أثار انهيار محادثات منظمة التجارة العالمية انقسامات في الرأي حول ما إذا كانت جولة الدوحة تحاول ببساطة التصدي لقضايا أكثر من اللازم في وقت واحد. بعض المفاوضين يرون أنه من الممكن استخلاص سلسلة من الاتفاقات الأصغر نطاقا من بين حطام جولة الدوحة التي تستهدف فتح الأسواق العالمية علي مصراعيها أمام السلع الغذائية والصناعية بالإضافة إلي الخدمات عبر الحدود، لكن اَخرين يصرون علي أن السعي لإبرام صفقة شاملة كان ضروريا لتلبية احتياجات الجميع. وقالت سوزان شواب الممثلة التجارية الأمريكية بعد يوم من انهيار المحادثات في جنيف: أعتقد أن التاريخ لم يشهد قط مفاوضات دولية بمثل هذا التعقيد. وأضافت أن مجالات معينة من محادثات الدوحة واسعة النطاق بدت جاهزة للتوصل إلي اتفاق بشأنها حتي رغم أن أعضاء منظمة التجارة العالمية البالغ عددهم 153 عضوا أخفقوا في التوصل إلي إجماع علي اتفاق كلي لخفض الحواجز التجارية أمام تجارة المواد الغذائية والسيارات والمنسوجات والهواتف. وتساءلت شواب قائلة: لماذا يتعين التوصل إلي اتفاق بشأن كل شيء في نفس الوقت تماما؟ وقالت إنه من الممكن الخروج من جولة محادثات الدوحة المستمرة منذ نحو 7 سنوات باتفاقات جانبية لتعزيز التجارة في السلع البيئية وإصلاح قواعد المنافسة في التصدير ومنح الدول الفقيرة مميزات الإعفاء من الجمارك ونظام الحصص. وأضافت: هناك دائما وسائل للمضي قدما بالاتفاق علي أجزاء.. وإذا كنا سنقول إننا لن ننجز شيئا إلا بإنجاز كل شيء فسيستغرق الأمر وقتا أطول. وقد أخفق وزراء التجارة علي مدي 9 أيام من المفاوضات في الاتفاق علي تنازلات تجعل التوصل إلي اتفاق لجولة الدوحة أمرا مستساغا للاقتصادات الكبري خاصة وذلك مع عجز الهند والولايات المتحدة في تسوية خلافاتهما بشأن الحواجز في أسواق المنتجات الزراعية. وأصر وزير التجارة الهندي كمال ناث علي ضرورة احتفاظ جولة الدوحة بأسلوب "كل شيء أو لاشيء" لكي تحصل الدول الفقيرة علي أفضل صفقة ممكنة عند استئناف المحادثات. وقال: منظمة التجارة العالمية ليست مأدبة طعام مفتوحة لكي تنتقي منها ما تريد وتذهب. ويتفق أورو كينياتا نائب رئيس الوزراء الكيني مع ناث في أنه من الخطر تفتيت المفاوضات إلي قضايا منفصلة لأن ذلك من شأنه إقصاء بعض الدول. وقال في مؤتمر صحفي: لا يمكننا فصل القضايا عن بعضها البعض.. لابد أن يأتي كل شيء في حزمة واحدة من أجل تلبية احتياجات كل الأعضاء. وشبه المدير العام لمنظمة التجارة العالمية باسكال لامي السعي لإبرام اتفاق في جولة الدوحة ببناء كاتدرائية علي الطراز القوطي حيث تمثل قضايا معينة مثل تخفيضات الدعم والرسوم الجمركية التي تضر بالصادرات الأعمدة الرئيسية التي يمكن البناء عليها. وأشارت شواب إلي هذا التشبيه قائلة إن التصميم الهندسي لجولة الدوحة ربما يكون السبب في انهيارها.. وقالت: ربما يكون تعقيد الكاتدرائية التي بنيت خصيصا لجولة الدوحة هو ألد أعدائها وسبب انهيارها. في نفس الوقت هللت جماعات مناهضة للعولمة لانهيار محادثات التجارة العالمية ووصفته بأنه نصر للمزارعين والعمال والفقراء في مختلف أرجاء الأرض ولطمة لسيطرة رأس المال والأعمال.. بل إن منظمات العمال والمزارعين الرئيسية قالت إن الاتفاق المطروح علي مائدة التفاوض في جولة الدوحة لمنظمة التجارة العالمية في الأيام القليلة الماضية كان بالغ السوء. وأعلنت حركة بابليك سيتيزن الأمريكية التي تشن حملة مناهضة لمنظمة التجارة منذ 10 سنوات النصر لصغار المزارعين والعمال والمجتمع المدني والدول النامية. وقالت لوري والاش خبيرتها التجارية: كان يجب دفن الجثة المتحللة "لجولة الدوحة" منذ سنوات. وقالت جماعة فوكس أون ذا جلوبال ساوث ومقرها مانيلا إن فشل مفاوضات جنيف "راحة موضع ترحيب للدول الفقيرة" في مواجهة الحملة العدوانية التي شنتها القوي الغنية لمزيد من تحرير التجارة رغم أزمة الغذاء والوقود العالمية. وقالت جماعة اكشن ايد العالمية إن انهيار المحادثات كان "نتيجة لجشع الشركات في أمريكا وأوروبا" بتشجيع من الحكومات. وأضافت أن الاتفاق الذي اقترحه باسكال لامي المدير العام لمنظمة التجارة العالمية زاد المشاكل لملايين الفقراء وعكس التصلب والافتقار للحساسية من جانب الدول الغنية غير المهتمة ببقاء صغار المزارعين والعمال علي قيد الحياة والوظائف في الدول النامية. ورددت جماعة دينية هي هيئة المجالس المسيحية لأفريقيا الجنوبية رأي مماثل إذ قالت إن المحادثات التجارية كانت دوافعها السلطة والاهتمام بالمصالح الذاتية. وفي فرنسا التي عارضت حكومتها تنازلات أوروبية في دعم أسعار الحاصلات الزراعية لتلبية مطالب الدول النامية بفتح الأسواق الأوروبية أبدت جماعات المزارعين رضاها عن نتيجة مفاوضات جنيف. وقالت حركة كورديناسيون رورال وهي تجمع لصغار المزارعين أنها سعيدة لأن أعضاءها والعمال في مختلف أنحاء العالم سيرتاحون من خطر فتح الأسواق الزراعية علي مصراعيها. لكن جان ميشيل ليميتيه رئيس اتحاد كبار المزارعين في فرنسا قال إن العقل انتصر لأنه اتضح في محادثات جنيف أن الدول الأفضل حالا في اَسيا وأمريكا اللاتينية لا تريد فتح أسواقها.