ما يحدث في غزة أبعد منها بكثير.. المسألة تتجاوز -بالتأكيد- تدمير القطاع وإبادة اكبر عدد من سكانه.. ما يحدث في حقيقته وجوهره استنزاف لجميع الطاقات العربية.. السيناريو تكرر منذ تم زرع إسرائيل في قلب العالم العربي، وعلي مدي كل الحروب، أو الاستعداد لخوضها أو صدها، وحالة الاستنفار شبه المستمرة، وما واكب الحروب التي شنتها اسرائيل، من حروب قوي اقليمية ودولية علي العرب، في كل هذا كان الهدف الاستراتيجي هو هو: الاستنزاف. استنزاف ثروات العرب.. استنزاف طاقات العرب، وفي المقدمة البشر؛ المادة الخام لصناعة المستقبل.. استنزاف في الزمان والمكان لا يتوقف.. من فلسطين، إلي مصر وسوريا والأردن ولبنان. من دول المواجهة إلي عمقها الاستراتيجي في العراق والسودان و... و... ولعل حكاية "إعادة الإعمار" أحد اخطر تطبيقات عملية الاستنزاف المتواصلة والمستمرة دون هوادة! تدمير ما تم بناؤه لسنوات وربما لعقود، عبر خطط تنمية، وضخ المليارات في استثمارات متنوعة أو القبول بشروط للاستدانة من دول أو هيئات تتعمد الاجحاف، أو الوقوع في شباك المساعدات والمنح المغرضة. يحدث كل هذا ثم في بضع ساعات أو بضعة أيام يتم تدمير كل شيء من البنية التحتية إلي المصانع وحتي تجريف الحقول! ما الحل؟ ليس أمامنا إلا "إعادة الإعمار"!! حدث ذلك في العراق ولم تكن أصابع اسرائيل وأهدافها بعيدة، حتي لو كانت آلة الحرب أمريكية! تكرر ذلك في لبنان التي كان استهدافها اخطر وأبعد -بكثير- من مجرد تدمير ما أعيد بناؤه بعد حرب أهلية طويلة.. والنموذج يتكرر بكل وحشية وهمجية في غزة.. عدوان غاشم من قوة متغطرسة تملك آلة عسكرية لا يروي ظمأها إلا الدماء الغزيرة، حولت غزة إلي خراب بلا حدود! تحميل اسرائيل المسئولية لا يعني بأي حال فرض عقوبات وغرامات لإعادة بناء ما تم تدميره ببربرية وقسوة لا نظير لهما. علي العرب "تدبير أمورهم" وتوفير ما يضمن إعادة البناء، أي استنزاف للموارد العربية بدلا من استمرار توجيهها للتنمية والبناء ومحاولة ملامسة المستقبل! لقد خاضت مصر -بشرف- حرب استنزاف عقب النكسة كانت المقدمة والتمهيد لنصر ،73 لكن العرب واجهوا، ويواجهون حروب استنزاف بلا توقف، وليس فقط بفعل آلة الحرب الاسرائيلية وحدها، ولكن بعد ان تتوقف المدافع يكون الاستنزاف أخطر من خلال "إعادة اعمار" في انتظار دمار محتمل يلوح في الافق باستمرار!