتم بعملية السلام، فضلا عن أن لديها مشاريع كثيرة في المنطقة ، كوحدة الموقف العربي من شأنها أن تدفع إدارة أوباما إلي اتخاذ مواقف إكثر عدلا بالنسبة للقضية الفلسطينية تحديدا والقضايا العربية عامة علي أساس أن إدارة أوباما ربما تكون أكثر ليونة من إدارة بوش وبالتالي تكون مستعدة للتعامل مع ملفات المنطقة بطريقة أفضل من السابق. *بعيدا عن الذرائع... ويظل من الضروري بمكان عدم استباق الأحداث وعدم التذرع بالحجج لأن ذلك كفيل بتأجيج المواقف وتصعيد الأمور بما ينعكس بالسلب علي القمة العربية وعلي صورة العرب أنفسهم أمام العالم. أليس غريبا أنه في الوقت الذي يبعث فيه أوباما برسالة غير مسبوقه لايران تحمل رغبته في الحوار معها وتصفية ما علق بينهما من خلافات ان يقف العرب من طهران هذا الموقف المتنمر العدائي؟! رجاء لا تفشلوا القمة قبل أن تعقد من خلال شروط اذعان يفرضها كل طرف علي الآخر، الاملاءات لا تجدي وشروط الاذعان لا تفيد.