مازالت الأزمة المالية العالمية تلقي بظلالها علي أسواق الصرف الدولية ففي الاسبوع الماضي شهدت السوق العالمية تقلبات كبيرة شهد علي اثرها الجنيه الاسترليني تراجعا بنسبة تقدر بنحو 3% أمام الدولار الأمريكي منخفضا بذلك إلي أدني مستوي له في غضون خمس سنوات نتيجة شيوع مخاوف من حصول ركود اقتصادي. وجاء التراجع الكبير جنيه الاسترليني بعد أن حذر محافظ المصرف المركزي البريطاني "بنك انجلترا" ميرفن كينج من أن بريطانيا ربما تكون قد دخلت أول فترة ركود لها منذ 16 عاما. حيث إن سعر صرف الجنيه الاسترليني انخفض إلي 1.620 دولار في التعاملات الآسيوية وهو أدني مستوي له منذ سبتمبر 2003 إلا أنه وفي وقت لاحق استرد بعض خسائره ليصل سعره إلي 1.6255 دولار. وقال المحللون إن العملة الأوروبية الموحدة "يورو" انخفضت بنسبة 2% لتصل إلي أدني مستوي لها مقابل الدولار خلال عامين فيما واصل الدولار ارتفاعه مقابل العملات الأخري وأضاف المحللون أن اليورو انخفض 1.2743 دولار قبل أن يتعافي قليلا ليصل إلي 1.2831 دولار وقد قفز الدولار إلي أعلي معدل له منذ عامين مقابل سلة من العملات، حيث يراهن المستثمرون علي أن أسعار الفائدة خارج الولاياتالمتحدة سوف تنخفض بشكل حاد في محاولة لدعم النمو العالمي. وأشار المحللون إلي أن المخاوف من تعرض الاقتصاد العالمي لركود كبير قد دفع المستثمرين إلي الامتناع عن المراهنة بشكل كبير علي الدولار حيث تسببت هذه المراهنات هذا العام في ارتفاع اليورو إلي مستوي قياسي ليصل إلي أكثر من 1.60 دولار. وفي غضون ذلك قلل الخبراء من انعكاسات هذه الاضطرابات علي سوق الصرف المحلي واصفين الآثار بأنها محدودة متمثلة في تباين ردة فعل الشارع المصري تجاه الأحداث حيث يشهد الشارع المصري ثلاثة ردود أفعال متباينة فبينما يفضل فريق الابقاء علي الأمور كما هي حتي تنحسر الأزمة سارع فريق آخر باقتناء اليورو معللين ذلك بأنها فرصة استثمارية واعدة عندما يعاود صعوده مجددا وبين هذا الفريق والسابق يبقي فريق ثالث يفضل الاحتفاظ بالجنيه المصري كعملة رسمية لمدخراته علي اعتباره الأكثر ثباتا في الأزمة المالية العالمية. فبينما كان اليورو نجم الشارع المصري في الشهور الأخيرة مع ازدياد الطلب عليه في مواسم عمرة رمضان وغيرها رغم الارتفاع الواضح في سعره، بينما كان هناك بعض من الإحجام عن التعامل بالريال لارتباطه بالدولار الذي فقد 35% من قيمته إلا أن التقلبات الآن باتت أسرع من اتخاذ قرار سليم بالنسبة للمستثمر وسط حالة من صعوبة استقراء الأحداث في المستقبل بسبب التقلبات المتسارعة في الشارع المصري. "الأسبوعي" حاول استقراء الأحداث من خلال جولة قام بها في صالات الصرافة والبنوك مع بعض المواطنين فمن جانبها قالت هبة سيد زين العابدين إنها تفضل أن تحتفظ بمدخراتها في صورة جنيهات مهما كانت حالته علي حد وصفها لأنه ليس طرفا في الصراع بين العمالقة وصراع الكبار عادة ليس له كبير علي حد تعبيرها. أما جيهان عبيد موظفة فالتقينا بها في شركة صرافة وأشارت إلي أن زوجها قام بتحويل بعض الأموال التي استطاعا تحويشها إلي يورو وذلك لامكانية وجود أرباح مع صعود العملة مجددا خلال الفترة القادمة. ويعقب محمد إبراهيم موظف بوزارة الموارد المائية بعفوية قائلا "احنا مالنا وأنا ايه علاقتي باليورو أو الدولار احنا غلابة ودخولنا لا تكفي بالكاد ولم تعد لدينا مدخرات حتي نتابع الأزمة من الاساس ومن الرابح ومن الخاسر"! تفاؤل عمرو دعبس مدرس اقتصاد قال: "ساحتفظ بوديعتي بالدولار كما هي فأنا موقن جيدا أن الأزمة ستنحسر في وقت من الأوقات ويعود كل شيء إلي سابق عهده ولن أجازف بأي خطوات في ظل ما يحدث والكابوس الذي نعيشه اليوم من جراء التقلبات التي يشهدها العالم والمفاجآت اليومية فدعونا نعتزل الأحداث وندخل في بيات شتوي نهرب من الواقع حتي تنحسر الأزمة". ومن جانبه أوضح علي الحريري سكريتر عام شعبة الصرافة باتحاد الصناعات المصرية أن تراجع، الجنيه الاسترليني أمام الدولار والتقلبات التي يشهدها سوق الصرف العالمي في ظل أجواء من التوتر وعدم الوضوح التي تسيطر علي العالم يؤدي إلي صعوبة استقراء الأحداث وتكوين رؤي حول المستقبل سواء أكان الحديث عن الأجلين القصير والمتوسط فلم يكن أحد يتوقع أن يتراجع اليورو بهذه الطريقة وفي وقت قياسي. أشار الحريري إلا أنه علي الرغم من التقلبات التي يشهدها سوق الصرف العالمي إلا أن الأوضاع مستقرة إلي حد ما في السوق المصري ولم نشهد تقلبات كتلك التي كنا نشهدها غي الأوقات السابقة فالجنيه محافظ علي ثباته أمام هذه التقلبات الأمر الذي يعكس الاستقرار الذي يتمتع به الجنيه أمام العملات الأخري. وأوضح الحريري أن هناك اقبالا نسبيا علي شراء اليورو بهدف تحقيق مكاسب عندما يعود إلي الصعود مجددا ولكنها ليست ظاهرة بل لا تعدو كونها شرائح صغيرة من المجتمع. وفيما يخص وجود سوق سوداء في خضم هذه الأزمة أوضح أن نشاط السوق السوداء في مصر محدود جدا الآن ولا يعدو كونها حالات فردية. صراع الدولار واليورو ويعلق علي ذلك الدكتور أيمن فرج الباحث الاقتصادي بجامعة القاهرة قائلا نحن ومن خلال الأزمات التي تعرضنا لها نؤمن جيدا أنه ومما لا شك فيه أن التأثير علي موقع اليورو عالميا، بما في ذلك ما يرتبط بصراعه المؤكد مع الدولار في السنوات القادمة، لن يكون كبيرا من جانب كل دولة بمفردها، وإنما من خلال "التكتلات الاقتصادية"، وبالتالي فإن تحقيق الوحدة الجمركية وربما النقدية في مجلس التعاون الخليجي، أو التقدم بخطوات حقيقية ملموسة علي صعيد تشكيل سوق عربية مشتركة وهي لا تتشكل علي أرض الواقع دون تقارب اقتصادي أكبر وكل خطوة في اتجاه التكتل الاقليمي أو الشامل، يمكن أن تعطي الدول المعنية معا موقع تأثير أكبر وأشد فاعلية مما هو عليه الحال الآن، علي لعبة حركة الأموال ورؤوس الأموال العالمية ولعبة التنافس والصراع بين العملات الرئيسية في أنحاء المعمورة.