نتوقع- طوال قراءة كتاب «اختفاء فلسطين» لجوناثان كووك- أن المؤلف البريطانى يقصد باختفاء فلسطين تحول ملكية الأرض، مما يجعل الكتاب يتناول كيفية إخفاء فلسطين وإبراز إسرائيل محلها.. يتفق هذا مع ما اعتدناه فى الكتابة «المنصفة» أو«المتعاطفة» مع فلسطين، لكن مؤلف الكتاب برع فى صنع مفارقة ما بين «اختفاء» فلسطين من خلال عملية قيام دولة إسرائيل، عبر حرب 1948 وما تلاها من حروب، واختفاء فلسطين الرمزى، كوطن ومكان لملايين من الفلسطينيين، الذين صاروا بلا هوية، وكذلك اختفاؤها الفعلى باحتلال إسرائيل المستمر لما تبقى من أراضيها، وتقليص تواجدها فى منظمات وحركات نضالية ولاجئين فى جميع أنحاء العالم. ينتمى الكتاب إلى تلك الكتابات الرافضة لمجاراة افتراءات الحق التاريخى لليهود فى أرض فلسطين على اعتبار أنها «أرض بلا شعب».. هذه المقولة تعكس رؤية خاصة بنشأة الصهيونية كفكرة، التى ظهرت على سبيل المثال، فى رواية «تيودور هيرتزل» «آلتنيولاند» «أى الأرض القديمة الجديدة»، تدور أحداث هذه الرواية فى فلسطين، وتصور سكانها بأنهم «عرب.. شخصيات قذرة.. ويبدون مثل قطاع الطرق»، ويقابل هذه الشخصيات اليهود الأوربيون «النبلاء»، الذين يستردون الأرض الموعودة، ويأتون بالحضارة التى يحتاجها السكان الأصليون.. تظهر فى الرواية شخصية عربية وحيدة، «رشيد بك»، الذى يرى فى الصهيونية واحتلال فلسطين «نعمة لنا جميعاً». اللافت أن رواية هيرتزل مهدت الطريق لاعتبار سكان فلسطين غير مرتبطين بالأرض، على العكس من اليهود الذين يرونها «حقاً تاريخياً»، و«منحة من السماء».. لهذا يناقش الكتاب نشأة إسرائيل، ويتناول عمليات سرقة واختلاس الأراضى العربية، التى كانت مملوكة للاجئين، كما يرصد عمليات التوسع فى المساحات بأسباب أمنية، وآخرها تصريح موشيه ديان فى منتصف السبعينيات، «لقد انتهت فلسطين». قبل مايو 1948 كانت هناك عمليات منظمة لشراء الأراضى، لكن نسبة الأراضى التى باعها الفلسطينيون كانت محدودة للغاية. أشرف على هذه العمليات الصندوق اليهودى القومى، الذى كان يهدف لإقامة الدولة اليهودية حسب تصوير الإنجيل لها، حيث يتناول الكتاب عمليات تدريس الإنجيل فى إسرائيل بوصفه كتاباً تاريخياً يعرض حق اليهود التاريخى فى أرض فلسطين، لكن خلف عملية الشراء كانت هناك نية أخرى ليست دينية وإنما سياسية، تهدف إلى زرع دولة إسرائيل بعد محو فلسطين، يتضح هذا من كلام أحد رؤساء الصندق اليهودى القومى، الذى يعترف بهذه النية قائلا: «ليس ثمة مكان فى فلسطين لهذين الشعبين. لن يوصلنا أى تصور لوجود شعبين لإقامة أمة مستقلة فى هذا البلد الصغير. دون العرب، ستصبح الأرض متسعة لنا، وفى وجود العرب ستظل الأرض نادرة ومزدحمة»! من ناحية أخرى تعاقدت الحكومة الإسرائيلية عام 1965 مع الصندوق على «تطهير الأرض من آخر الشوائب الفلسطينية». كما ساهم الصندوق «فى تغيير الأسماء العربية إلى أسماء عبرية، تحت زعم أنهم أعادوا اكتشاف مواقع إنجيلية»! لا يقصد الكتاب باختفاء فلسطين ما حدث منذ النكبة حتى الآن، بل يتناول العملية المنظمة لإبادة الشعب الفلسطينى.. وحتى ينتقل الكاتب الإنجليزى من تناول وقائع تاريخية تعود إلى أكثر من 50 عاماً، أى فترة الانتداب البريطانى لفلسطين، حتى إعلان المؤلف لهذا الاتهام الصريح «الإبادة». يستعرض الكتاب تاريخ تكون الدولة العبرية، وآليات توسعها، كما يشير إلى نشأة تعبير «الإبادة البشرية» على يد المحامى «رفائيل لمكين»، وهو يهودى بولندى هرب إلى الولاياتالمتحدة أثناء الحرب العالمية الثانية. لم يهدف «لمكين» بهذا المصطلح إدانة الهولوكوست فحسب، بل أراد تنبيه العالم إلى بشاعات الإبادة فى مذابح جماعية أخرى سبقت الهولوكوست مثل مذابح الأتراك ضد الأرمن والأشوريين فى العراق عام 1933. سك «لمكين» المصطلح «كان ذلك فى عام 1943»، وعرفه بأنه «ليس تعمد قتل أفراد أمة بعينها»، بل إنه- أيضاً- «خطة متسقة تتكون من عمليات وإجراءات مختلفة تهدف إلى تدمير الأسس الجوهرية لحياة مجموعات قومية».. المصطلح اعتمدته الأممالمتحدة بمؤتمر عقد بعد خمس سنوات. ثم يعلن كووك «أن أفعال إسرائيل وإجراءاتها الراهنة ضد الفلسطينيين تتسق مع تعريفات لمكين ومؤتمر الأممالمتحدة». يرى كووك أن حياة الفلسطينيين هى «نصف حياة»، بل هى حياة أقرب إلى العصر الحجرى من دون وقود أو كهرباء أو ماء.. هذا الوصف يتفق مع مفهوم الإبادة الجماعية، لكن عالم الاجتماع الإسرائيلى الراحل «باروخ كيمرلنج» استخدم تعبيراً أقل وطأة وهو «الإبادة السياسية».. وما قصده بهذه الإبادة أنها تهدف إلى «تدمير المجال العام الفلسطينى، بمن فى هذا قياداته والبنية الأساسية الاجتماعية والمادية» و»جعل الحياة اليومية للفلسطينيين غير محتملة بتزايد القضاء على المجال الخاص واحتمال الحياة الطبيعية والاستقرار» كل هذا من أجل خفض توقعات الفلسطينيين، سحق مقاوماتهم، عزلهم، إجبارهم على الخضوع للترتيبات التى يقترحها الإسرائيليون».. يرى كووك أن هذا التمييز بين الإبادة بمفهومها العام وبواقعها الإسرائيلى، ليس إلا دافعاً للاستمرار فى سياسات إسرائيل لأن إبادتها لا تأخذ شكل المذابح» طالما أن العشرات فقط من الفلسطينيين يموتون كل شهر من نيران المدفعية الإسرائيلية ومنع الغذاء، لا المئات والألوف»!! من ناحية أخرى يحذر الكتّاب من استمرار الوضع الحالى، حيث يكتب كووك: «إن الأجزاء الأخيرة من فلسطين يتم الآن ضمها إلى إسرائيل فيما يتم تركيز سكانها الأصليين فى معاقل احتجاز، استعداداً لتطهير عرقى أخير لهم لكى يفسحوا الطريق للمستوطنين اليهود»، ولا أحد يجرؤ- حسبما يرى المؤلف- على ذكر هذه التطورات. يرى كووك الذى يعيش فى مدينة الناصرة، حيث يتخذها مقراً له أن استمرار إسرائيل فى الإبادة، سواء كانت سياسية أو جماعية، سيؤدى إلى الخروج الجماعى و»نهاية فلسطين».. وإن كان يتوقع أن يكون الخروج إلى سيناء! الكتاب صدر عن «إصدارات سطور الجديدة»، بترجمة للدكتورة فاطمة نصر، ويقدمه الكاتب عبدالعال الباقورى، الذى يرى أن توقيت صدور الترجمة يتناسب مع الخطاب العنصرى الذى ألقاه بنيامين نتنياهو مطالباً الفلسطينيين بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية.. كأن الخطاب يعيدنا إلى فترة تأسيس الدولة العبرية! كما يتفق الباقورى مع رؤية المؤلف لمستقبل فلسطين، حيث يتفقان على أن «الفلسطينيين قد ظهروا.. صار يعترف بهم كشعب.. لكن فلسطين نفسها قد اختفت». المؤلف: جوناثان كووك المترجم: د.فاطمة نصر عدد الصفحات:336 الناشر: إصدارات سطور الجديدة عرب 48.. وجوه متعددة عند إعلان الدولة العبرية كان هناك 150 ألف فلسطينى داخل حدود الدولة الجديدة، «يشكلون خمس مجموع السكان»، سعت الدولة العبرية إلى «تنحية الخاصية الفلسطينية» عنهم، وقد اضطلعت وزارة التعليم الإسرائيلية بهذا الدور بداية من عام 1949 من خلال التوكيد «على التناقضات، بين المجموعات الدرزية، المسيحية، والمسلمة، وتنميتها من أجل تقليص هوياتهم العربية والفلسطينية». هذا التمييز ظهر فى مشروع أول قانون للجنسية للدولة العبرية، والذى صيغ عام 1950، الذى كان ينص على «إنكار المواطنة على الأقلية الفلسطينية داخل إسرائيل، وتركهم دون دولة»، لكن القانون لم يصدق عليه مخافة أن «يشوه صورة الدولة فى نظر المجتمع الدولى»، وبعد عامين أضيفت مسودة إلى القانون تمنح الجنسية بشروط. اللافت أن الفكرة التى كانت مسيطرة على إسرائيل هى «استبدال الفلسطينيين بيهود من الدول العربية»، ولكن هذا الحلم «المستحيل» لم يتحقق، بسبب الوضع العربى الرافض لإسرائيل. يجمع عرب 48 تاريخا من المآسى، مثلهم مثل أغلب الفلسطينين.. فرغم كونهم عربا يحملون الجنسية العبرية، إلا إنهم يمثلون الوجه الآخر للاجئين، فبدلا من أن يطردوا من أرضهم، أجبروا على العيش على أرضهم بوصفهم ضيوفا، (يستثنى من ذلك بعض عرب الطائفة الدرزية، تمثل أقل من 10%، التى وقفت إلى جانب القوات الإسرائيلية فى حروبها ضد السكان الأصليين من أجل احتلال أراضى فلسطين وضمها للدولة الجديدة وقتها). إلا أن هؤلاء العرب، عرب 48 بشكل عام، يعدون الطرف الأوفر حظاً من الفلسطينيين عموما لأن السلطات الإسرائيلية أصدرت لهم تصريحات إقامة داخل حدود إسرائيل «كان الهدف الرئيسى هو تمييزهم عن اللاجئين خارج إسرائيل، وذلك لضمان الإقصاء المستمر للغالبية الساحقة من الفلسطينيين-(أى اللاجئين)- ومنعهم من العودة سرا إلى أملاكهم». قد تبدو آلام ومآسى عرب 48 أقل وطأة إذا ما قورنت بوضع الفلسطينيين المحاصرين داخل قطاع غزة أو الضفة الغربية. لكن هذا الحظ لم يمنع اعتبارهم «قنبلة ديموجرافية موقوتة» داخل إسرائيل، لذا يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية، لا ينالون حقوق المواطنة كاملة، حيث ترفض الذهنية الإسرائيلية السماح أو حتى تصور إمكانية زواج عرب إسرائيل من فلسطينيات من خارج إسرائيل وإحضارهن إلى داخل إسرائيل، أو حق عودة لأقاربهم المنفيين فى الخارج، لأن ذلك يتعارض مع حق العودة لليهود فقط! يطرح المؤلف سؤالا جوهريا بشأن مستقبل عرب 48، فى حالة تنفيذ حل الدولتين: ماذا سيكون مصيرهم؟ ويجيب «إذا تم ترحيل هؤلاء الفلسطينيين البالغ عددهم 1.3 مليون عن إسرائيل بالقوة فى ظل ترتيب الدولتين، سيكون هذا انتهاكاً للقانون الدولى.. (ستكون) عملية تطهير على نطاق أوسع». اللاجئون.. ملاك الأراضى المختلسة تصاعدت الخلافات داخل إسرائيل منذ يونيو 1967 بشأن الأراضى المحتلة من فلسطين. موشيه ديان كان يرى ضرورة «هضم الضفة الغربية بعد التهامها»، بمعنى توطين اليهود فيها، لتشتيت السكان الأصليين بين المستوطنات، حتى لا يمكن أن تقام دولة فلسطينية لزرع المستوطنات الإسرائيلية على أراضى فلسطين! لهذا أقيمت المستوطنات بين المناطق الفلسطينية و«ليس حولها»، والهدف من ذلك أن تعمل المستوطنات «على تفتيت المساحة التى يعيش بها الفلسطينيون، والحيلولة دون اتصالها ببعضها من أجل منع ظهور أى دولة فلسطينية فى المستقبل».. لن تتضح هذه الفكرة إلا بالرجوع إلى طريقة تعامل إسرائيل مع الأراضى العربية، وهذا يرتبط بعدة قوانين وعدة ظواهر كذلك.. منها «الوصى الإسرائيلى»، وهو منصب استحدثته إسرائيل ل«تقنين» عملية الاستيلاء على الأراضى. حينما قامت الدولة بعد حروب وعمليات تطهير عرقى كان حوالى 80 % من أراضى إسرائيل مملوكة لملاك غائبين، أى لاجئين، لذا منحت الدولة العبرية «الوصى» مسؤولية رعاية هذه الأملاك، لكن هذه الأملاك بما فيها المقتنيات، السيارات، اللوحات، الملابس، محاصيل بساتين العنب والتفاح والزيتون واللوز، كل هذه الممتلكات والمحاصيل الزراعية منحت كما هى أو قيمتها للمحاربين القدامى، كذلك صودرت أموال الفلسطينيين ببنوك حيفا، والمركبات. أعلن الوصى «موردخاى شاتنر» عام 1953 أن عائدات هذه الأملاك وظفت فى «التنمية»، أى توطين المهاجرين اليهود على أراضى اللاجئين، وهكذا استخدمت أملاك اللاجئين، المطرودين من وطنهم، إلى مهاجرين جاءوا -من «الشتات»- ليختلسوا وطن وممتلكات الفلسطينيين! فى محاولة لاسترداد هذه الأملاك طالبت منظمة «العدالة» العربية عام 1998 الوصى الإسرائيلى بتقديم بيانات عن ممتلكات اللاجئين، فكان رده أنه «لا يمكن إفشاء أى أسرار حماية لخصوصية اللاجئين وأسرارهم». وبعد أربعة أعوام أعلنت الحكومة الإسرائيلية أن هذه المعلومات «ستفسد العلاقات مع حكومات أجنبية». وكان الرد الأخير فى هذه المسألة أن «سجلات الوصى لم تعد متاحة، وأن الدخل من أصول الفلسطينيين قد تم إنفاقه». من ناحية أخرى كان قانون الملكية الذى يتحكم فى علاقة الفلسطينيين بالأرض يعود إلى الدولة العثمانية، التى كانت فلسطين إحدى ولاياتها. يعتبر هذا القانون أن جميع الأراضى مملوكة للسلطان العثمانى، ويمارس هذه الملكية أفراد يدفعون مبلغاً من المال نظير «حجة»، و»إذا حدث ولم يزرع أحدهم -(المالكون)- قطعة الأرض المخصصة له لثلاث سنوات متعاقبة يفقد حق الملكية وتؤول للسلطات، وحينئذ يقوم المسؤولون بتخصيصها لمالك آخر»، ونتيجة لهذا القانون أعلنت إسرائيل عام 1979 أن كل الأراضى المحتلة، المملوكة وفقاً للقانون العثمانى، مملوكة للدولة، ويملكها الشعب اليهودى، وهكذا صار ممثل السلطان العثمانى هو الجندى الإسرائيلى الذى يفعل بالأراضى ما يحلو له! اللافت أن هناك عدة طرق تحايلت بها إسرائيل للحصول على الأراضى، منها احتجاز الأراضى لمدة حتى لا يمارس الملاك الزراعة- التى هى شرط التعاقد والملكية- كما منعت تسجيل الفلسطينيين لأراضيهم. كما يروى جوناثان كووك أن الجندى الإسرائيلى كان يحدد مساحات الأراضى بمدى صوته، بمعنى أنه كان يقف خارج أى قرية فلسطينية(تكون هذه نقطة بداية الأرض الجديدة لدولة إسرائيل) ثم يصرخ، وعند النقطة التى يتناهى سمع صراخه تنتهى مساحة الأرض.. أى أن إسرائيل أضافت إلى مساحتها أراضى مختلسة بعدد المسافات التى قطعتها صيحات جنودها.. وكل هذا كان يتم وفق سياسة ديان «الضم الزاحف»، التى كانت تفترض الحاجة لهذه الأراضى من أجل حماية حدود الدولة، وأمنها! بدأت الحكاية بعد حرب 1967 بنصيحة من «تيودور مرون»، كبير مستشارى إسرائيل فى القانون الدولى، بأن تتم المصادرات من «هيئات عسكرية لا مدنية تنزع الملكية.. فى إطار إقامة قواعد عسكرية» لكنها بصفة مؤقتة، حملت هذه القواعد اسم «قواعد ناحال الأمامية». أما مؤخراً فقد أعلنت إسرائيل مناطق من قطاع غزة بوصفها «مناطق قتال».. كان الهدف من هذا الإعلان أن يكون للجيش مطلق الحرية من ناحية، وطرد المدنيين الفلسطينيين من مساحات واسعة من القطاع، إلى مساحات أصغر فأصغر من ناحية أخرى. أمام رؤية ديان، التى كان الجيش الإسرائيلى ينفذها بشكل منظم تحت عنوان «الضم الزاحف»-حيث ضُم العديد من أراضى غزة والضفة الغربيةالمحتلة إلى إسرائيل بهذه الطريقة- تصاعدت تصورات لطبيعة التواجد الفلسطينى، وهى تصورات تم تجاهلها بالطبع- وإن كانت حلولاً أكثر إنسانية ومراعاة لحقوق الفلسطينيين- ومن هذه الاقتراحات اقتراح «إيجال آلون»، لابد من الإشارة إلى أن ذلك تزامن مع نكسة يونيو 1967. كان الاقتراح يدعو إلى إنشاء دولة فلسطينية، تحاط بالمناطق الإسرائيلية «كانت دولة آلون الفلسطينية هى أكثر التصورات المعروضة سخاءً» أو كانت «الإمكانية القصوى» حسبما فسرها مجلس الوزراء الإسرائيلى وقتها.. فقد كانت التصورات قبل هذا الاقتراح مجرد كلام عابر عن «منطقة شبه مستقلة للفلسطينيين».. لكن رئاسة الوزراء كانت تفضل الاحتفاظ بالضفة الغربية ككل! حل الدولتين.. هل يتحقق؟ السؤال قد يكون عبثياً إذا كنا نريد أن نقدم حلاً لمشكلة فلسطين.. خاصة أن ما يحدث فى فلسطين ليس بعيداً عن «الإبادة الجماعية»، اللافت أن كووك يشير إلى نجاح إسرائيل فى استغلال الاضطهاد التاريخى لليهود، الذى بلغ ذروته فى الهولوكست، فى تأسيس الدولة، وكذلك فى تقية نفسها من انتقاد سياستها ضد الفلسطينيين. من ناحية أخرى يقدم كووك الحل، الذى يتمثل فى العصيان المدنى، هذا سيحقق التأثير المطلوب، خاصة إذا شارك فيه بعض رموز اليسار الإسرائيلى.. اللافت أن فتح وحماس لم تمارسا هذا النشاط.. النواة التى من الممكن أن تتطور فى أحد الأيام لتشكل عصياناً مدنياً واضحاً ومؤثراً، «المسيرات الأسبوعية باتجاه جدار الفصل». وقد تعرضت لمضايقات من جانب «فتح». جيش إسرائيل يخشى هذه النوعية من التحركات، هذا ما يؤكده كووك، فقد فجرت حماس أجزاء من «الجدار الذى يفصل غزة عن مصر» لتمهل أهالى غزة فرصة وجيزة لكسر الحصار بالدخول إلى سيناء، يقول نائب وزير الدفاع، ماتان فيلناى، حيث يقول: «كلما زادت صواريخ القسام ووصلت إلى مدى أبعد، سينزل الفلسطينيونبغزة بأنفسهم محارق أكبر لأننا سنستخدم كل قوتنا للدفاع عن أنفسنا».. من ناحية أخرى يختتم كووك كتابه بالتعليق على حل الدولتين، المطروح الآن بقوة، لحل الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، الذى يراه كووك مستحيلاً، بسبب «صهيونية» إسرائيل، التى لن تسمح «لا بدولة واحدة ولا بدولتين».. ما الحل إذاً؟ يرى المؤلف أن الحل «توجيه طاقتنا لفعل شىء أكثر نفعاً: نزع المصداقية عن إسرائيل كدولة يهودية وتشويه سمعتها، ومعها الإيديولوجيا الصهيونية التى تساندها وتبقيها كذلك.. وبدون وجود الصهيونية لن تكون ثمة عقبة فى قيام دولة واحدة أو دولتين» أى أن كووك يرى أن الحل هو العدالة للطرفين معاً، نزع الصهيونية عن إسرائيل، واسترداد الفلسطينيين حقهم فى الوطن.