التغيير مطلوب.. هذا هو شعار القطاع المصرفي في الآونة الأخيرة من خلال حركة التغييرات التي يشهدها القطاع علي مستوي قياداته باستمرار حيث يعد عام 2008 أكثر الأعوام نشاطا في تغيير قيادات البنوك وإن كان البعض ينظر إلي هذه التغييرات علي أنها دليل علي تطور الفكر المصرفي وضخ دماء جديدة في الشارع المصرفي إلا أن هناك أسئلة كثيرة تطرح نفسها خاصة في البنوك العامة حول المعايير التي يتم من خلالها تقييم أداء الرؤساء والقيادات ومدي استمراريتهم في مناصبهم هل يتوقف ذلك علي حجم الائتمان الممنوح أم الأرباح المتحققة للبنك بغض النظر عن الآليات المتبعة بهذا الصدد. من جانبه يؤكد الدكتور رشاد عبده - أستاذ العلوم المصرفية بالأكاديمية العربية للعلوم المصرفية - أن معايير انتقاء قيادات البنوك وتقييم أداء رؤساء البنوك يتوقف نظريا علي عدة عوامل أهمها مدي مساهمة البنك في ايجاد الائتمان الفاعل في المجتمع ودوره الواضح في خدمة أهداف التنمية فهذا هو المفهوم الأشمل للائتمان الكفء والذي سيتحقق من خلاله تعظيم دور أي منشأة ولكن بتطبيق هذه الأهداف علي أرض الواقع سنجد أنها ليس لها علاقة بالمعايير المطبقة عمليا حيث يتم اختيار رؤساء البنوك وفقا لمعايير الربحية البحتة بعيدا عن ايجاد الائتمان وللأسف لا ينطبق ذلك فقط علي البنوك الخاصة بل يمتد ليشمل أيضا البنوك العامة الأمر الذي يفرض علينا ضرورة إعادة النظر في السياسات التي يتم انتقاؤها في اختيار قيادات البنوك. أضاف عبده أن الوقت القادم فرصة للمقارنة بين الأهداف المرجوة والمحققة مشيرا إلي خطورة استمرار سير الاتجاهين في طريق متواز معتبرا أن التوقيت الحالي يمثل الحاحا شديدا مقارنة بأي وقت مضي يتطلب من البنوك أن تعود لدورها سواء أكانت خاصة أو عامة بعدما انحرفت عن الاتجاه السليم واتجهت للأرباح البحتة ضاربة بأي أهداف أخري عرض الحائط. إعادة نظر كما يؤكد أحمد فرج - خبير التقييم بالبنك التجاري الدولي - ان اختيار قيادات البنوك يحتاج إلي إعادة نظر إذ إن كثيرا من التساؤلات يطرح نفسه حول هذه القيادات من حيث كيفية اختيارهم وما خبراتهم وكيف يمكن فتح الطريق لأجيال جديدة من المصرفيين وليس ذلك فقط بل وكيف يتم اختيار القيادات في الإدارات والفروع بالبنوك العامة الباقية.. هل هناك ضوابط وهل هناك سياسة أم أن الأمر لا يتجاوز بعض المجاملات والترقيات التي تستند إلي معايير شخصية بعيدا عن الكفاءة ولكن استنادا إلي الرضا من إدارة البنك فمحفظة الاستثمار تبدو شبه مجمدة.. وحركة العمل داخل البنك أصبحت تحتاج إلي هزة والقادمون الجدد إلي السوق لديهم القدرة علي الحركة والتغيير واختيار القيادات وإعادة تأهيلها. واعتبر فرج أن اختيار رؤساء البنوك وتقييم أدائهم لابد أن يتم في ضوء معايير وضوابط تتواكب مع خطط الإصلاح المصرفي ومع المنافسة المحتدمة في السوق المحلي من قبل عدد من البنوك الخاصة والأجنبية والمشتركة، ويري أن ما يجري في البنوك يشبه المخاض ونأمل ألا يدفع إلينا بمولود مشوه فالساحة المصرفية الآن بها العديد من البنوك الخاصة والمشتركة.. البنوك العامة في حالة ترقب حول مستقبلها وفي كل هذا الانشعال تنمو الوحدات الأخري وتسعي في السوق بقوة وبإدارات جديدة بينما يظل المصرفيون في البنوك العامة وغيرهم ينتظرون طابور الترقية ويلاحقون نواب الشعب والشوري وآخرين للحصول علي كارت توصية للفوز بترقية أو التصعيد لموقع أفضل أو النقل لمكان مميز. غير منطقية أما محمد رضوان نائب رئيس بنك الإسكندرية سابقا فقد أوضح أن معايير اختيار القايادات في البنوك ومدي استمراريتهم تتوقف علي عوامل غير منطقية بعيدة عن أهداف علم الإدارة السليمة التي يجب الارتكاز عليها في انتقاء القيادات المصرفية سواء مدي إلمامه الأفضل بالعملية المصرفية ومدي قدرته علي متابعة كل ما هو جديد ومدي مساهمته في ايجاد ائتمان واضح ومنظم. إلا أن رضوان شدد علي ضرورة الرقابة علي أداء البنوك في الفترة المقبلة في ظل تحديات خطيرة تفرض نفسها علي الساحة المصرفية في الآونة الأخيرة وتجعل دورها أكبر في ظل تداعيات الأزمة المالية العالمية. وانتقد رضوان أهداف البنوك العاملة في السوق في السنوات الأخيرة مشيرا إلي أنها تعتمد بالأساس علي تحقيق أهداف المساهمين علي حساب أهداف أخري من خلال زيادة أرباح البنك دون النظر إلي البعد الاقتصادي والاجتماعي الذي تلعبه البنوك داخل اقتصاد أي قطر من الأقطار. وأوضح رضوان أن الفيصل في اختيار القيادات المصرفية ليس السن فقط بل من الممكن أن نجد قيادات تتمتع بكفاءة إدارية محترفة ومازالوا قادرين علي العطاء والأمثلة كثيرة في الشارع المصرفي علي وجود مثل هذه الحالات، كما أشار إلي إنه لا يعترض علي وجود الربح كهدف لأي بنك لانه يؤكد علي قوة البنك ككيان مصرفي قوي إلا أنه ينبغي أن يظل في إطار كونه أحد الوسائل وليس غاية وحيدة لأي بنك. ويؤكد محمد مرجان - الخبير المصرفي بأحد البنوك الأجنبية - أن البنوك العامة مازالت تحتاج إلي معايير أكثر نضجا في انتقائهم لقيادات البنوك حيث إن السجل الوظيفي لأي منهم كموظفين في البنوك والمؤسسات الأجنبية يؤكد كفاءتهم وأن ما يحصلون عليه من رواتب هو سعرهم في سوق العمل بل إن منهم من قدم تضحيات بقبوله العمل في بنوك عامة من منطلق أنه يري أن العمل في بنك وطني يستحق ذلك، مشيرا إلي أنه لا يصح أن يجري العمل فيه إلا بتوزيع صحيح للأدوار بين الجميع بحيث تتكامل الخبرات لتجعل من البنوك العامة مؤسسة عالمية المعايير. ويري ويؤكد أحمد جلال - رئيس بنك القاهرة والشرق الأقصي سابقا - أن تحقيق الأرباح لا يتعارض مع أي أهداف أخري لأن ذلك يعني مزيدا من التوسعات الأفضل للبنك أو المؤسسة المالية، مشيرا إلي أن التغيرات التي يشهدها الشارع المصرفي في قياداته تؤكد ضخ دماء جديدة بعدما شهدنا عقودا طويلة احتفظ القطاع المصرفي بنفس الوجوه دون وجود أي معايير تزكي هذه الاختيارات. ويؤكد جلال علي ضرورة وجود خارطة طريق تستقي القيادات المصرفية من خلالها خطواتها خلال الفترة المقبلة وذلك لتحسن من أدائها من خلال التوسع في أعمال الصيرفة بكل المنتجات دون وضع البيض في سلة واحدة وإدارة التعامل الكفء مع الطفرة المالية المحققة، بفعل ارتفاع أسعار النفط، خلال الأيام السابقة وهو ما يستوجب التوسع في مجال إدارة وتمويل المشاريع بالإضافة إلي التوسع في إدارة الاستثمارات والرساميل والمحافظ والصناديق المالية والاستثمارية وضرورة التركيز علي تعميق مفاهيم الإدارة الرشيدة، وإدارة المخاطر بما يعني ذلك، من إدارة التعامل المبكر مع متطلبات "بازل 2" وسائر المعايير الدولية المصرفية والمالية والمحاسبية فضلا عن أهمية دخول أنشطة مصرفية وشبه مصرفية جديدة ومنها قطاعات التأمين والتأجير التمويلي وتمويل الإسكان وسواها ثم تتويج ذلك بتنمية الموارد البشرية الوطنية وتطويرها عبر التدريب والمتابعة، بما ينسجم مع تحولات الصناعة المصرفية إلي الشمولية.