لم يكن "محمود عباس" موفقا في الخطاب الذي ألقاه في 11 نوفمبر الحالي الذي صادف الذكري الرابعة لاستشهاد ياسر عرفات، فلقد جاء خطابه زاعقا بعيدا عن الحكمة هاجم فيه حماس واتهمها بأنها هي التي عطلت الحوار لصالح أجندات إقليمية، وكأنما أراد عباس بذلك أن يرسخ الانقسام أكثر وأكثر ويعمق شرخ الانفصال بين الضفة وغزة جغرافيا وسياسيا. كان يتعين علي عباس الذي يتطلع إلي مد ولايته بعد التاسع من يناير القادم أن يتصف بالحكمة والعقلانية ويتعامل مع شعبه كرئيس حريص علي كل فرد فيه، ولكنه مضي لا يلوي علي شيء.. فقط يدافع عن المقْعد الذي يجلس عليه ولا يحرك ساكنا إزاء الحصار التجويعي الإجرامي اللآدمي المفروض علي فلسطينيي غزة.. ولا يحرك ساكنا إزاء ما يحدث في القدس اليوم التي يجري تهويدها علي الملأ وكأنه لا يمت لهذه الأرض بصلة، هناك فرق بين أسلوبه في التعامل مع حماس وكأنه يريد أن يستأصلها من الوجود وبين تعامله مع إسرائيل بمرونة ومهادنة شجعتها علي أن تصول وتجول في الأراضي الفلسطينية تمارس الاعتقال والقتل والتدمير وتهويد القدس!. تهديد ووعيد كان المرء ينتظر من عباس أن يتحين مناسبة أحياء ذكري وفاة عرفات ليورد خطابا وطنيا يتحدث فيه كرئيس للشعب الفلسطيني، ولكنه انبري يتحدث بصفة حزبية حقيقية كان المرء يأمل أن يستغل المناسبة ليتحدث كرئيس عن الوحدة الوطنية والمقاومة والثوابت الفلسطينية، ولكنه بدلا من ذلك مضي يهدد ويتوعد، كل ما قاله ليس إلا تحريضا وتعبئة ضد حماس ولا غرابة فالرجل يريد تصفية المقاومة وإذا حدث ذلك سيتنفس الصعداء وسيشعر عندئذ بأنه حقق الهدف الذي تصبو إليه أمريكا وإسرائيل معا. هناك فرق.. ذكري رحيل عرفات استدعت حاجة الفلسطينيين إلي رئيس مثله يسعي لرأب الصدع بين شقي الوطن.. الضفة وغزة، وتبديد الانقسام والتشرذم واليأس والاقتتال وتفويت ما يطمح إليه الاحتلال وجهات أخري تسعي إلي تقسيم الوطن، ولهذا كان التباين كبيرا بين عرفات وعباس، فالأول تكتيكي قادر علي استيعاب التناقضات بينما عباس ضل الطريق ومعه عاشت الساحة الفلسطينية حالة من الارتباك والتفكك والفرقة وهو أمر من شأنه تعزيز مبدأ التقسيم وتعميقه ووأد الحلم الفلسطيني بإقامة الدولة، هناك فرق بين "عرفات " و"عباس"، فالأول تمتع بشخصية قيادية ورغم العثرات والعقبات والضغوط والتهديدات استطاع أن يحافظ علي القضية وعلي الوحدة الوطنية، أما الثاني فأداؤه مبتسر مريض وعينه علي مصلحته الشخصية ولا علاقة له بشعبه، ولهذا فإن ذكري عرفات تستنهض ذاكرة شعبه ببطولاته وتحديه وخصاله وكلها تؤكد أن الرجل لايزال يسكن وجدان وعقل وقلب كل فلسطيني، ولهذا فإن رحيله كان خسارة كبيرة لابناء الشعب الفلسطيني الذي يعيش اليوم حالة من التفكك والانقسام الداخلي، عرفات عمل علي توحيد الصف الوطني ودعم الحركة الوطنية الفلسطينية ويكفي أنه حافظ علي القضية وتحدي من أجلها كل الصعاب وواجه العقبات لم يضعف ولم يقدم أي تنازل عن المحاور الرئيسية والخطوط الحمراء للقضية وحافظ علي هوية وتراث الوطن.. ولهذا كان وسيظل رمزا شامخا للتحدي. السبب في إرجاء الحوار في الوقت الذي كانت الآمال منعقدة علي أن تتمكن جميع الفصائل الفلسطينية من صياغة موقف وطني موحد وتوافقي يواجه التحديات التي تفرضها محاولات التأثير في القرار الفلسطيني المستقل وأن يتمكن الحوار من حسْم الجدل المثار في الساحة بين فتح وحماس وأن يتم التوصل إلي المصالحة قبل حلول التاسع من يناير المقبل تفاديا للخطر الذي سيواجه الشعب بأكلمه عندئذ فيما إذا حَّل هذا التاريخ بدون التوصل إلي اتفاق توافقي ونهائي علي كل القضايا المختلف عليها في هذا الوقت اضطرت مصر إلي إرجاء الحوار الفلسطيني الذي كان سيعْقَّد في العاشر من نوفمبر الحالي بعد أن أعلنت حماس والجهاد والجبهة الشعبية والصاعقة بأنهم لن يشاركوا علي أرضية أن سلطة "عباس" في رام الله لم تُطلق سراح المعتقلين السياسيين بالإضافة إلي ما قيل بأن عباس سيأتي إلي الحوار ليلقي كلمته ويغادر دون أن يشارك في فعالياته!!.