عندما تشتد الأزمات الاقتصادية في العالم يتعاظم دور الاجهزة الرقابية وينتظر منها ان تؤدي الكثير ويتوقف ذلك علي مدي الشفافية والافصاح المنبثقة عن استقلالية لهذه الاجهزة في كل قطر في العالم وعلي الرغم من ذلك فإن الاوضاع قد تبدو عجيبة في الشارع المصري يسبب التشابك والتلاحم بين الاجهزة الرقابية والحكومة بصورة جعلت الأخيرة تقوم بدور الخصم والحكم في ذات الوقت والأمر يصبح اكثر عجبا عندما يذيع صيت مصر علي الصعيد الدولي وتصبح محلا لانتقادات تقارير دولية بسبب غياب الحدود الفاصلة بين الأجهزة الرقابية وبين الحكومة فكثير من الاجهزة الرقابية يديرها وزراء في مفارقة كبيرة. يذكر أن أحدث التقارير الدولية الصادر عن 9 مؤسسات حقوقية دولية ومحلية ان المسافة لا تزال شاسعة بين مسيرة الحكومة المصرية وبين اول طريق الالتزام باتفاقية الاممالمتحدة لمكافحة الفساد واكد انه رغم تعدد الجهات إلا أن الفساد متفش بصورة غير مسبوقة في تاريخ مصر واكد التقرير انه لا توجد في مصر حتي الآن هيئات لمكافحة الفساد تستحق ان توصف بالمستقلة. نبوت الغفير من جانبه يقول الدكتور عبد الحميد رضوان الباحث الاقتصادي بجامعة القاهرة ان الاجهزة الرقابية في مصر تعاني من قصور شديد لا يوصف الا بالمهزلة واصفا ما يحدث بأنه اشبه بوضع "النعامة" التي تضع رأسها في التراب مشيرا الي انه لو كانت العبرة بعدد مواد قوانين العقوبات، لكانت مصر اقل دول العالم في نسبة الجرائم، فالعبرة بالتطبيق وليست بالتشريع ولو كانت العبرة بعدد الاجهزة الرقابية لكانت مصر أقل دول العالم في قضايا الانحراف والاختلاس والرشاوي والفساد من سوء حظنا ان العبرة بالانجاز وليست بكيرة اليفط. اضاف انه لو أردنا الحديث عن الرقابة في مصر بوجه عام سنقول ان هناك برلمانا يراقب الأداء الحكومي، ويمتلك سحب الثقة من الحكومة التي لا تراعي مصالح الشعب في كثير من الاحيان متسائلا هل فعلها مرة؟! بالطبع لم يفعلها وما نظنه سيفعلها مستقبلا ذلك اننا نأخذ من الرقابة شكلها وليس معناها فإذا كان القياس واجبا علي مجلس الشعب، فماذا يمكن ان يقال عن الاجهزة الرقابية الاخري الاقل درجة؟ ماذا يمكن ان نقول عن الرقابة الادارية والجهاز المركزي للمحاسبات ومباحث الأموال العامة والكسب غير المشروع والبنك المركزي المصري والتفتيش القضائي، وادارات الرقابة المحلية الموجودة في كل زقاق وحارة وشارع في مصر بشكل يثير الرعب، وانجاز لا يختلف. اضاف ان نتائج الازمة المالية العالمية بدأت آثارها تظهر بوضوح علي حركة الاسواق التي يصاحبها غياب الشفافية وعدم الافصاح، مشيرا إلي أن ازدواجية التعامل ما بين القطاعين العام والخاص نتيجة لتغيير النظام الاقتصادي يتولد عنه فساد وتكون محاولة استغلال المال العام كبيرة وان استقلال الاجهزة الرقابية بالدولة هو الخطوة الاولي لمكافحة الفساد وطالب بضرورة فك التشابك بين الاجهزة الرقابية للدولة والحكومة وقال لدينا مثال جهاز منع الاحتكار الذي يوجد داخل وزارة التجارة والصناعة والمجلس الاعلي للضرائب الذي يديره وزير المالية في مفارقات لا توصف الا بالعجيبة. واضاف رضوان ان الحديث في أروقة الحزب الوطني خلال الفترة الماضية حول امكانية دمج جميع الاجهزة الرقابية في بوتقة واحدة لا يمثل حلا للمشكلة لاننا ببساطة نحتاج إلي اعادة ترسيم الحدود بين سلطات الاجهزة الرقابية والحكومة. ومن جانبه يؤكد الدكتور صلاح الجندي الخبير الاقتصادي ان تداخل وتضارب السلطات هو السبب الرئيسي في عدم فاعلية الاجهزة الرقابية في الدولة مستشهدا بالغاز حالات الاحتكار التي شهدها الاقتصاد المصري وثغرات القانون التي ساهمت في اذكاء الاحتكار وتعميقه داخل الاسواق. ويضيف الجندي ان مصر وعلي الرغم من وجود اجهزتها الرقابية الا انها تعاني من الإغراق والغش التجاري والاحتكار وهي عناصر كفيلة بقتل أي اقتصاد حر مالم تتوافر الضوابط الحاكمة التي تساعد علي تفعيل الاجهزة الرقابية التي تعاني الازدواجية معتبرا ان اقتراح الحكومة يضم جميع الاجهزة الرقابية باختلاف اشكالها تحت مظلة هيئة واحدة مستقلة انما يعتبر نوعا جديدا من التكبيل والتهميش لهذه المؤسسات الرقابية الامر الذي سيؤدي إلي تعميق الفساد الاداري مادامت لا توجد رقابة حقيقية.