عام بعد عام نشاهد الجهاز المركزي للمحاسبات وهو يلقي بخطاباته القوية واتهاماته أحيانا التي تحاكم الحكومة بأرقامه في بيت الشعب، حاملا أوراقه التي تعد وثيقة تدين الحكومة وتصرفاتها في المال العام، فإذا كان من المفترض أن يلعب الجهاز دور القاضي الذي يحكم ويتم التنفيذ مهما كانت قساوة الحكم إلا أن ما يحدث غير ذلك فبعد خدمة استمرت نحو 66 عاما يطرح السؤال نفسه.. ما مدي سلطات الجهاز المركزي للمحاسبات؟! وما دوره إذا كان مقيدا بضوابط وقواعد تقلل من هذا الدور فهو لا يزال غير قادر علي إحالة الجهة المقصرة في أدائها إلي القانون إذا ثبت ارتكابها لمخالفات وعلي الرغم من أنه من المفترض أن يكون بيت الشفافية والإفصاح أي بمثابة عين الشعب اليقظة علي حكومته وأدائها إلا أنه مصاب بعدوي (سري جدا)!! التي مازالت تحيط بمعظم تقاريره التي من المفترض أن تكون سببا رئيسيا في إقالة حكومات وليس حكومة واحدة والمشهد الذي يتكرر منذ سنوات لا ينجم عنه شيء سوي لغط وجدل بين الحكومة والجهاز تهدأ فصولها بعد أيام لننتظر المشهد مرة أخري العام المقبل مع سؤال ملح نكرره طيلة سنوات هو: أين تذهب تقارير الجهاز وما جدواها؟ وماذا فعلت لمكافحة الفساد؟ وما هو مفهوم الشفافية والإفصاح في أداء الجهاز في ظل إحاطة تقاريره بالسرية التامة وفوز من يحصل عليها بأنها انفراد وما هي أبرز مطالب الخبراء خلال الفترة المقبلة لتعديل القانون المنظم للجهاز؟؟ من جانبه أكد الخبير القانوني مصطفي عبدالغفار أن أداء الجهاز المركزي للمحاسبات لابد أن يتسم بالشفافية والإيضاح حتي يحقق دوره المنوط به مشيرا إلي أن كلمة سري للغاية ينبغي أن تكون غير مطلقة بل محددة إلا ما قد يؤدي إلي الإضرار بالمصلحة العامة في حال نشره وبالتالي عدم إطلاق المسمي علي العموم دون تخصيص. وطالب عبدالغفار بأن يكون دور "المركزي للمحاسبات" ذا بعد أكثر وضوحا وأن يكون فاعلاً بصورة أكبر من أجل تمكين القانون من الوصول إلي أماكن الضعف والقصور معتبرا أن الاكتفاء بإلقاء التقارير أمام مجلس الشعب دونما وجود إجراءات أخري تقترن بهذا الإعلان يعد نوع من القصور في دور الجهاز والذي يحتاج إلي التعديل والتطوير للوصول إلي أقصي درجات الشفافية والإفصاح وحتي يصبح دوره أكثر فاعلية. وأضاف أن الوقت قد حان لأن تواكب الأجهزة الرقابية الإصلاحات التي يشهدها الاقتصاد المصري ومن ضمن ذلك الجهاز المركزي للمحاسبات معتبرا أن هناك ضرورة بأن تؤخذ تقارير "المركزي للمحاسبات" بقدر أكبر من الجدية، وألا يكون مآلها إلي إدراج مجلس الشعب، مما دعا الجميع للتساؤل: ما فائدة الجهاز وما قيمة مجهوداته في ظل مراقبة الجهاز الإداري للدولة مشيرا إلي أن الهدف من تكوين الجهاز في البداية هو أن يصبح عين الدولة في تنفيذ أهدافها وحماية مواردها والحفاظ علي شرعيتها، لكنه ق يصبح في المستقبل كياناً استشارياً كالمجلس القومي لحقوق الإنسان وغيره من الأجهزة، التي تكشف المخالفات والجرائم ولا تستطيع أن تأخذ إجراء إيجابياً. الجهاز والأزمة العالمية ويلتقط عمرو عبدالمتعال الخبير القانوني أطراف الحديث قائلا إن تطوير أداء الجهاز المركزي للمحاسبات يعتبر ضرورة خصوصا في ظل الأزمة المالية العالمية وما فرضته من تحديات علي جميع دول العالم تتطلب إعادة النظر في النظم المالية والتجارية السائدة في العالم سواء علي الصعيدين العالمي والداخلي وهو ما يؤكد ضرورة إعادة النظر في القوانين المنظمة للأجهزة الرقابية ومنها الجهاز المركزي للمحاسبات حيث إن تمكينه بصورة أكبر يعتبر الأساس في مواجهة الأزمة خصوصا مع تزايد دور الدولة خلال الفترة المقبلة في صورة تعود بالأذهان إلي فترة الاقتصاد المختلط الذي تخلصت منه كثير من الدول النامية وعاد إليها مجددا مع تداعيات الأزمة المالية العالمية. واعتبر عبدالعال أن مشكلة الدول النامية عموما هي غياب الحد الفاصل بين السياسة وحدود القانون معتبرا أن دور الجهازالمركزي للمحاسبات وتعميقه يتوقف علي وجود الإرادة السياسية مشيرا إلي أهمية إعادة هيكلة القانون المنظم للجهاز وإعطائه الفرصة لمزيد من الرقابة علي المجتمع الاقتصادي بما يحقق الشفافية والإفصاح في وقت الأزمة. سري للغاية أما الدكتور عماد جاد الخبير الاقتصادي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية فقد أوضح أن دور الجهاز المركزي للمحاسبات لابد أن ينطوي علي قدر أكبر من الشفافية والإفصاح منتقدا إطلاق ما يوصف بأنه (سري للغاية) علي ملفاته وقضاياه التي يتناولها ومعتبرا ذلك ضد مبدأ الحيدة والشفافية التي من المفترض أن يتمتع بها الجهاز قانونا ومشيرا إلي ضرورة توجيه مزيد من الاهتمام بتقاريره التي يرصد فيها ملاحظاته علي أداء الأجهزة والهيئات في مختلف أجزاء المجتمع الاقتصادي حيث يجب إعادة هيكلة القانون بما يحقق استقلاله من جهة ويوفر له المقدرة علي مواجهة الحكومة ومراقبتها من جهة أخري. وتابع جاد قائلا: إن معظم تقارير الجهاز يكون مصيرها سنويا الدخول في ادراج مجلس الشعب دون أن يكون هناك الزام قانوني أو أخلاقي بالعمل بالملاحظات وهذا لا يحقق الهدف أو الغرض من إنشائه من البداية إذا كانت ملاحظاته ستتحول إلي معارك ومصادمات وقتية بينه وبين الحكومة ثم تنتهي ويدخل الأمر في طي النسيان دون وجود مساءلة قانونية أو أي احترام لهذه الملاحظات. شريف نور الخبير الاقتصادي أوضح أن الجهاز يحتاج إلي إعادة هيكلة فنية وإدارية وقانونية مطالبا بضرورة اتباع معايير محاسبية عالمية بعيدا عن النظام المحاسبي الموحد البالي الذي لا يتسق مع المعايير العالمية. ويقول نور إنه في النهاية لابد أن يعلم الجميع أن الجهاز المركزي للمحاسبات لا ينبغي أن يعمل بمفرده فلا يعقل أن تقوم جهة واحدة بعينها بالرقابة الشاملة علي مدي كفاءة وفعالية الأداء الحكومي.. موضحا أن الجهاز المركزي للمحاسبات قد يكون من ضمن الجهات الرقابية لكنه لا يفترض أن يكون الوحيد في دولة فيها برلمان يحاسب ويناقش وقد يسترشد ببيانات الجهاز المركزي للمحاسبات ولكن لديه لجان تقصي حقائق وجهات رقابية أخري.. ولا ينبغي أن نلقي باللائمة علي جهة دون أن نتناول بقية أطراف المنظومة وكيفية الربط بينها وتسهيل تبادل المعلومات علي النحو الذي يحقق مبدأ الشفافية والإفصاح.