كيف يمكن لكاتب وأديب في حجم ومكانة الأستاذ يوسف أبورية أن يواجه وحدة المرض الخبيث دون أن تتدخل الدولة لمساعدته وإرساله في الخارج للعلاج. إن يوسف أبورية الذي عرفته منذ تزاملنا معا علي مقاعد الدراسة في كلية الإعلام في السبعينيات كان دائما عزيز النفس يعيش في حالة من التوافق النفسي الداخلي قانعا بحياته وبالأيام الخوالي التي عاشها في ههيا بالشرقية حيث مسقط رأسه ويرفض الانحناء لأحد أو أن يطلب من أحدا معروفا أو جميلا، لذلك لم يتردد علي مكاتب المسئولين طالبا السفر للخارج أو العلاج علي نفقة الدولة وإنما فعل ذلك أصدقاؤه ومحبوه. ومن جانبنا ننضم إليهم في جهودهم لحث المسئولين علي الالتفات لأديب كبير له اسهاماته وأعماله الأدبية التي ترتقي به إلي مصاف الكبار والعظام في الأدب العربي وإن كان لم يحصل علي الانتشار المناسب لأننا في عصر فيه الناس لا تقرأ وفيه الكتاب لا ينالون احتراما ولا اهتماما ولا تقديرا. فيوسف أبورية هو نموذج للمثقف العربي الذي اعتقد أن القيمة والاسهام الأدبي للكاتب من الممكن أن توفر له سبل العيش الكريم وتمنحه التقدير المادي والأدبي المناسب في المجتمع. وهو نموذج أيضا للمثقف العربي الذي ظل مخلصا للكلمة والابداع ولم يقف في طوابير المنافقين والمتزلفين للحكام والأمراء الذين نجحوا في استقطاب المثقفين لتحسين وتلميع صورتهم أمام المواطن العربي وتبرير قراراتهم وسياساتهم الخاطئة. فالمثقف العربي هذه الأيام يتميز بانتهازية صارخة وسعي حثيث لتحسين أوضاعة المادية والاجتماعية علي حساب مبادئه وأفكاره ومعلوماته. ومازلنا رغم تغير العصور والأزمنة نعيش هذا الزمن الذي فيه المثقف يباع ويشتري بالهدايا والمنح والعطايا بشكل لا يختلف كثيرا عن شعراء المدح أو الهجاء في عصور الملوك والسلاطين. ولم يكن زميلنا يوسف أبورية من هؤلاء، فهو إنسان بسيط مرتبط بالقرية التي تحمل داخله حيزا كبيرا من الوجدان والفكر والتفاعل، قانعا وسعيدا بحاله دون شكوي أو تذمر أو نظرة غيرة وحسد للآخرين رغم أن أعماله الأدبية تفوق أبناء جيله الذين حصدوا شهرة ومالا أكثر كثيرا مما يستحقون. إن "عاشق الحي" الذي نال جائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأمريكية عام 2005 تقديرا منها لمكانته وابداعه بين الكتاب العربي يستحق منا كل التكريم والإشادة والمساندة، شفاه الله وعافاه. [email protected]