أخيرا أعلن باسكال لامي المديرالعام لمنظمة التجارة العالمية فشل مفاوضات دورة الدوحة التجارية ووقفها رسميا إلي أجل غير مسمي.. وقد حدث ذلك يوم 24 يوليو الماضي خلال اجتماع وزراء التجارة في جنيف.. وفي تعليقه علي ما حدث قال كمال ناث وزير التجارة الهندي إن دورة الدوحة دخلت غرفة الإنعاش وصارت قريبة من القبر. وتذكرنا مجلة "الإيكونوميست" بأن دورة الدوحة كانت قد أطلقت في العاصمة القطرية عام 2001 عقب الهجمات الإرهابية علي واشنطن ونيويورك في 11 سبتمبر من ذلك العام.. وأنها كانت تطمح إلي توسيع نطاق العولمة ومساعدة الدول الفقيرة في اَن واحد وأن يتم ذلك بإجراءخفض كبير لكل من الرسوم الجمركية والدعم المقدم إلي المنتجات الزراعية التي تحظي بتدليل شديد في الدول الغنية. وخلال السنوات الخمس الماضية لم تحرز مفاوضات دورة الدوحة أي تقدم يذكر رغم تكرار انعقادها حتي جاء انهيارها الأخير بسبب عدم الرغبة في التوصل إلي حلول وسط من جانب كل الأطراف الأغنياء والفقراء.. أو الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي والأسواق الناشئة. والسؤال الكبير الاَن هو ماذا بعد انهيار مفاوضات دورة الدوحة؟ الحق إن إجابة هذا السؤال ليست بسيطة.. ففي عام 1990 انهارت دورة أوروجواي "وهي الدورة السابقة علي دورة الدوحة" وأعلن الخبراءموتها ولكنها بعد 3 سنوات فقط عادت إلي الحياة وتم التوصل إلي اتفاق معقول بين الفرقاء المختلفين. ونحن نعرف أن عقدة الخلاف التي أدت إلي انهيار دورة الدوحة تتمثل في أن الولاياتالمتحدة تريد إجراء خفض كبير في الرسوم الجمركية بدعوي أن أفضل طريق لمساعدة الدول الفقيرة هو فتح وتحرير الأسواق.. ولأن الرسوم الجمركية الأمريكية منخفضة بالفعل فإن هذا يضع الكرة في ملعب الاتحاد الأوروبي وكبريات الأسواق الناشئة لكي تخفض رسومها الجمركية علي السلع الزراعية والمنتجات الصناعية معا. وعلي عكس الولاياتالمتحدة فإن الأسواق الناشئة تدعو إلي خفض الدعم وخفض التعريفة الجمركية في الدول الغنية علي أن تستثني هي من ذلك ولو لبعض الوقت وتري دولة مثل الهند أن الولاياتالمتحدة تريد من الاَخرين خفضا كبيرا في الرسوم الجمركية ولكنها لا تقدم سوي تنازلات محدودة فيما تعطيه من دعم لمزارعيها. ولا يفوتنا أن نقول إن بعض المتفائلين يتوقع استئناف مفاوضات دورة الدوحة التجارية مرة أخري في غضون أسابيع بعد أن يتأكد لدي الرئيس الأمريكي جورج بوش أن التوصل إلي حل وسط أفضل من الفشل الكامل لأنه في حاجة الاَن إلي إحراز انتصار علي جبهة العولمة متعددة الأطراف. ولكن مجلة "الإيكونوميست" تقول إن هناك مع ذلك أسبابا متعددة للتشاؤم فالخلاف في دورة الدوحة أكثر تعقيدا مما كان عليه في دورة أوروجواي السابقة فهناك خلاف بين الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة وهناك خلاف اَخر بين الاتحاد الأوروبي والأسواق الناشئة وخلاف ثالث عصي بين الولاياتالمتحدة والأسواق الناشئة. يضاف إلي ذلك أن الكونجرس الأمريكي المدجج بجماعات الضغط المدافعة عن السياسات الحمائية لن يمنح الرئيس بوش فرصة أخري بعد يونية القادم لاستئناف مفاوضات الدوحة والتوصل إلي اتفاق بشأنها كما أن الرئيس بوش نفسه عزوف عن طلب هذه الفرصة التي هو غيرمتأكد من إمكان نجاحه في استثمارها ولذلك قد لا يكون هناك مفر من دخول دورة الدوحة إلي ثلاجة التبريد العميق إلي ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة في 2008. ويري أصحاب هذا الرأي أن فشل دورة الدوحة سيفتح الباب علي مصراعية للاتفاقات الثنائية والاقليمية.. ولعلنا نعرف أن أمريكا تحبذ هذا النوع من الاتفاقات وأن إدارة الرئيس بوش وقعت حتي الاَن 14 اتفاقا ثنائيا للتجارة الحرة وتتفاوض علي توقيع 11 اتفاقا اَخر، ويعتقد كثيرون أن أمريكا لن تخسر كثيرا من فشل دورة الدوحة لأنها تستعوض خسائرها عن طريق الاتفاقات الثنائية والاقليمية. وحتي علي جبهة الدول الفقيرة والأسواق الناشئة سنجد أن الاتفاقات الثنائية والاقليمية صارت هي سيدة الموقف وأنها سوف تتزايد بعد فشل دورة الدوحة.. وفي قارة اَسيا علي سبيل المثال سنجد أن الدول العشر أعضاء منظمة الأسيان وقعت جميعا فيما بينها اتفاقات ثنائية للتجارة الحرة وأنها وقعت كلها أيضا اتفاقات ثنائية مع الصين وجاري التفاوض بينها وبين كل من كوريا الجنوبية والهند من أجل توقيع اتفاقيات مماثلة. ويشير أحد التقديرات إلي أن منطقة شرق اَسيا وحدها سيكون فيها بحلول نهاية العام الحالي 70 اتفاقا ثنائيا واقليميا للتجارة الحرة ستكون اليابان أيضا طرفا في كثير منها. وتقول مجلة الإيكونوميست إن أوضاع قارتي أفريقيا وأمريكا اللاتينية لا تختلف كثيرا عن وضع اَسيا فيما يخص الاتفاقات الثنائية والاقليمية للتجارة الحرة وأن هذه الاتفاقات تؤدي إلي انخفاض تدريجي في الرسوم الجمركية وهو كما نعرف مطلب أمريكي جوهري وهذا يمهد الطريق دون شك لإخراج دورة الدوحة من الثلاجة واستئناف مفاوضاتها من جديد.. أما متي يحدث ذلك علي وجه التحديد فتلك مسألة أخري لا يمكن القطع فيها برأي في الوقت الراهن.